أسلم التركي... من اسلم روحه بين يدي ابن رسول الله

الإثنين 25 سبتمبر 2017 - 14:40 بتوقيت غرينتش
أسلم التركي... من اسلم روحه بين يدي ابن رسول الله

أنصار الحسين-الكوثر

مَنْ هُوَ أسْلَم ؟
هو أسْلَمُ بنُ عمرو، غلامٌ تركيٌّ من تُرْكِ الدَّيلَم قربَ قَزْوين (1). وُصِف أسْلَم بأنّه قارئٌ للقرآن، عارفٌ بالعربيّة، وأنّه كان كاتباً.
كان يوماً بهيجاً مليئاً بالسعادة، ذلك اليوم الذي اشتراه فيه الإمام الحسين عليه السّلام بعد سنة 50 هجرية، فوقف أسْلَم أمام مولاه أبي عبدالله الحسين سيّد شباب أهل الجنّة صلوات الله عليه بخشوع وهو يعرّف نفسه: إنّي غلامٌ تُركيّ، أُتْقِن العربيّة وأُجيد الكتابة.. فنظر إليه الإمام الحسين سلام الله عليه نظرةَ الأولياء وقال له: جَعَلتُك كاتباً لبعض حوائجي (2).

إذْن العُروج
يتقدّم « أسْلَم » مولى الإمام الحسين عليه السّلام إلى ساحة الشهادة، وهو يرجو مولاه أن يأذن له بالقتال وقد آنحنى يقبّل قَدَمي أبي عبدالله الحسين عليه السّلام قائلاً له:
ـ إئْذَنْ لي يا مولايَ في القتال.
فيجيبه صلوات الله عليه:
ـ قد وهَبْتُك لوَلَدي ( أي زين العابدين عليّ بن الحسين عليهما السّلام ). فيَدخُل أسلَم إلى خيمة عليّ بن الحسين عليهما السّلام وقد أقعَدَه المرض ـ يستأذنه:
ـ سيّدي، استأذَنْتُ أباك فوَهَبني إيّاك، وأنا أسألك أن تأذنَ لي في البِراز إلى قتال هؤلاء القوم.
فيجيبه سلام الله عليه:
ـ وأنا أعتَقْتُك؛ فأنت حُرٌّ لوجه الله.
فيخرج مسروراً مُبتهجاً إذْ أصبح من الشرف السامي قابَ قوسينِ أو أدنى.. فعلى بركة الله، وإلى سبيله القويم، وبين يَدَي أبي عبدالله، وعلى صراطه المستقيم (3).

روح الشهادة
خرج أسلَمُ من عند زين العابدين عليه السّلام مسروراً بانعتاقه؛ لأنّ ذلك الانعتاق أهَّلَه إلى العروج في آفاق مرضاة الله الكبرى، وهي نُصرة إمام عصره وزمانه، وحجّةِ الحقّ تبارك وتعالى، وسيّد الشهداء أبي عبدالله الحسين صلوات ربّنا عليه.. فحمَلَ أسلمُ سيفَه ولَبِس دِرْعه.
في ( بحار الأنوار ) للشيخ المجلسيّ: ثمّ خرج غلامٌ تركيٌّ كان للحسين عليه السّلام، وكان قارئاً للقرآن، فجعَلَ يقاتل ويرتجز ويقول:

البحرُ مِن طَعْني وضَرْبي يَصْطَلي   والجوُّ مِـن سَهْمي ونَبْلي يَمتـلي

إذا حُسـامي فـي يميني ينجـلي        يَنْشَـقُّ قلبُ الحـاسدِ المُبَجَّلِ (4)

قال عليُّ بن الحسين زين العابدين عليه السّلام: ارفَعوا طَرَف الخيمة؛ لأنظر كيف يقاتل! (5) فكان نِعْم المُقاتِل!
حتّى قَتَل جماعةً (6).

نوال المُنى.. وفوق المُنى!
أيّ شرف ذاك.. وأيّة سعادة تلك!! ينالُهما المرء حين يأذن له سيّدُ شباب أهل الجنّة الإمام الحسين عليه السّلام بالقتال بين يديه، دفاعاً عن حُرُمات الدين ومُقدَّساته، وصَوناً للإمامة والإمام، وجهاداً لغاصبي الخلافة الإلهيّة.
وُفّق لذلك كله مَولىً غُلام؛ لأنّه تعلّق قلبُه بمحبوب الله ورسوله، وبسيّدِ شباب أهل الجنّة وإمام الدنيا بأسرها، أبي عبدالله الحسين عليه السّلام، فأحبّه وفَدى نفسَه في طاعته ولبّى لأمره، وتشرّف بالجهاد بعد إذنه.. فقاتلَ حتّى أجهَدَه الظمأ وأعياه النِّزال، فتحاوشه أولئك الجبناء وهو وحدَه، حتّى ضربوه فسقط صريعاً (7).
فجاءه الحسين عليه السّلام ـ وهو الحسين صلوات الله عليه ـ إلى مصرع أسْلَم ـ وهو مَولىً غلامٌ تركيّ بسيط ـ فبكى عليه السّلام على ذلك الغلام الغريب، ثمّ اعتنَقَه ووضَعَ خدَّه الشريف على خدّ أسْلَم.. كما فَعَل ذلك بولدِه عليّ الأكبر وابنِ أخيه القاسم بن الحسن عليهما السّلام، وكان بأسْلَمَ رَمَق، ففتح عينيه وإذا به يرى إمامَه وسيّدَه الإمام الحسين صلوات الله عليه واضعاً خدَّه على خدّه يغمره بحنانِ الإمامة وعطفها، فتبسّم أسْلَم، وآبتهجت روحه وهو يُحتضَر، وتَمتَم بهذه الكلمات:
ـ مَنْ مِثْلي؟! وآبنُ رسولِ اللهِ واضعٌ خدَّه على خَدّي!
وكان ذلك آخِرَ ما تَلَفّظ به أسْلَم مشفوعاً بابتسامة عذبة، ثمّ فاضت نفسُه الزكيّة، وصار إلى ربّه، رضي الله عنه (8).

خطوات كريمة
وصار أسْلَم التركيّ أحدَ سبعةٍ تشرّفوا بأن مشى إليهم الإمام الحسين عليه السّلام بعد سقوطهم على أرض طفّ كربلاء..
ـ عليّ الأكبر سلام الله عليه.. مشى إليه وقال له: على الدنيا بعدك العَفا (9).
ـ والقاسم بن الحسن المجتبى عليه السّلام.. فلمّا قُتل مشى إليه أبو عبدالله الحسين عليه السّلام وقال له: بُعْداً لقومٍ قَتَلوك! (10).
ـ ومسلم بن عَوسَجة رضوان الله عليه.. حيث قال عليه السّلام له وقد مشى إليه ومعه حبيب بن مظاهر: رَحِمَك اللهُ يا مسلم (11).
ـ والحرّ بن يزيد الرياحيّ رضي الله عنه.. فقد خاطبه الإمام الحسين عليه السّلام ومشى إليه قائلاً: أنت حُرٌّ كما سَمَّتْك أُمُّك (12).
ـ وجَون مولى أبي ذرّ.. إذ مشى إليه الإمام الحسين سلام الله وقد رآه قتيلاً شهيداً، فدعا له: اللهمّ بَيِّضْ وجهَه، وطَيِّبْ ريحَه، وعَرِّفْ بينه وبينَ محمّدٍ وآل محمّد (13).
• ويروى أنّ سيّد الشهداء مشى إلى جميع الشهداء وأبّنهم وقرأ قولَه تبارك وتعالى:  فمِنْهُم مَن قَضى نَحْبَه ومِنْهُم مَن يَنتظِرُ، وما بَدَّلُوا تَبديلاً  (14).
وكان لأسْلَمَ التركيّ نوالُ ذلك الشرف الأسمى.. أن أصبح مولىً لسيّد الشهداء عليه السّلام وكاتباً له، ثمّ مقاتلاً يتقدّم بإذنه وأمره، ثمّ شهيداً بين يديه، ثمّ مَحْبُوّاً بعِناقِ سيّد شباب أهل الجنّة له، ووضع خدّه المبارك على خدّه بعد البكاء عليه.. فيَحْظى بذلك كلِّه وهو عبدٌ مملوك، فيقول فيه الشاعر:

بَطَلٌ نَشـا فـي بيتِ آلِ محـمّدٍ           ومعَ الحسين.. فكانَ مِن أعـوانِهِ

هو « اسْلَمٌ ».. تبدو عليه شَجاعةٌ      موصوفةٌ.. تسـمو على أقْـرانِهِ

طَلَبَ البِرازَ وراحَ يَخْطُر للرَّدى       مُتبسِّماً.. والعـزمُ رَهْنُ ضَمـانِهِ

وسَطا على الباغينَ سَطْوةَ باسلٍ       فَلَقَ الـرؤوسَ بسيـفهِ وسِنـانِهِ

فتكاثروا بسِهـامِهم.. فهَوى على       وجهِ الثَّرى كالزَّهرِ مِن أغصانِهِ

نادى: إلَـيَّ إلَـيَّ يا آبَـن محمّدٍ         أنتَ الـذي أرجو نَدى إحسـانِهِ

فمضى إليه.. وكـان فيـه بقيّةٌ         لم تَقترِنْ بالـوعيِ عن جُثْمـانِهِ

حتّى إذا اعتنقَ الحسينُ تَبسَّـمتْ     شَفَتاهُ عن فَـرَحٍ برِفْعةِ شـانِـهِ

مِن ثَـمّ جـادَ بمُهجةٍ لا تنطوي      إلاّ على شوقٍ إلى رِضْوانِهِ (15)

ويأتي إلى « أسلم » بعدَ كلِّ هذا الشرف.. شرفٌ آخَر، وهو أن خصّه الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرَجَه بسلامه المبارك فجاء اسمه ( سليمان ) ـ وهو المقصود ـ في زيارته عليه السّلام لشهداء كربلاء بهذا التعبير والنصّ:
السلامُ على سُليمانَ مَولى الحسينِ بنِ أميرِ المؤمنين، ولعَنَ اللهُ قاتلَه سليمانَ بنَ عَوفِ الحَضْرميّ (16).