الباحث: سلام مكي الطائي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين رسولنا الأمين محمد وآله الطيبين الطاهرين. وبعد
إن الصداقة نعمة من نعم الله تعالى على الإنسان، ويجب عليه احترامه وتقديره لهذه النعمة التي مَنَّ بها الله سبحانه بها عليه، فلا يمكن للمرء أن يعيش في حياته من غير شخص يهتم به ويودعه أسراره ويطلعه على همومه التي يكتمها بداخله.
فالصديق الصادق والمخلص يصبح كالأخ له ويساعده في التغلب على كل الظروف التي يمر بها صديقه المقابل ويشاركه في السراء والضراء، إذ روي عن الإمام علي (عليه السلام) أنَّه قال: (من النعم الصديق الصدوق)[1]. وجاء عن الإمام علي(عليه السلام) إذ انه قال: ((لا يَكُونُ الصَّدِيقُ صَدِيقاً حَتَّى يَحْفَظَ أَخَاهُ فِي ثَلَاثٍ فِي نَكْبَتِهِ وَ غَيْبَتِهِ وَ وَفَاتِهِ))[2].
فالإمام علي (عليه السلام) يبين لنا أهم صفات الصداقة والأخوة الحقيقية، التي يجب توافرها بين الأصدقاء لتكون الصداقة ناجحة، وتدوم إلى الأبد، فمن صفات الصديق الصادق هو الذي يحفظ صديقه في إذا غاب عنه وإذا سمع عنه أنه يُذكر بسوء فيدافع عنه، وينصحه، ويرشده للصواب إذا وقع في الخطأ، ويقبل النصيحة من الآخرين، ويزور صديقه إذا مرض، ويقف معه ويشاركه في فرحه وحزنه، ويبقى وفياً له حتى بعد وفاته، وأن يكون لصديقه كالظل يتبعه في كل مكان، وينشر محاسنه ويستر عيوبه ولا يكشفها للآخرين، ويقبل اعتذاره ويسامحه، ويصدقه ويثق به.
فإذا فعل كل ذلك بصدقٍ فهذا هو الصديق الحقيقي، فقد روي عن الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام): ((إنَّما سميَ الصديق صديقاً لأنَّه يصدقك في نفسك و معايبك؛ فمن فعل ذلك فاستنم إليه فإنه الصديق))[3].
ويجب على الصديق أن لا يُكثر من اللوم والعتاب بينه وبين صديقه؛ وذلك من أجل الحفاظ على ديمومة الصداقة بينهما، واستمرارية العلاقة الاجتماعية بين الأصدقاء، وأن ينسى زلاته وهفواته معه، ويتحمله ويصبر عليه إذا ورد منه خطأ غير مقصود، إذ روي عن الإمام علي(عليه السلام) في هذا الشأن أنه قال: (من لم يحتمل زلل الصديق مات وحيداً)[4]، و إذا حصل منه ما يغضب الله عز وجل بادرَ إلى نصيحته وإرشاده إلى الصواب، ولا يتركه إلاَّ إذا لم يأخذ بالنصيحة ولم ينتهِ ويبتعد عن فعل السوء، إذ روي عن الإمام علي(عليه السلام) أنه قال: (لا خير فيمن يهجر أخاه بغير جرم)[5].
وأيضاً من صفات الصديق الصادق هي: أن يكون مهتماً بأمر صديقه، وهذه الصفات التي يجب وجودها في الصديق الحقيقي والتي أكدوها لنا أهل البيت(عليهم أفضل الصلاة والسلام)، إذ روي عن الإمام علي(عليه السلام) أنه قال :(من أهتمّ بك فهو صديقك)[6].
وكذلك من صفات الصديق المخلص لصديقه مساعدته له في قضاء حوائجه ويقدم له كل ما يستطيع تقديمه، ويشجعه دائماً على فعل كل ما يرضي الله تعالى، وعلى فعل الخير والابتعاد عن فعل السوء وعن أصدقاء السوء أيضاً، إذ روي عن الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) أَنَّه قال: (صديقك من نهاك وعدوك من أغراك)[7].
و يشترط على المرء المؤمن إذا أراد أن يختار صديقاً يحمل كل معاني الصداقة الحقيقية، وأنه إذا غضب عليك لم يذكرك بسوءٍ أكثر من مرةٍ أصبح حقاً عليك أن تتخذه صديقاً وأخاً لك، وهذا ما أكده ما روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)، إذ أنه قال: ((إنْ غَضِبَ عَلَيْكَ مِنْ إِخْوَانِك ثلاث مَرَّاتٍ فَلَمْ يَقُلْ فِيكَ شَرّاً فَاتَّخِذْهُ لِنَفْسِكَ صَدِيقاً))[8].
عظمة منزلة الأخوة و الصداقة:
للصداقة والأخوة الحقيقية منزلة عظيمة، وهذا ما نلمسه واضحاً في أحاديث وأقوال أهل بيت النبوة(عليهم أفضل الصلاة والسلام)، أي أن الصديق يستغيث بصديقه من نار جهنم قبل أن يستغيث بأهله، إذ روي عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنَّه قال: ((لقد عظمت منزلة الصديق حتى ان أهل النار يستغيثون به ويدعون في النار قبل القريب الحميم))[9].
ومن فوائد الصداقة الحقيقية الأخوة بالله تعالى أنه روي عن الإمام علي بن موسى الرضا(عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة والسلام)، أنه قال: ((من استفاد أخاً في الله استفاد بيتاً في الجنة))[10].
حدود الأخوة والصداقة:
وهناك ثمة حدود يجب توافرها في الصداقة والأخوة، فإذا كانت هذه الحدود موجودة أصبح واجباً علينا أن نطلق على هذا النوع من الصداقة بالصداقة الحقيقية، وهذه الحدود بينها لنا الإمام جعفر بن محمد الصادق(صلوات الله تعالى عليه)، إذ أنه قال: ((لا تكون الصداقة إلا بحدودها فمن كانت فيه هذه الحدود أو شيء منها فانسبه إلى الصداقة ومن لم يكن فيه شيء منها فلا تنسبه إلى شيء من الصداقة فأولها: أن تكون سريرته و علانيته لك واحدة، والثانية أن يرى زينك زينه وشينك شينه، والثالثة أن لا تغيره عليك ولاية ولا مال، والرابعة أن لا يمنعك شيئا تناله مقدرته، والخامسة وهي تجمع هذه الخصال أن لا يسلمك عند النكبات))[11].
المصدر: مؤسسة علوم نهج البلاغة
الهوامش:
[1] عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص467.
[2]هداية الأمة إلى أحكام الأئمة (عليهم أفضل الصلاة السَّلام)، الحر العاملي، ج5، ص139.
[3] ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج 2، ص1589.
[4] المصدر نفسه، ج 1، ص45.
[5] موسوعة أحاديث أهل البيت(عليهم أفضل الصلاة والسلام)، الشيخ هادي النجفي، ج12، ص17.
[6] المصدر نفسه، ج 6، ص40.
[7] شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 20، ص302.
[8]وسائل الشيعة (آل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام)، الحر العاملي، ج 12، ص147.
[9] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 71، ص176.
[10] وسائل الشيعة آل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام)، الحر العاملي، ج 12، ص16.
[11] الوافي، الفيض الكاشاني، ج 5، ص574.