السيد هادي المدرسي
بعد أن عرفنا أهمية أن نبدأ بأنفسنا، ننتقل إلى مطلب آخر وهو كيف نبدأ بأنفسنا؟
هذه النفس التي تحتاج إلى جهاد، وأي جهاد أعظم من وصف رسول الله (ص) حينما يرجع من إحدى الغزوات منتصراً والأصحاب كلهم مرتاحون يقول (ص): (الآن رجعنا من الجهاد الأصغر وعليكم بالجهاد الأكبر). وهذا هو جهاد النفس، لأن النفس تشتهي وهي أمّارة بالسوء.
فالمرحلة السفلى للنفس هي كونها أمّارة بالسوء، ولكن إذا اصطرعنا معها وبذلنا جهدنا في تقويمها تصبح لوّامة. ولكن إذا رزق الإنسان هداية وكان عزمه على إصلاح نفسه قد يصل إلى مرحلة النفس المطمئنة حيث يخاطبها الله تعالى: {يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية} ولكي ندعّم المطالب السابقة بالأمثلة نجد في كتاب (محاسبة النفس) للشيخ الكفعمي مثالين جميلين في التحذير من المعاصي، يقول: يا نفسُ لو أخبرك طبيب يهودي أو حكيم نصراني بأن طعاماً لذيذاً ترجحينه مضر بصحتك ومزاجك وعليك الامتناع عنه فأنت تعملين كل جهد وتجاهدين نفسك على تركه ويواصل الشيخ الكفعمي (رض) خطابه للنفس قائلاً: فهل صار إخبار القرآن الكريم وإخبار الأنبياء والصلحاء والأئمة بضرر المعاصي أقل عندك من إخبار الطبيب اليهودي أو الحكيم النصراني وأن أهمية الطعام المضر عندك صارت أشد عندك من المعصية بحيث لا تحذرين المعصية وتحذرين الطعام.
أما المثال الآخر فهو: ولو أن طفلاً أخبرك أن في جيبك عقرب، وأن تحت ردائك حية، فأنت لا تتوقفين ولو للحظة في رمي ذلك الثوب خشية من أثر تلك الحية أو ذلك العقرب، فهل صار الأنبياء والأئمة أقل قدراً عندك من ذلك الطفل وإخباره هذه الأمثلة وغيرها تساعد على بيان فداحة المعصية، وجسامة الذنب، ثم نجد أهمية ذلك أي الإشارة إلى فداحة المعصية، في أدعية الأئمة (ع) كدعاء أبي حمزة الثمالي ودعاء كميل، وهذه إن دلت على شيء فهي ترشد إلى أهمية مجاهدة النفس وأهمية محاسبتها والانتباه إلى دور المعصية في تخريب وهدم الشخصية الإسلامية وكما جاء في الحديث الشريف: (أكيس الكيّسين من حاسب نفسه)، و (ليس منا من لم يحاسب نفسه في اليوم والليلة) وأحاديث أخرى كثيرة تصب في هذا المجال.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا إلى مراضيه وأن يجعلنا ممّن إتّعظ قبل أن يعظ، وأن يوفقنا لأن نبدأ بإصلاح أنفسنا، والاستعاذة من شرورها، وان نهذب ألسنتنا وسلوكنا وأعمالنا لكي نكون دعاة صادقين بأعمالنا وأفعالنا لا بألسنتنا.