سكنة حجازي
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
{يـا أيـها الذيـن آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة}(التحريم: 6).
أمي لا أحبك عندما أراك تحملين أخـي الصغير ولا تلتفتين إلي. أو تهتمين به وتلاعبينه فيما تدفعين بي عنك وعنه.
أبي أرجـوك، عندما تعود إلي المنزل وأكـون بـانتظارك لا تبدأ بقراءة الصحيفة أو الحديث مع والدتي دون المبالاة بي، فأحب أن ألعب معك ولو قليلاً.
معلمتي أنت بمثابة أمٍّ لي فلا تقولي لزميلي أحبك وتنظرين إليه بحنان وتهملينني في زاوية الصّف.
جدي وجدتي لِمَ تـدلّلان أخوتي وتقربونهم أكثر منّي.
إلى كل من يحيط بي ، أنتم سبب مشاكلي فلا تعاقبوني بإلابعاد والإهمال لأن ذلك سيجعلني غيوراً غاضباً ومحتالاً لكسب الود والاهتمام.
أمي تقولين عني: غيورٌ. فما معنى الغيرة؟!
الغيرة هي انفعال شـديد يـنشأ من خلال الإحباط والقلق الناتج عن شعور الطفل بتناقص الاهتمام به. إنها سلوك اتكالي عند الطفل. وهي انفعال مركب يجمع بين حبّ التملك وبين الشعور بالخوف والغضب والحقد.
*كيف عـرفت أنـي غيور؟!
أكثر ما تظهر الغيرة على شكل عدوان ضد الآخر لأخت أو أخ إذا كان مولوداً جديداً، أو زميل في المدرسة والطفل الغيور لا يمكن أن يشعر بالسعادة أبداً، فهو دائم الحزن والألم والكره للآخرين كبيراً كان أم صـغيراً. فـيما قد يلجأ إذا نشأ وكبر ولم يتخلص منها إلى إيقاع الأذى بالآخرين كالوشاية والحسد وما إلى ذلك! ومن مظاهرالغيرة:
1-الغضب: ويظهر بشكل تخريب وعناد وعصيان نتيجة الشعور بالإحباط.
2-ميل إلى الصمت: إذا لم يستطع التعبير عن الغيرة، فـإنه يـلجأ إلى الإنـطواء والخجل وقد يسبب فقداناً للشـهية إلى الطـعام.
3-مظاهر جسمية: وتظهر على شكل صداع، وشعور بالتعب والتمارض من أجل جذب الاهتمام به.
4-مظاهر نفسية: كالحزن واليأس، والبكاء المتكرر، والتـبول اللإرادي ومـص الأصـابع أو قضم الأظافر لكسب ود وعطف الآخرين.
5-الميل إلى التحايل: للحـصول عـلى ما افتقده كتقبيل المولود الجديد أو تقبيل والديه والتودّد لهما.
وتظهر الغيرة من السنة الأولي عند الطفل وحتى سن السـّادسة. فـيما تـأخذ أشكالاً أخرى بعد هذا السن(الحسد، الوشاية، الإيقاع بالآخرين).
*إذاً مـا سبب غيرتي يا تري؟
تتعدّد أسباب الغيرة وتختلف تبعاً لمراحل كل طفل ومحيطه وأسلوب التعامل معه. وهي غالباً مـن صـنع الكـبار إذ قد تبدأ بشكل مداعبة بالتحريض وإظهار الاهتمام بالآخر وتركه هو(أقـبل طـفلاً آخر وأنظر ردة فعله، أو أعطي شيئاً للآخر لأري تصرفه...).
وهي على الشكل التالي:
1- ميلاد طفل جديد فـي الأسـرة: لا شـك أن الاهتمام والانتباه سيتحول إلى المولود الجديد وسيقابله إهمال الأكبر منه وهذا سيجعل الطـفل غـيوراً مـنه لأنه سلبه اهتمام والديه وبعض الامتيازات التي كانت له. مما يشعره بعدم الأمان والاطمئنان إلى وضـعه داخـل الأسـرة.
2- اهتمام الأم بالأب: الاهتمام الزائد للزوجين ببعضهما وترك الطفل بعيداً عنهما يشعره بالقلق والاضطراب خصوصاً إذا شـاهد بـعض العلاقات العاطفية أو الجنسية بينهما.
3- التمييز في المعاملة: وذلك عندما يقرّب الوالدان أحد الأطفال دون الآخـرين لذكـاء أو جـمال عنده ومحاولة إبراز الفروقات أمام الآخرين(أصدقاء ، جيران...)لذا قد يحاول الانتقام من الطفل المـميز أو مـن الوالدين(النبي يوسف وأخوته الذين كادوا له فألقوه في البئر). وقد ينشأ التـمييز بـين الإنـاث والذّكور مما يولد عند الذكور الغرور، وعند الإناث غيرة قد تكبت فتظهر فيما بعد عـند أزواجـهن. أو إغداق الامتيازات على الطفل المريض وإهمال السليم مما يجعله يتمارض أو يظهر الكـراهية والعـداء للمـريض.
4- سوء معاملة الوالدين للطفل وقسوتهما عليه: لأن ذلك يؤدي إلى الشعور بأنه مهمل ومنبوذ وخصوصاً إذا ما قـورن مـع مـن هم أعلى منه ،فإن ذلك يؤدي إلى الشعور بالخيبة والعجز والنقص أمام الآخرين مـمّا يـثير عامل الغيرة عنده.
5- الغيرة عند الطفل الوحيد: وهذا قد تظهر الغيرة عنده خارج العائلة فبعد أن اعـتاد على تملك كل شيئ يخرج إلى المجتمع(أقارب، أصدقاء، مدرسة...)ويحاول الاستيلاء عـلى كـل شيئ ، فإذا منع من ذلك يشعر بالصدمة وبـالتهديد ؛ فـقد يـنظر إلى الناس أنهم يتآمرون عليه وضده... ويصبح الأمـر أكـثر خطورة إذا نشأ على هذا الإحساس مما يعقد حياته مع زوجته وأطفاله.
6- الفشل أو التـقصير فـي الدراسة: فالطفل الذي يرسب في صـفّه يـحاول إلصاق التـهم بـالناجحين للتـقليل من شأنهم.
7- الشعور بالنقص: وذلك عند عـدم حل المشكلة التي يعاني منها(ونقص في الجمال، أو بعض القدرات الحسية أو العقلية).
ألا مـن عـلاج لها؟!
إذا كنت عرفت أسباب غيرتي وعرفت نـتائجها ألا يهمك أن تبعديها أو تشفيني منها؟ وذلك ب:
1- تـهيئة الطـفل للمولود الجديد: وذلك بإخباره عنه وعـن مـجيئه إلى الأسرة ثم بيان فائدة ذلك له(سيلعب معه، يسعده، يساعده...)ثم قد نـشركه بـالمسؤولية عنه(كأن يقدّم له الألعاب والهـدايا).
ولا نـنسَ أن نـجعل وقتاً للطفل الكـبير عـند وجود المولود للاهتمام بـه ورعـايته وإعطاء الحب والحنان اللازمين له.
2- عدم ممارسة علاقات عاطفية بين الأبوين أمام الطفل بـشكل يـثير غيرته وحاجته للعاطفة.
3-عدم التمييز فـي المـعاملة: خصوصاً مـا بـين الإنـاث والذكور أو حتى بين أطـفال الجنس الواحد(من مظاهر جمال وذكاء).
4- عدم مقارنة الأطفال بعضهم ببعض في أي من المجالات(تـفوّق، ذكـاء نجاح...)سواء بين الأخوة أو الأقارب أو الزمـلاء فـي المـدرسة لأن ذلك سـيؤدي إلى الإحـباط وزيادة حالة الغـيرة عـنده.
5- لا تحاول إبراز عيوب الطفل أمام الآخرين أو السخرية من تصرفاته مهما كانت وبالمقابل عدم مدح الآخرين بـشيئ يـنقصه(أمـامه). لأن ذلك سيؤدي إلى الحقد عليهم.
6- الاعتدال في التعامل مـع الطـفل الوحـيد خـاصة وإظـهار العـطف والحنان اللازمين مع عدم الإغراق بحيث تتولد الأنانية وحب الذات على الآخرين. وعدم المبالغة في القلق عند ظهور الغيرة بل مواجهتها ككل المشاكل النفسية بتأنٍ وتفهم وحكمة.
هـذا فيما لو بدأت الغيرة فنضطر لعلاجها ولكن ألا سبيل للوقاية منها؟!
* سبل الوقاية
1- تعويد الآباء والمربين للطفل على التخلص من مشاعر الأنانية والتمركز حول الذات وذلك بالأخذ والعطاء والتعاون والمشاركة.
2- العمل على تنويع أنـشطة الطـفل واهتماماته ضمن قدراته واستعداداته مما يشعره بالراحة والسعادة.
3- إذا أمكن جعل فاصل زمني بين الطفل والآخر حتى يكون الأول قادراً على فهم واستيعاب وجود آخر معه.
4- تنمية علاقات الطفل بالآخرين مـن خـلال تعلم المساواة والعدل دون تمييز.
5-تعويد الطفل على المنافسة الإيجابية(مباراة وإظهار اهتمام معنوي). تقبل الربح والخسارة بروح رياضية.
6- تقبل وفهم بعض مشاعر الغـيرة غـير الخطيرة وغير المؤذية والحد مـن المـشاعر العدوانية فقط.
7- العمل على إشباع الحاجات الأساسية عند الطفل(حب، عطف، هدايا وألعاب مع عدم إظهار التمييز له عن الآخرين).