بقلم الدكتور الشيخ محمد شقير
السؤال المطروح في هذه المقالة هو هل يوجد رابط جوهري بين فلسفة الثورة الحسينية وبين تحولها الى مشروع إحياء اسلامي لمختلف المجتمعات االإسلامية دون استثناء؟
الجواب على هذا السؤال مرتبط ببيان حقيقة الثورة الحسينية وفلسفتها، اي لماذا ثار الامام الحسين(ع) وما هي الاهداف التي كان يريد تحقيقها؟
لن نستطيع أن ندرك حقيقة ثورة الإمام الحسين(ع) إذا لم ندرك حقيقة المشروع الأموي، وأنه هل كان مجرد مشروع سلطوي أم أنه كان أبعد من ذلك؟ اي كان مشروعاً يريد ان ينقلب على حقيقة الدين الذي جاء به النبي محمد(ص)، ويمارس ملكاً عضوصاً يوظف في تجويف ذلك الدين وتشويه حقيقته فضلاً عن ممارسة الظلم والإفساد في الارض..
يمكن القول أن المشروع الأموي ذو شقين: سلطوي ومعرفي كل منهما ذو هدف برأسه؛ وقد لا نحتاج الى كثير نقاش في الشق السلطوي من ذلك المشروع، إنما يقع النقاش في شقه المعرفي، انه هل كان موجوداً ضمن مفاصل ذلك المشروع الاموي بحيث يصح الحديث في مشروع معرفي للسلطة الأموية؟ وإذا كان الأمر كذلك فما هي عناوين ذلك المشروع؟
يمكن إجمال تلك العناوين فيما يلي:
- إسقاط مدرسة أهل البيت(ع) كمرجعية دينية سياسية وهذا كان واضحاً من خلال تكريس سنّة اللعن والسب للإمام علي(ع) والإصرار عليها، فعندما يُقال لمعاوية: " لقد بلغت ما أملت، فلو كففت عن سب علي" فيجيب: "لا حتى يربو الصغير ويهرم عليه الكبير ولا يذكر له ذاكر فضلاً"..
- تكوين مرجعية بديلة عن أهل البيت(ع) بالمعنى المعرفي والديني، يذكر إبن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة أن معاوية كتب الى عماله ".. إن الحديث في عثمان قد كثر وفشا.. فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس الى الرواية في فضائل الصحابة.. ولا تتركوا خيراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا وتأتوني بمناقض له في الصحابة فإن هذا أحب اليّ وأقر لعيني وأدحض لحجة أبي تراب وشريعته.."
- إنتاج ثقافة دينية تقوم على طاعة السلطان والرضوخ للسلطة أية سلطة ومهما فعلت.
- التأسيس لمشروعية جديدة تختلف عن المشروعيات التي كانت مطروحة(النص والشورى).
- تسويق فهم للخلافة ودورها ووظائفها وحدودها مختلف عنا جاء به الاسلام.
- تهميش سنّة رسول الله(ص) ومحاصرتها وتعطيل مفعول كل ما يتعارض منها مع مصالح السلطة.
- تقديم تأويل للكتاب يخدم مصالح السلطان وأهدافه.
من خلال ما تقدم يمكن أن ندرك أهداف ثورة الامام الحسين(ع) والتي نستطيع إجمالها باسقاط المشروعية عن المشروع الأموي وإفشاله وذلك من خلال تحقيق الأهداف التالية:
- إسقاط المشروعية الدينية عن المشروع الأموي وفضح حقيقة هذا المشروع.
- نزع المشروعية الدينية والسياسية عن السلطة الاموية.
- تحصين الأمة من استهداف ذلك المشروع وذلك من خلال إيجاد شرخ وجداني ونفسي بين الأمة والسلطة.
- حفظ الدين الذي جاء به محمد بن عبدالله من عبث السلطة وفسادها أو أي عبث آخر.
- تحقيق الإصلاح بمعناه الشامل من خلال فعل الشهادة.
- إعادة توجيه الأمة الى أهل بيت نبيها من خلال التنوير العاطفي وعاطفة جاذبية المظلومية وإيقاظ الوعي.
- صدم وجدان الامة بهدف تحريك الوعي وتحفيز االإرادة للثورة المستديمة على السلطة ومشروعها.
يمكن القول إن ثورة الإمام الحسين(ع) إستطاعت تحقيق تلك الاهداف وأظهرت من هم المؤتمنون على الدين ورسالة الإسلام ، أي الذين كانوا مستعدين لتقديم الغالي والنفيس عندما يتعرض هذا الدين للخطر والتشويه وعندما تتعرض الأمة للفساد واستلاب الإرادة وتخدير الوعي.
ومن هنا نعبر الى الإحياء العاشورائي وتقاليده لنقول انه إذا كانت تلك هي حقيقة الثورة الحسينية، وكانت تلك الاهداف هي الاهداف الحقة لتلك الثورة، فإن إحياء عاشوراء هو إحياء لحقيقة الثورة وحقيقة أهدافها؛ أي أن الإحياء العاشورائي يهدف الى إبقاء تلك الاهداف حيّة في وجدان الأمة، فاعلة في وعي أبنائها نابضة في قلوبهم لتحييها وتحيا بها ما كرّ الجديدان.
وهنا يطرح السؤال التالي وهو هل هذه هي الأهداف هي أهداف مذهبية، اأم أنها أهداف عابرة للأطر المذهبية الى الإطار الإسلامي العام بل والإنساني أيضاً؟
من الواضح أن مجمل هذه الأهداف هي أهداف إسلامية عامة عابرة للمذهبية وليست خاصة بمذهب دون آخر، وعليه فإن إحياء عاشوراء هو في حقيقته إحياء لهذه الأهداف الإسلامية العابرة للمذاهب والتي تختص بمذهب دون آخر أي هو إحياء للاسلام الذي جاء به محمد بن عبدالله(ص) أو هو بتعبير أدق إحياء للأمة وللمجتمعات الإسلامية بالإسلام ومفاهيمه وقيمه ولذلك يجب أن يكون الخطاب العاشورائي (وكذلك جميع التقاليد العاشورائية) معبراً عن هذه الحقيقة في مسعى دائم الى إبقاء جذوة تلك الأهداف مشتعلة في القلوب والنفوس.
ونعود الى السؤال الأساس الذي طرح في بداية هذه المقالة لنقول في مقام الجواب إن حقيقة الثورة الحسينية وحقيقة أهدافها والمعنى الحقيقي للإحياء العاشورائي، كل ذلك يؤسس لإمكانية وجود إحياء إسلامي عام غير محصور في الإطار المذهبي.
إذن يمكن لأية فئة إسلامية أو مجتمع إسلامي أن يبادر الى إحياء عاشوراء على طريقته باعتبار كونه يحيي الإسلام وينتصر لتلك الأهداف الإسلامية العامة لا غير، من دون أن يتنكر لمذهبه أو يجافي عقيدته أو يتخلى عن أي من قناعاته المذهبية، بل يمكن فيما لو أردنا، تلمس جملة من العناوين ذات الصلة والتي تعزز فكرة الإحياء الإسلامي العام لليوم العاشورائي بمعزل عن الأدلة والعناوين الخاصة الموجودة في التراث الشيعي، حيث يمكن القول أنه يؤدي الى:
- الإسهام في تحقيق أهداف الثورة ذات البعد الإسلامي العام (أسلفنا الحديث فيه)
- إظهار المودة لأهل البيت(ع) وهي مذكورة بنص القرآن الكريم.
- التقريب بين المسلمين وإلغاء الحواجز النفسية وغير النفسية بينهم.
هنا قد يطرح سؤال إضافي أنه لماذا لم يحصل هذا الأمر سابقاً في المجتمعات غير الشيعية؟
أولاً ينبغي القول أن عدم حصوله لا يعني بالمطلق أنه لا ينسجم مع العناوين الإسلامية العامة، ثانياً يمكن القول أن لذلك أبعاداً اإجتماعية وسياسية أكثر مما له إرتباط بالأبعاد الدينية وخصوصاً أنه عندما ينتشر تقليد ديني ما في مجتمع مذهبي ما، قد ينظر اليه خطأ باعتبار كونه يختص بهذا المذهب ،في حين أن حقيقته وأبعاده قد تكون أشمل من ذاك المذهب وعابرة لجميع المذاهب بل والطوائف.
بناء على ما تقدم قد يكون من المفيد التفكير جدياً بإحياء سني لليوم العاشورائي بما ينسجم مع طبيعة الاجتماع السني وبالطريقة التي تتناسب مع الإعتبارات الإجتماعية القائمة لدى ذاك الإجتماع من دون الالتزام بتقاليد معينة في الإحياء أو مراسم محددة قد تكون اخذت طابعاً مذهبياً، إنما الكلام في أصل هذا الإحياء ومبدئه وذلك بهدف السعي الى تكوين مشروع إحياء إسلامي عام تكون عاشوراء وثورة الحسين واحدة من أهم مرتكزاته الأساسية بما يؤدي الى تحقيق وحدتهم واجتماع كلمتهم وتقليص المسافات المصطنعة بينهم ونشر ثقافة التقريب في نفوسهم ومجتمعاتهم وأوطانهم.