الوحدة الوطنية قناع لتكوين عبدة الطاغوت (7)

السبت 4 نوفمبر 2017 - 06:40 بتوقيت غرينتش
 الوحدة الوطنية قناع لتكوين عبدة الطاغوت (7)

أفكار ورؤى - الكوثر

بقلم آية الله المجاهد نمر باقر نمر

«ثامناً» البصيرة القرآنية لوحدة الأمة الإسلامية

إن التشريع الإسلامي جعل المسلمين كلهم أجمع أمة واحدة، وجعلهم أمام الحكم والقانون والتشريع السماوي سواء؛ لكي يُجَذر روح الوحدة والاتحاد فيما بينهم، ولذلك لا فضل لأحد منهم على أحد إلا بقيم التفاضل من التقوى والإيمان، والعلم والمعرفة، والجهاد والعمل الصالح، والسبق لفعل الخيرات، والتحلي بالفضائل؛ وجعل الوحدة والتوافق والانسجام في المنطق العقلي، والتفكير المعرفي، والعقيدة الإيمانية، والفكر الإسلامي الأصيل؛ هي الأرضية الخصبة، والحرث الحقيقي؛ لغرس بذرة العلاقة الوثيقة، وتنشئة الروابط والوشائج الصادقة، وإيجاد وتكوين الأخُوَّة بين أفراد الإنسان، ومن ثم اجتماعهم واتحادهم تحت مظلة الأمة الواحدة المتحدة.

ولذلك ترى من بديهيات وأساسيات التشريع الإسلامي في تأصيل العلاقات بين المجتمع الإيماني هو الحكم بوحدة الأمة الإسلامية، وأخُوَّة المؤمنين، يقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.

ويقول الله سبحانه وتعالى: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «المؤمنون إخوة تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم. يسعى بذمتهم أدناهم».

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «المسلمون إخوة تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم».

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجة الوداع: «أيها الناس؛ اسمعوا قولي واعقلوه؛ تَعْلَمُنَّ أن كل مسلم أخ للمسلم، وأن المسلمين إخوة؛ فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه؛ فلا تظلمن أنفسكم؛ اللهم هل بلغت؟».

إن الله سبحانه وتعالى جعل الأمة الإسلامية أمة واحدة؛ وذلك بتأصيل عقيدتها المعرفية بالتوحيد الإلهي؛ الذي يتجلى عملياً في توحيد الربوبية، وسلوكياً في توحيد العبودية لله وحده؛ وأخذ عليهم في ذلك الميثاق؛ ولذلك لا يمكن أن يكون لهذه الوحدة تجلٍّ حقيقي في الواقع الخارجي إلا بإلغاء الأرباب من دون الله؛ وهم كل السلطات السياسية والدينية والاجتماعية و... التي تُعْبَد بالطاعة من دون الله؛ وبالخصوص حكام الدول الذين يطاعون بمعصية الله.

ولكن الأمة نقضت الميثاق الإلهي، وقطَّعت أمرها إلى حزبيات ودويلات؛ يتسلط عليها حكام يتنازعون كراسي الملك العضوض؛ واتَّخذتهم الأمة أرباباً متفرقون يطاعون بمعصية الله.

وكل هذه الأرباب الجاثمة على صدر الأمة التي تتلذذ وتنتشي حينما تَسْتَعْبِد شعوبَها؛ ولكنها تتحول إلى عبيد حقيرة تَعْبُد ربَها الأعلى، وفرعونَ عصرها، ورأسَ الأفعى الذي يتمثل في دول الاستكبار الدولي، والاحتلال الغاصب؛ فأمسى كل حاكمٍ رباً صغيراً تعبده الرعية، التي تعيش تحت جبروته، بطاعته ومعصية الله.

ولكن تبقى هناك أمة مؤمنة تعمل الصالحات؛ لبناء وتشييد وحدة الأمة الإسلامية تحت راية التقوى، وحبل الله الذي تجسد في كتاب الله، وعترة النبي صلى الله عليه وآله؛ ولن يتمكن أحدٌ من حجب أعمالهم لتوحيد الأمة الإسلامية، يقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ * وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ * فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ}.

إن الله سبحانه وتعالى يؤكد على جعل الأمة الواحدة للمسلمين بتوحيد الربوبية لله وحده، ونبذ الطواغيت؛ ولكن الأمة انصاعت لحكام الكراسي، وخنعت لسلاطين الظلم، واستسلمت لطواغيت الجور؛ الذين نصّبوا أنفسهم أرباباً على الناس، وفرضوا طاعتهم من دون الله؛ وأمسى كل ربٍّ مع أشياعه يطبل فرحاً، ويزمر بطراً، ويغني غروراً؛ بسرابِ قيعةٍ قطعوها من أمر الأمة، وفصلوها عن كيانها، وفصموها عن هويتها، وغرَّبوها عن أمِّها؛ فأوكلهم الله إلى أنفسهم، وتركهم في غمرة هوى السلطة، وتيه الحكم، وسكرة شهوة الطغيان، وغفلة المُلك؛ إلى حين تزأر أسود الكرامة، ويزمجر شلال الشعب هاتفاً بما ينفع الناس من الكرامة والعدالة والحرية والأمن ووحدة الأمة الإسلامية؛ وجارفاً زبد التملق والنفاق والخوف والخنوع، وعوي ذئاب الوحدة الوطنية، ونباح كلاب الوطنية، ونهيق حمير الولاء الوطني؛ وهنالك تتزلزل سلطة الأرباب، وتفقد تأثيرها السحري بالجزرة؛ بعد تضييعها لسبائك المال الذهبية التي كانت تُعَلِّفُ بها بهائم الأنعام من البنين الممسوخةِ الروح، المعدومةِ الضمير، عَبَدَة المال والمنصب؛ ومن ثم يتخلى عنها بنين الأنعام؛ ليفروا بجلودهم وما سرقوه؛ فتفقد سلطة الأرباب سيطرتها المرعبة بالعصا؛ فيتهاوى عرشها كما تتهاوى أوراق الخريف؛ وهذا مصير مَنْ يركب الغرورُ رأسه، وتَعْمِيْه خيرات النِّعم الإلهية المتسارعة من وفرة المال، ودهاء الرجال؛ لإعمار البلاد، وإصلاح العباد؛ إلا أن أرباب السلطة متبلدٌ إحساسُها، وفاقدة شعورُها، وميِّتٌ ضميرُها؛ ولذلك لا تبالي ولا تلتفت إلى دموع الأطفال، أو أنين المعذبين، أو آلام الثكلى، أو جراح المجاهدين، أو صرخات دماء المستشهدين؛ لأن سكرة هوى السلطة، وغمرة شهوة الطغيان تفقد الأرباب من دون الله شعورهم بسنَّة الله في تداول الأيام والسلطة والحكم فضلاً عن المعرفة بهذه السُّنَّة أو غيرها من السنن الإلهية التي تحكم حركة الكون والإنسان، يقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ * فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ * فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ * أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ}.

ومع كل خداعِ غبشِ العشوة الإعلامية بنباح الكلاب، وعوي الذئاب، ونهيق الحمير؛ ومع كل عنفوان بطش الإرهاب الطاغوتي بأنياب السباع، ومخالب الوحوش؛ لتأسيس شفا جرف هارٍ من الأرباب الذين قطَّعوا أوصال الأمة الإسلامية إلى دويلات مهجَّنة بالوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني؛ تستمر مشكاة نور شمس وحدة الأمة الإسلامية مشرقة كل صباح، لتملأ قلوب الصادقين بعزيمة الاستقامة في الإيمان بوحدة الأمة الإسلامية، والتمسك بها، والتبشير بمنافعها، والكفر بالوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني، والتخلي عنها، والإنذار بأضرارها.

وما كان لهؤلاء الصادقين القدرة والقوة للسباحة عكس تيار الأرباب والوطنية والوحدة الوطنية لولا تحليهم بخصال التقوى التي انغرست في أعماق قلوبهم، والخصال هي:

1. الشفقة من خشية ربهم؛ وعدم الخشية من أرباب السلطة والوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني.

2. الإيمان بآيات ربهم؛ والكفر بأنظمة وقوانين أرباب السلطة والوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني.

 

3. الطاعة لربهم وحده؛ والتنزه عن شرك الطاعة لأرباب السلطة والوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني.

4. وَجَلُ قلوبهم محيط بكل ما يأتون به من أعمال وأقوال؛ ليقينهم برجوعهم إلى ربهم للحساب، ولا توجل قلوبهم من محاسبة وترهيب وتعذيب أرباب السلطة والوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني.

5. المسارعة في الخيرات والسبق لفعلها؛ ومن هذه الخيرات وحدة الأمة الإسلامية، وأخوَّة الإيمان، وهذا عكس تيار عبيد الطاغوت الذين يسارعون في النباح بالوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني، ويتسابقون في العوي بها تملقاً لأرباب السلطة والوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني.

6. لم يُكَلَّفُوا ولا هم يُكَلِّفُون أنفسهم فوق طاقتهم؛ ولذلك لا يتصنعون و لا يتكلفون في الإيمان بوحدة الأمة الإسلامية، أو في التمسك بها، أو التبشير بمنافعها؛ لأنها تنسجم مع الوحي والفطرة والعقل والعاطفة، على عكس ببغاوات الأرباب والوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني الذين يتكلفون ويتصنعون الإيمان بالأرباب والوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني.

يقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ * وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}.

ونلاحظ أن الآيات الأربع الأولى لم تستخدم لفظ الله؛ لأنه لا يوجد مسلم يؤمن بغير الله، وإنما استعملتْ كلمة ربهم؛ وذلك لنفي الأرباب التي يؤمن بها كثير من المسلمين، وهذا هو الواقع الذي نشاهده بجلاء، حيث لا يمكن لمسلم أن يؤمن بإله غير الله؛ ولكن الكثير بل الأكثر من المسلمين يؤمنون بأرباب غير ربهم حيث يتخذون الحكام أرباباً من دون الله، حيث يعتقدون أن رزقهم وأمر حياتهم بيد الحكام، فيطيعونهم بمعصية الله؛ وهذه هي المعضلة التي تعيق وحدة الأمة الإسلامية.

إن الأرباب وأتباعهم غارقون في غمرة هوى السلطة والمُلْك، وتقطيع أوصال الأمة إلى دويلات مُهَجَّنة، والنباح والعوي بالوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني، وسكرة شهوة الجور والطغيان.

كما أنهم جذر كل أنواع الفساد؛ وإن كان فساداً صغيراً، لا يقارن ولا يقاس بفساد الأرباب الذين أجبروا الأمة على طاعتهم من دون الله؛ ولو اتبعتْ الشريعة الإسلامية أهواءهم التسلطية، وشَرَّعَتْ لهم تقطيع أوصال الأمة إلى دويلات مُهَجَّنة، واستجابت لنباحهم وعويهم بالوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني، وسلَّمتْ بمشروعيتها؛ لفسدت السماوات والأرض وما فيها من مخلوقات وسنن ونظم وتشريعات.

يقول الله سبحانه وتعالى: {بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ * حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ * لاَ تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُم مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ * قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ * مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ * أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الأَوَّلِينَ * أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ * أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ * وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ * أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَإِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ * وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}.

إن المؤمنين هم الذين يسعون إلى:

1. أهداف مشروعة، وتطلعات سامية؛ وسنامها تقوى الله حق تقاته، الذي يتجسد بالإيمان بكل المنظومة الإسلامية وجميع مجالاتها وأبعادها العقائدية والفكرية والسياسية والاجتماعية و... ويكتمل الإيمان بالاستقامة إلى آخر رمق في الحياة على التسليم لكل مفردات المنظومة.

2. أعمال صالحة وسلوكيات فاضلة؛ ومظهرها وحدة الأمة الإسلامية، التي يجسدها الالتزام بوجوب التمسك بوحي السماء مرجعية لكل شؤون الحياة في نظرياتها ومفاهيمها، والالتزام بوجوب التمسك بقيادة الرسالة مرجعية لكل شؤون الحياة في تطبيقاتها ومفرداتها.

ولكي يبقى التمسك بوحدة الأمة الإسلامية دائماً حرَّم الله سبحانه وتعالى تفريق الأمة الإسلامية إلى فرق من دويلات أو غيرها يعتلي كراسي عروشها أرباب من حكام الظلم والجور والطغيان.

3. التعامل مع الحاضر، والتعاطي مع قضاياه؛ انطلاقاً من الخبرة بمسيرة الحياة وسننها، والعبرة بالماضي، والاستفادة من التجارب المتراكمة؛ ولذلك ترى ذاكرتهم حاضرة دائماً؛ ويستشرفون من خلالها المستقبل ويسعون لأفضله.

يقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.

إن المؤمنين حقاً هم الذين يتخذون وحي السماء عقيدة لهم ومرجعية لجميع شؤون حياتهم، ويتخذون وحدة الأمة الإسلامية بما تحويه من منظومة فكرية متكاملة مستوحاة من السماء حصناً لقوتهم، ومصدراً لعزتهم؛ ولكن أعداء الرسالة لن يَدَعُوا المؤمنين وشأنهم؛ وإنما سيتكالبون لسلب قوة المؤمنين؛ عبر تركيز ثقلهم في تفريق الأمة الإسلامية، وتقطيع أوصالها؛ مما يؤدي إلى النزاع والشقاق فيما بينهم، وفي قيم الرسالة؛ وكل ذلك لإطفاء نور الرسالة. ولكي نُفْشِل مسعى الأعداء في تفريق الأمة يجب على المؤمنين في الصراع ومواجهة الأعداء الالتزام بالمنهج التالي:

1. الثبات والصمود في المواجهة والصراع أمام الأعداء، وعدم التراجع أو التردد في الاعتقاد بقيم السماء، أو ضرورة وحدة الأمة.

2. أن تكون ثقافة السماء حاضرة في أذهانهم؛ تُردِّدها ألسنتهم، وتُطَبِّقها جوارحهم.

3. الإيمان بقيم السماء؛ ومنها وحدة الأمة الإسلامية؛ والكفر بقيم الطاغوت الذي أفرز الوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني كلباس خاص به يُفصَّل دائماً على مقاسه.

4. يجب أن تكون الطاعة للقيادة الرسالية التي تلتزم وحي السماء، وتفكر وتقرر من أفق وحدة الأمة الإسلامية؛ وليس لقيادة الطاغوت التي تعبد الهوى، وتفكر وتقرر من محورية تسلطها على كرسي الحكم.

5. عدم التنازع في قيم السماء؛ ومنها وحدة الأمة الإسلامية التي لا يجوز التنازع في قيمتها الاجتماعية، وشرعيتها الدينية، وضرورتها الرسالية، ومحوريتها؛ لبناء القوة الضاربة، والمكنة المنتجة، والقدرة المبدعة؛ وعدم التنازع في قيادة الرسالة التي تتحرك من أفق وحدة الأمة الإسلامية؛ حيث تتجاوز ضيق التفكير المحلي المتقوقع إلى رحاب التفكير الأممي المتسع؛ لأن التنازع في القيم السماوية، أو القيادة الرسالية؛ يؤدي إلى الفشل في تحقيق الأهداف المشروعة، والتطلعات السامية؛ ومن ثم ذهاب القوة والقدرة والمكنة.

6. الصبر على طريق ذات الشوكة؛ دفاعاً عن وحي السماء، ووحدة الأمة الإسلامية.

7. عدم الاغترار بأهل البطر والغرور بالإمكانات المادية الوطنية التي اقتطعت من إمكانات الأمة الإسلامية.

8. عدم الانخداع بأبواق النفاق بالوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني رياءً للطاغي.

9. عدم الانبهار أو التأثر بالذين يصدون المجاهدين عن العمل الرسالي؛ ويصدون الناس عن الكفر بالطاغوت.

10. تجاهل المنافقين وأصحاب القلوب المريضة الذين يستصغرون قَدَرَ وقُدْرَة المجاهدين الذين يتمسكون بوحي السماء، ووحدة الأمة الإسلامية؛ ويكفرون بمنهج الطاغوت، والوطنية والوحدة الوطنية والولاء الوطني.

11. التوكل على الله؛ لتحقيق العزة لنا بوحدة الأمة الإسلامية، والحكمة في رؤانا ومواقفنا بمنهج وحي السماء.

يقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ * وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ * وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ * إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـؤُلاء دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ}.

فالوحدة في العقيدة الإيمانية التي توحد الأصول للتفكير والفكر والسلوك؛ هي القادرة على جمع أفراد الإنسان، وإيجاد العلاقة الوحدوية بينهم؛ وليس وحدة اللسان، ولا وحدة الوطن، ولا وحدة العنصر، ولا غير ذلك من وحدات قسرية أو آنية أو غيرها. ولذلك شرَّع وأكد وحكم الإسلام بوحدة الأمة الإسلامية، وأخوَّة المؤمنين بما هم مؤمنون؛ ولا يرى للامتيازات القسرية أو الآنية الأخرى من الجنس واللغة واللون والحدود الجغرافية و.... قيمة أو شأناً؛ توجب فضيلة، أو ميزة للإنسان في قبال الفضائل الروحية المكتسبة، وعلى قمة هرم الفضائل فضيلة الإيمان والتقوى؛ يقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.

ويقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.

وقال الأمام الصادق (عليه السلام): «المسلم أخو المسلم، وحق المسلم على أخيه المسلم أن لا يشبع ويجوع أخوه، ولا يروى ويعطش أخوه، ولا يكتسي ويعرى أخوه؛ فما أعظم حق المسلم على أخيه المسلم».

وقال (عليه السلام): «يحق على المسلمين الاجتهاد في التواصل، والتعاون على التعاطف، والمواساة لأهل الحاجة؛ وتعاطف بعضهم على بعض؛ حتى تكونوا كما أمركم الله - عز وجل -: {رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} متراحمين، مغتمين لما غاب عنكم من أمرهم؛ على ما مضى عليه معشر الأنصار على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)».

وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم، ومَنْ سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم».