سويد بن عمرو الخثعمي..الشهادة مرّتَين!

الثلاثاء 26 سبتمبر 2017 - 16:13 بتوقيت غرينتش
سويد بن عمرو الخثعمي..الشهادة مرّتَين!

أنصار الحسين-الكوثر

هو
سويد بن عمرو بن أبي المطاع الأنماريّ الخَثعَميّ (1)، شيخٌ شريف، عابد كثير الصلاة، كان رجلاً شجاعاً مجرّباً في الحروب (2).

الثبات
كان سويد قد التحق بالركب الحسينيّ في كربلاء، وممّن ثبت مِن الأصحاب مع أبي عبدالله الحسين صلوات الله عليه، فبعد أن رمى عمرُ بن سعد بسهم الفتنة ورمى عسكرُه عسكرَ الإمام الحسين عليه السّلام.. لم يبقَ أحدٌ من الأصحاب إلاّ أصابه من سهامهم (3)، فنهض الأصحاب ـ على ما أصابهم ـ وحملوا حملةً واحدة ـ على قلّتهم ـ واقتتلوا ساعة.. فما انجلت الغبرةُ إلاّ عن خمسين صريعاً شهيداً (4).
وأخذ أصحابُ الحسين عليه السّلام ـ بعد أن قَلّ عددُهم وبانَ النقص فيهم ـ يبرز الرجلُ بعد الرجل، فأكثروا القتلَ في عسكر عمر بن سعد، فصاح عمرو بن الحجّاج ـ وكان على ميمنة عسكر ابن سعد ـ بأصحابه:
أتدرونَ مَن تُقاتِلون ؟! تقاتلون فُرسانَ المِصْر وأهلَ البصائر وقوماً مُستميتين! لا يبرز إليهم أحدٌ منكم إلاّ قَتَلوه على قلّتهم، واللهِ لو لم تَرموهم إلاّ بالحجارة لَقتلتموهم!
فقال عمر بن سعد: صدقت، الرأيُ ما رأيت، أرسِلْ في الناس مَن يَعزم عليهم أن لا يبارزَهم رجلٌ منهم، ولو خرجتُم وحداناً لأتَوا عليكم (5).
ثمّ حمل عمرو بن الحجّاج على ميمنة الإمام الحسين عليه السّلام، فثبت الأصحاب وجَثَوا على رُكَبِهم وأشرعوا الرماح.. فلم تتقدّم خيلُ عمرو، فلمّا رجعت الخيل رشقهم أصحاب الحسين عليه السّلام بالنَّبل فصرعوا رجالاً وجرحوا آخَرين (6).

المُنازَلة
قاتَلَ مسلمُ بن عَوسَجة رضوان الله عليه فاستُشِهد، وقاتل حبيبُ بن مظاهر الأسديّ فاستُشهِد، وخرج مِن بعده الحرّ الرياحيّ فقاتَلَ هو وابنه فاستُشهِدا رضوان الله تعالى عليهما، وأُثخِن سعيدُ بن عبدالله الحَنَفيّ رضوان الله عليه بالجراح وتزاحمت السهام عليه بعد أن جعَلَ بدنَه سدّاً أمام سيّد الشهداء الحسين عليه السّلام، فاستُشهِد.. وهكذا بقيّة الأصحاب استأذنوا الإمامَ أبا عبدالله سلام الله عليه، فبرزوا وقاتلوا فُرادى جموعَ أعداء الله حتّى تألّقتْ أرواحهم شهداء مبرورين. وسُويد ثابتٌ ينتظر أن تسنح فرصة الاستئذان، حتّى حانت بعد أن كاد صبره أن ينفد وهو يرى إخوانَه في الله يُضَرَّجون بدماء الشهادة قتلى في سبيل الله تعالى، وقد تزاحموا على التقدّم بين يَدَي سيّد شباب أهل الجنة أبي عبدالله الحسين صلوات الله عليه.

قـومٌ إذا نُـودُوا لِدفـعِ مُلِمّـةٍ           والخيل بيـن مُدَعَّسٍ ومُكَـرْدَسِ

لَبِسُوا القلوبَ على الدروع، كأنّهم   يَتهافتونَ إلى ذَهـابِ الأنفُسِ (7)

وكان سُوَيد أحدَ آخِر رجلَينِ بَقِيا من أصحاب الإمام الحسين عليه السّلام قبل أن يقع القتلُ في بني هاشم، والآخر هو بِشر بن عمرو الحضرميّ رضوان الله عليه (8). رُوي أنّ:
الضحّاك بن عبدالله المشرقيّ جاء إلى الحسين عليه السّلام فسلّم عليه، فدعاه الإمامُ الحسين عليه السّلام إلى نصرته، فقال الضحّاك: أنا أنصرُك ما بَقيَتْ لك أنصار. فرضيَ الإمام عليه السّلام منه بذلك. حتّى إذا أمر ابنُ سعد الرُّماة فرمَوا أصحابَ الحسين عليه السّلام وعَقَروا خيولهم، أخفى الضحّاكُ فرسَه في فِسطاط ( خيمة )، ثمّ نظر.. فإذا لم يَبقَ مع الحسين سلام الله عليه إلاّ: سُوَيد بن عمرو بن أبي المطاع، وبِشر بن عمرو الحضرميّ! فاستأذنَ الحسينَ عليه السّلام، فقال له الحسين عليه السّلام: كيف لك النجاء ؟ قال: إنّ فرسي قد أخفيتُه فلم يُصَبْ، فأركبُه وأنجو.
فقال له الإمام الحسين عليه السّلام: شأنك. فركب ونجا بعد لأْي! (9)

الشهادة.. مرّتَين!
تقدّم سُوَيد بن عمرو إلى ساحة الطفّ، بعد أن استأذن إمامَ زمانه الحسينَ عليه السّلام، وذلك بعد أن رأى صاحبَه بِشرَ بنَ عمرو الحضرميّ قد استُشهد.. فخرج سُوَيد بعده يرتجز ويقول:

أقْدِمْ حسيـنُ اليـومَ تلقى أحمـدا       وشيخَكَ الحَبْـرَ عليّـاً ذا النَّـدى

وحَسَناً كالبـدرِ وافـى الأسعـدا       وعمَّكَ القَـرمَ الهُمـامَ الأرشَـدا

حمـزةَ ليثَ اللهِ يُـدعـى أسَـدا         وذا الجَنـاحَيـنِ تَبـوّى مَقْعَـدا

فقاتلَ قتالَ الأسدِ الباسل، وبالغ في الصبرِ على الخَطبِ النازل، حتّى أُثِخن بالجراح وسقط على وجهه بين القتلى، فلم يَزَلْ كذلك وليس به حَراك، فظُنّ بأنّه قُتِل!
ولم يستطع سُوَيد أن ينهض.. حتّى قُتل الإمام الحسين صلوات الله عليه، فسمع من عسكر ابن سعد يصيحون: قُتل الحسين!.. ووَجَد بنفسه إفاقة، فتحامَلَ أن ينهض منتقماً لإمامه وقد أخذَتْه الغَيرة عليه والغضبُ على قاتليه، وكان معه سِكينٌ قد خبّأها في خُفّه، فأخرجها بعد أن كان سيفه قد أُخذ منه، وجعل يقاتلهم بسِكّينه.. ثمّ إنّهم تعطّفوا عليه فقتَلَه: عروة بن بكّار التغلبيّ، وزيد بن ورقاء الجَهَنيّ. وكان سُويد آخِرَ قتيل بعد الحسين عليه السّلام (11).
وقيل: قُتِل بعد الحسين عليه السّلام في الطفّ مِن أنصاره أربعة نفر، هم: سُوَيد بن عمرو بن أبي المطاع، ومحمّد بن أبي سعيد بن عقيل، وسعد بن الحارث وأخوه (12).
فسلامٌ من الله تبارك وتعالى على جميع شهداء طفّ كربلاء، ومن الإمام المهديّ الموعود عجّل الله تعالى فرَجَه الشريف حيث يقول في خاتمة زيارته لهم:
السلامُ عليكم يا خيرَ أنصار، السلامُ عليكم بما صَبَرتُم فنِعمَ عُقبى الدار، بَوّأكمُ اللهُ مُبَوّأَ الأبرار.. (13)