الشيخ السديس رجل دين وهّابي بامتياز، والمفترض أن شيوخ الوهّابية يوالون وليّ الأمر أياً كان قراره، حتى لو كان قرار ذبح معارضين، ولكننا لم نسمع من شيخ وهّابي أنه دعا لصهيوني أو رئيس أميركي، ونعلم أن الإسلام لا يمنع من الدعاء لأي إنسان مسلم أو غير مسلم، ولكن لا ندعو لرؤساء أميركيين مُتصهينين، جرائمهم تفوح في كل مكان وزمان، في العراق في الصومال في أفغانستان في فلسطين من قبل ومن بعد، والسديس يعلم كم هي قيمة النقود التي حصل عليها ترامب من وليّ أمره الشرعي، من أجل الدفاع عن حكم السعوديين لا أكثر ولا أقل، أما سلام البشرية كما نراه هو أن تسقط الصهيونية ومعها الفاشية الأميركية العنصرية، ومعها الوهّابية التكفيرية السعودية.
دعا الشيخ "عبدالرحمن السديس" إمام الحرم المكّي المقدّس للرئيس الأميركي دونالد ترامب ووصفه بأنه يقود العالم والإنسانية إلى مرافئ الأمن والسلام والاستقرار والرخاء، ودعا له بأن يسدّد الله خطاه ويبارك جهوده، طبعاً وقال إن السعودية والملك سلمان ووليّ العهد محمّد بن سلمان مشاركان مع ترامب في خدمة الإنسانية، فدعا للجميع بعد أن وضعهم في سلّة واحدة من الأمانة السياسية والنقاء الديني، وهي جرأة معهودة من شيوخ يدعون بالنقيض طالما أنه يرتبط بالسياسة، وقد أفرط الشيخ الجليل في دعائه وأعطى الفرصة لاتّهامه بالنفاق الديني بمستوره السياسي.
فالشيخ السديس تجاوز دعاءه التقليدي في سبّ وشتم ولعن كل من كان على غير الدين الوهّابي، ليس ذلك فقط، فالشيخ يعلم علم اليقين أن أميركا دولة استعمارية، وأنها أسّست الصهيونية، وأن ترامب رجل عنصري شديد العنصرية، أساء للإسلام زاعماً أنه يدعو للإرهاب كما جاء في أحاديثه، وترامب منع كثيراً من رعايا دول إسلامية من دخول الولايات المتحدة الأميركية، وهنا يأخذنا الإحباط، فالشيخ المفترض أنه دائماً يدعو خاصة في صلاتة الرمضانية أدعية سياسية طويلة تصل مدتها إلى ساعة من الزمان، ولم يحدث أن استجاب الله لدعاء واحد من أدعيته السياسية، يصرخ الشيخ السديس وغيره من الأئمة بالدعاء للمسلمين بالوحدة وعلى الكافرين بالموت، ولكن الله لا يستجيب للدعاء من المسلمين، أو تأتي الاستجابة بالعكس، يدعو الخطيب السديس أو الإمام أو غيره من الخطباء مثلاً فيقول "اللّهم وحّد الأمّة واكشف عنها الغمّة ..اللّهم عليك باليهود والنصارى وأعوانهم في كل مكان .. اللّهم فرّق جمعهم وشتّت شملهم واجعل تدميرهم في تدبيرهم، واجعلهم لقمة سائغة للمسلمين"، ولكن ما يحدث أن اليهود في إسرائيل يعيشون أسعد أيامهم وأحلامهم، متوحّدون والمسلمون متفرّقون، متفوّقون ونحن متخلّفون، ونحن من يتشتّت شملنا وتدميرنا من تدبيرنا، ونحن اللقمة السائغة للصهيونية ، ونحن مَن تشتّت شملنا وتفرّق جمعنا في بقاع الأرض، وتتفاوض الدول الغربية النصرانية حول استقبال اللاجئين من الدول العربية ومن غيرهما من دول المسلمين، ويدعو الأئمة أيضاً "اللّهم ولّ علينا خيارنا"، فيتولّى الأمور شرارنا، هكذا الاستجابة للدعاء السياسي للمسلمين بالضدّ تماماً، ولا ننسى النداء المشهور"وأفغانستاه"، على وزن "وامعتصماه"، عندما دخل المجاهدون المسلمون السذّج للحرب ضدّ الاتحاد السوفياتي في أكبر خديعة مخابراتية أميركية لتدمير الاتحاد السوفياتي والعرب معاً، ولم يستنكف الشيخ عبد الله عزام أن يوحي بأن الأفغان انتصروا بالمعجزات كما جاء في كتابه"آيات الرحمن في جهاد الأفغان"، وانقلب كل الدعاء الأفغاني عندما حارب المجاهدون مجاهدين، وتمزّقت أفغانستان ومن بعدها العراق، وما يحدث اليوم هو دليل على أن الله لا يستجيب دعاء الخائفين والعابثين بالعقيدة والقاعدين عن العمل والمستكينين للاستبداد، وأولئك المكتفين بأذكار الصباح والمساء من دون أي عمل جدّي حقيقي، رغم أنهم يردّدون كالببغاء أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة.
الله لا يستجيب الدعاء لمشايخ الوهّابيين في السعودية بعد أن قدّم الأمراء المال للرئيس الأميركي ترامب بمئات المليارات فقط لدعم وجودهم في الحكم، والله لا يستجيب لمَن يُشعل الحروب الدموية وتقديم العون للإرهابيين في سوريا والعراق ومصر وغيرها من البلاد، ولذلك وبسبب كل هذا لا يجعل الله سبحانه في عليائه يستجيب لأمثال هؤلاء المسلمين، فالانتصار في الحروب وتمزيق الأعداء لا يكون بالدعاء، بل بالعمل والتخطيط الجيّد المنظّم، وتوحيد الصفوف الوطنية، وعندما هُزِمنا عام 1967 لم يكن دليلاً على أن الله تقبّل دعاء اليهود ورضيَ عنهم فانتصروا، أو أنه لم يتقبّل دعاء المسلمين وغضب عليهم فانهزموا، لا علاقة بالدعاء في الحروب، وعندما انتصرنا في حرب 1973 أو في حرب يوليو | تموز العام 2006 في لبنان، كنا قد استعددنا بالتخطيط والدراسات والخدع الاسترتيجية، والنظر للقوى العالمية، ولم يكن النصر بسبب ما قاله المهووسون بأن الجنود رأوا الملائكة عند الشاطىء الغربي لقناة السويس قبل العبور، أو كما زعم الإخوان المسلمون في ميدان رابعة بأن الملائكة تدعمهم في اعتصامهم، كل هذه الأمور تثبت أن العمل الجاد المثمر والتخطيط هو الذي يعطي النصر، وأن الدعاء السياسي لا يجلب منفعة بل يكثر الضرر، ذلك أن المسلمين لا يروا أيّ أثر لأدعيتهم التاريخية، وتذهب ابتهالاتهم الشهيرة أدراج الرياح.، وهي جميعها أفكار صبيانية من السلفية، لأن الأصل في الدعاء أن يكون دعاء فردياً، أو أن يدعو الناس فرادى وجماعات لوحدة الأمّة مثلاً، وعدم تفرّقها، لا أن يدعو بالويل والدمار على المخالف في الدين أو العقيدة، ولكن لا يدعو لقائد أو رئيس يقتل البشر المسلمين، ودعاء الشيخ السديس يعني أنه دعوا له بطول العمر ليحقّق أمانيه، وأمانيه ما هي إلا مآسي الأمّة باستمرار..
الشيخ السديس رجل دين وهّابي بامتياز، والمفترض أن شيوخ الوهّابية يوالون وليّ الأمر أياً كان قراره، حتى لو كان قرار ذبح معارضين، ولكننا لم نسمع من شيخ وهّابي أنه دعا لصهيوني أو رئيس أميركي، ونعلم أن الإسلام لا يمنع من الدعاء لأي إنسان مسلم أو غير مسلم، ولكن لا ندعو لرؤساء أميركيين مُتصهينين، جرائمهم تفوح في كل مكان وزمان، في العراق في الصومال في أفغانستان في فلسطين من قبل ومن بعد، والسديس يعلم كم هي قيمة النقود التي حصل عليها ترامب من وليّ أمره الشرعي، من أجل الدفاع عن حكم السعوديين لا أكثر ولا أقل، أما سلام البشرية كما نراه هو أن تسقط الصهيونية ومعها الفاشية الأميركية العنصرية، ومعها الوهّابية التكفيرية السعودية.
نقول هذا لعلّ الشيخ السديس يقرأ كلماتنا فلا تأخذه العزّة بالإثم، فيندم على دعائه لرئيس أميركي صهيوني، ولملك يُسرف في إنفاق المال على مَن لا يستحق، ويفضح من أخذ المال النفطي من شيوخ الوهّابية خارج السعودية، ويستغل المال في فضائيات تتستّر جرائمه في اليمن والبحرين والعراق وسوريا، ويعطي المال خاصة لشيوخ مصر الوهّابيين الذين نشروا الفتن منذ حوالى أربعين عاماً، صحيح انخفض صوتهم، ولكن السلوك الدعائي الوهّابي يقودهم إلى خارج التاريخ رغم المال الذي ينفقه...
غفر الله للشيخ وأرجعه إلى الصواب، هذا هو الدعاء الذي نأمل أن يستجيب له الله ثم الشيخ عبد الرحمن السديس.
المصدر: الميادين