يقول الله تعالى في محكم كتابه “ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ”. ولا شك ان الخطاب من أكثر أنواع الدعوة تأثيرا ووصولا للقلوب والأسماع إن أحسن الخطيب وتميز، وعلى المقلب الآخر هو مسؤولية عظمى لا يعلم حجم خطورتها إلا من يعلم أهميتها، فهي منبر التوجيه والدعوة وإحياء السنن وقول الحق وقمع البدع، واذا وضعت في غير محلها تشتت مجتمع بأكمله.
ويحمل المنبر الحسيني أكبر مسؤولية خصوصا في ايام عاشوراء، فهو لا شك منبر للارشاد والاصلاح والوحدة بين المسلمين “اني لم اخرج اشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، انما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي رسول الله”، وهنا تكمن مسؤولية الخطيب الذي يعتليه، وعليه، يجب ان يجسد هذه المسؤولية بما ينسجم مع مستجدات العصر ومقتضيات الزمان.
وفي توصيات المرجعية الدينية العليا المتمثلة بسماحة السيد السيستاني دام ظله يشدد من خلالها على ضرورة ان يتسامى المنبر الحسيني عن الخوض في الخلافات سواء في مجال الفكر او مجال الشعائر، مشيرا الى ان الخوض في هذه الخلافات يوجب انحياز المنبر لفئة دون اخرى او اثارة فوضى اجتماعية او تأجيج الانقسام بين المؤمنين، بينما هو راية لوحدة الكلمة ورمز للنور الحسيني الذي يجمع قلوب محبي سيد الشهداء عليه السلام وهو مسار واحد وتعاون فاعل.
فهل ساعد بعض الخطباء على تقديم مادة للاعداء وللاعلام المعادي لاستهداف هذا المنبر؟ وما هو المطلوب من المشرفين على المجالس كالاحزاب والجمعيات؟
“من الطبيعي ان الاعداء لا ينتظرون اي مبرر كي يشنوا هجومهم على مقدساتنا وعلى احيائنا لذكرى ابي عبد الله الحسين “ع”، ولكن في نفس الوقت قدم البعض ممن يعتلون منبر الحسين من خطباء او قارئي عزاء بعض المواد الذين يستعملونها هؤلاء في شن الهجوم على احياء المراسم العاشورائية”، يوضح رئيس الهيئة الإدارية في تجمع العلماء المسلمين الشيخ الدكتور حسان عبد الله.
ويقول في حديث خاص لـ”شفقنا”: لاشك اننا نريد ان نستدرج العَبرة والبكاء وكذلك العِبرة”، لكن المطلوب من الخطيب ان يحاول استخلاص العبر والمبادئ الحقيقية لثورة الحسين “ع”، فهذه الواقعة بمجرد ذكرها تستدر الدمعة دون حاجة لزيادة أمور غير موجودة اصلا او مشكوك فيها او خارقة للطبيعة، مشيرا الى أننا اليوم لا نتحدث في مجلس خاص او غرف مغلقة وانما نتحدث عبر فضاء، والعدو يتربص بنا شرا ويحاول ان يجد ثغرات من اجل استغلالها، فلماذا نعطي هذا العدو سلاحا يحاربنا فيه؟ ونحن يمكن لنا ان نتعرض لسيرة ابي عبد الله الحسين وما حصل عام 61 للهجرة بشكل منطقي وواقعي من دون الدخول في بعض الامور التي تسبب احراجا”.
لابد من اعداد القارئ على مدار العام
وتابع “هناك محاولات كثيرة قبل المشرفين على المجالس، والمطلوب اكثر، ولابد من ان يكون هناك اعداد للقارئ الحسيني خلال السنة من خلال اقامة ندوات ودورات تتحدث عن ما يمكن ان يلقى على هذه المنابر اضافة الى تقديم مادة للمقرئين تكون متفق عليها وهي ما ثبت بدليل معتبر شرعا بأنه حصل في تلك الواقعة، ويجب على العالم ان يكون ضليعا بهذه الامور لا ان يأتي بمسائل قد لا تكون حقيقية وينسبها الى اشخاص قد لا يكونوا قد تحدثوا فيها او كانت موجودة”.
وختم بالقول: ان عالم الدين هو اهل اختصاص، ومطلوب منه ان يلتزم باختصاصه، اضافة الى الاحزاب والجمعيات التي ترعى المجالس، الذين يجب ان يعدوا هذا القارئ والخطيب ليتهيأ ليكون اكثر موضوعية على المنبر ويقدم هذه الثورة العظيمة بأسلوب حضاري وواقعي لأن ثورة الحسين هي انسانية وتحمل الكثير من المعاني التي نحتاج ان نبرزها دون اللجوء الى الخرافات”.
المنبر الحسيني يؤسس لمجتمع واع
من جهة اخرى، لا شك ان كثافة الحضور هي امر مطلوب في المجالس العاشورائية، اضافة الى عدم تشويه صورة المنبر، واذا ما جمعنا الحضور والخطيب والاجواء المحيطة نكون ننقل من جيل الى جيل الرسالة التي يجب ان تصل من مدرسة الامام الحسين، يؤكد المسؤول الاعلامي المركزي لحركة امل طلال حاطوم.
وقال في حديث خاص لـ”شفقنا” ان القراء قديما كانوا غير معروفين، فالناس كانت ترتاد المجالس من اجل الامام الحسين وعلى بركته وعلى حبه خصوصا وعندما كانت المجالس تقام سرا في العهد العثماني، ولكن مع تطور الزمن والصورة التي تنقل للحضور فمن الطبيعي ان يكون هناك دور هام للخطيب بحيث ان يكون قادرا على نقل الفكرة التامة للثورة من دون تشويه والتباس لكل الجمهور والاجيال، لافتا انه عندما يعمل على المجتمع من خلال المنبر الحسيني يصبح من السهل ان نؤسس لمجتمع واع .
وشدد حاطوم على دور المشرفين الذين هم اصحاب اجر كما وصفهم، لانهم يرون ان حضور المجالس يجب ان تكون على قدر وقامة وهامة صاحب الذكرى، وهم ايضا ممن قالت بهم السيدة زينب “ع” في وجه يزيد “والله لن تمحو ذكرنا.
ولفت الى ان عدم امحاء الذكر هو التشجيع على اقامة الدور كاملا في احياء هذه المجالس، وعلى المشرفين تأمين كل التجهيزات من حيث والصوتيات والانضباط العام والتواصل مع الناس ومن حيث الاستثمار الايجابي للعلاقة معهم، اضافة الى اختيار الخطيب الذي لا يحرف ولا يشوه ولا يخرج عن معاني السيرة الحسينية العطرة لانها بنفسها كافية على ان توصل الرسالة.
اذا، لابد وان يكون منبر الحسين راية ترفع من خلالها شعارات الوحدة والاصلاح، لا ان يكون وسيلة لاي تشويه والتباس او اثارة المسائل الخلافية، فالعدو ينتظر على حدود تلك المجالس محاولة منه استغلالها لاطلاق شرارة الحرب ضدها ومحاولة اطفاء هذه المسيرة التي مازالت شعلتها ومنذ عام 61 للهجرة تتأجج في قلوب المؤمنين.
ملاك المغربي
المصدر: شفقنا