عبدالله بن عمير الكلبي «أبو وهب» ... الشهيد السعيد

الإثنين 25 سبتمبر 2017 - 13:57 بتوقيت غرينتش
عبدالله بن عمير الكلبي «أبو وهب» ... الشهيد السعيد

أنصار الحسين-الكوثر

هذا الشهيد السعيد
هو عبدالله بن عُمَير بن عبّاس بن عبد قيس بن عُلَيم بن جناب الكلبيّ العُلَيميّ ( من بني عُلَيم.. فَخِذٌ من جَناب، وهم بطنٌ من كلب ـ وفي بعض الكتب حَبّاب، وهو غلط )، وكُنيته « أبو وَهب ».

كان عبدالله بن عُمير طويلاً شديدَ الساعِدَين، بعيدَ ما بين المَنكِبين، وكان بطلاً شُجاعاً، شريفاً في قومه مُجرَّباً. نزل الكوفة، واتّخذ عند بئر الجَعْد مِن هَمْدان داراً فنَزَلها ومعه زوجته « أُمّ وهب » بنت عبد مِن بني النَّمر بن قاسِط (1).

الالتحاق بالركب الحسينيّ
رأى عبدُالله بن عمير الكلبيّ قوماً بالنُّخيلَة يُعرَضون.. فسأل عنهم، فقيل له: يُسرَّحون إلى الحسين بن فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله. فقال: واللهِ لقد كنتُ على جهادِ أهل الشرك حريصاً،وإنّي لأرجو أن لا يكون جهادُ هؤلاءِ الذين يَغْزُون ابنَ بنتِ نبيِّهم أيسَرَ ثواباً عند الله مِن ثوابه إيّايَ في جهاد المشركين.

فدخل إلى امرأته فأخبرها بما سمع وأعلَمَها بما يريد، فقالت له: أصَبتَ أصابَ اللهُ بك أرشدَ أُمورك، إفَعلْ وأخرِجْني معك.
فخرج بها ليلاً حتّى أتى الحسينَ عليه السّلام، فأقام معه في كربلاء (2).

المبادرة الشجاعة
لمّا دنا عمرُ بن سعد ورمى، ارتمى الناس.. وخَرَج يَسارٌ مولى زياد ابن أبيه وسالمٌ مولى عُبيدالله بن زياد، فقالا: مَن يُبارِز ؟ لِيخرُجْ إلينا بعضُكم. فوثب حبيبُ بن مظاهر وبُرَير بن خُضَير، فقال لهما الإمام الحسين عليه السّلام: إجلِسا.
فقام عبدالله بن عُمَير الكلبيّ قائلاً: يا أبا عبدالله، رحمك الله، إأْذَنْ لي لأخرُجَ إليهما. فرأى الحسينُ عليه السّلام فيه رجلاً طُوالاً شديد الساعدين، بعيدَ المَنكِبين، فقال: إنّي لأحسَبُه للأقرانِ قتّالاً، أُخرُجْ إنْ شِئت.
فخرج إليهما.. فقالا له: مَن أنت ؟! فانتَسَبَ لهما، فقالا له: لا نَعرفُك، ليخرجْ إلينا زهيرٌ أو بُرَير! وكان يَسارٌ قريباً من عبدالله، فقال له عبدُالله يَستفزّه للقتال:
ـ يا ابن الزانية! وبِكَ رغبةٌ عن مُبارَزَةِ أحدٍ من الناس ؟! أوَ يَخرجُ إليك أحدٌ من الناس إلاّ وهو خيرٌ منك ؟!
ثمّ شَدَّ عبدُالله بن عُمير على يَسارٍ يضربه بسيفه، وبينما هو مُشتغلٌ به إذْ شَدَّ سالمٌ على عبدالله، فصاح أصحابُ عبدالله به: قد رَهَقَك العَبدُ. فلم يأبَهْ عبدُالله له حتّى ضربه سالمٌ بالسيف، فاتّقاها عبدُالله بيده اليسرى فأطار أصابعَها.
ثمّ مال عبدالله على سالم فضربه حتّى قتله بعد أن غَشِيَ يساراً وقتله، فأقبلَ على إمامه الحسين عليه السّلام يرتجز قائلاً:

إنْ تُنكـروني فـأنـا ابنُ كلبِ      حَسْبيَ بيتي فـي عُلَيمٍ حَسْـبي

إنّـي آمرؤٌ ذو مِـرّةٍ وعَضْبِ     ولستُ بالخَوّارِ عند الحربِ (3)

إنّــي زعيـمٌ لكِ أمَّ وَهْـبِ         بالطعنِ فيهم مُقْـدِماً والضربِ

فهاجَت الغَيرةُ في أُمّ وهب حتّى أخَذَت عموداً، ثمّ أقبَلَت نحو زوجها تقول له: فِداك أبي وأمّي، قاتِلْ دون الطيّبين مِن ذريّة محمّد صلّى الله عليه وآله. فأراد أن يَرُدَّها زوجُها عبدُالله فلم تُطاوِعْه، وأخَذت ثوبَه وتقول له: لن أدَعَك دون أن أموت معك. هذا ويمينُ عبدالله سَدِكتْ على سيفه (4)، ويَسارُه مقطوعةٌ أصابُعها، فلا يستطيع ردَّ زوجته، حينها جاء إليها الحسين عليه السّلام يقول لها:
ـ جُزِيتُم من أهلِ بيتٍ خيراً ( أو: جُزيتُم عن أهل بيت نبيّكم خيراً ) ـ، إرجِعي ـ رحمك الله ـ إلى النساء فاجلِسي معهنّ؛ فإنّه ليس على النساء قتال.
فانصرفت إليهنّ (5).

الفوز المُعلّى
حَمِيَ وَطيسُ المعركة يومَ عاشوراء على ساحة الطفّ، فحمَلَ عمرو بن الحَجّاج الزَّبيديّ ـ وهو من جُند عمر بن سعد ـ على مَيمنة أصحاب الحسين عليه السّلام، فيمن كان مع عمرو من أهل الكوفة، فلمّا دنا من الحسين عليه السّلام جَثَوا له على الرُّكَب وأشرَعوا الرِّماحَ نحوهم، فلم تَقْدِم خيلُ عمرو بن الحجّاج وصَحبِه، فذَهَبت الخيلُ لترجع، فرَشَقَهُم أصحابُ الإمام الحسين عليه السّلام بالنَّبل.. فصَرَعوا منهم رجالاً وجَرَحوا منهم آخرين.
وحَمَل شمرُ بن ذي الجَوشَن على مَيسرَةِ عسكر الحسين عليه السّلام، فثَبَتوا وطاعَنُوه. وقد قاتَلَ عبدُالله بن عُميرَ الكلبيّ ـ وكان على الميسرة ـ قتالَ ذي لَبدٍ وثبات، وقتل من عسكر ابن سعد رجالاً، فحمَلَ عليه: هاني بن ثُبَيت الحَضْرَميّ، وبُكيَر بن حيّ التيميّ من تَيمْ الله بن ثعلبة.. فقتلاه. وقد خصّه الإمام المهديّ عجلّ الله تعالى فَرَجَه الشريف بسلامه الخاصّ في زيارته للشهداء رضوان الله عليهم، فقال: السّلام على عبدالله بن عُمَير الكَلْبيّ (6).
قال أبو مِخْنَف: ثمّ عَطَفتِ الميمنة والميسرة والخيل والرجال على أصحاب الحسين عليه السّلام.. فاقتتلوا قتالاً شديداً، وصُرِع أكثرُهم، فبانت بهم القلّة، وانجلت الغُبرة (7).

نخوة الجهاد
مع أنّ الإسلام أسقَطَ الجهادَ عن المرأة، إلاّ أنّه سمح لبعض النساء في مباشرة الحرب في مواقف خاصّة، فقد قاتَلَت نَسيبةُ بنت كعب الأنصاريّة يومَ أُحُد وأُصيبت بثلاث عشرة جراحة، حتّى قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: ما التَفَتُّ يميناً ولا شمالاً إلاّ وأراها تُقاتِل دوني. وقال أيضاً: لَمَقامُ نَسيبةَ بنت كعب اليومَ خيرٌ من مَقام فلانٍ وفلان ( وكانا قد فَرّا واختَبئا) (8).
كما اشتركت المرأة المؤمنة بمواقفها المشرّفة في « صِفّين »، وفي « كربلاء » يوم عاشوراء، كما أخذت أمُّ عَمْروا بن جُنادة الأنصاريّ رأسَ عمرو وضَرَبت به رجلاً فقتلَتْه، وعادت إلى المخيّم فأخذَتْ عموداً لتقاتلَ به، فردّها الإمامُ الحسين صلوات الله عليه بعد أن أصابتْ بالعمود رجلَين (9).
وتلك أمّ وَهْب.. لمّا رأت زوجَها أبا وهب عبدَالله بن عُمَير الكلبيّ قاتل حتّى قُتل شهيداً رضوان الله عليه.. مَضَتْ إليه وسط ساحة المعركة، حتّى جَلَست عنده وأخَذَتْ برأسه تَمسَح الدمَ والتراب عنه وعن وجهه وهي تقول له: هنيئاً لك الجنّة! أسألُ اللهَ الذي رزقك الجنّةَ أن يصحبني معك.
فبَصُرَ بها شمرُ بن ذي الجوشن، فقال لغلامٍ له اسمه « رستم »: إضرِبْ رأسَها بالعمود! فضرب رستم رأسَها بعمود فشَدَخَه، فماتت مكانها ـ وهي أوّل امرأةٍ قُتلتْ في عسكر الحسين عليه السّلام (10).

مَن وَهبٌ هذا ؟
في المَقاتل وبعض كتب الرجال والسِّيَر.. يأتي اسم « وَهب » أحدَ أصحاب الإمام الحسين عليه السّلام ومعه أمُّه وزوجته في طفّ كربلاء ويكاد يُشَكّ أنّه « أبو وهب » المترجَم له، أو ابنه، لا سيّما وأنّ نسبه يلتقي به، فالمترجَم له هو عبدالله بن عُميَر... ابن جَناب الكلبيّ، ووهب هو ابن عبدالله بن جَناب الكلبيّ ـ كما في بعض الوقائع.
• يكتب السيّد ابن طاووس في ( اللهوف في قتلى الطفوف ):
وخرج وهب بن جَناح الكلبيّ ( ولعلّ تصحيفاً حدث في جَناح، وهو جَناب )، فأحسَنَ في الجِلاد، وبالَغَ في الجهاد، وكانت معه امرأته ووالدته، فرجع إليهما وقال لأمّه:
ـ يا أُمّاه، أرَضِيتِ أم لا ؟ فقالت الأمّ:
ـ ما رضِيتُ حتّى تُقتلَ بين يَدَي الحسين.
وقالت امرأته: باللهِ عليك لا تَفجَعْني بنفسك.
فقالت له أمُّه: يا بُنيّ آعزُبْ عن قولها، وارجِعْ فقاتِلْ بين يَدَي آبنِ بنت نبيّك تَنَلْ شفاعةَ جَدِّه يوم القيامة.
فرجع ( وهب ).. فلم يَزَلْ يُقاتلُ حتّى قُطِعتْ يداه، فأخذتِ امرأتُه عموداً فأقبلَتْ نحوه وهي تقول:
ـ فِداك أبي وأمَي، قاتِلْ دونَ الطيّبين حرمِ رسول الله.
فأقبل ( وهب ) كي يَرُدَّها إلى النساء، فاخَذَت بجانبِ ثوبه وقالت: ـ لن أعودَ دون أن أموت معك.
فقال الحسين عليه السّلام: جُزِيتم من أهلِ بيتي خيراً، إرجعي إلى النساء ـ رَحِمَكِ الله.
فانصرفتْ إليهن.. ولم يَزَل الكلبيّ يقاتل حتّى قُتِل رضوان الله عليه (11).
• أما الشيخ المجلسيّ، ففي كتابه ( بحار الأنوار ـ ج 45 ) ينقل عن مصادر عديدة ما جَرى يوم عاشوراء.. حتّى يصل إلى هذا الرجل، فيقول:
ثمّ بَرَز مِن بعده ( أي بعد بُرَير بن خُضَير رضوان الله عليه ) وَهْبُ بن عبدالله بن حَبّاب الكلبيّ (12)، وقد كانت معه أمُّه يومئذٍ فقالت:
ـ قُمْ يا بُنَيّ فانصُرِ آبنَ بنتِ رسول الله.
فقال: أفعلُ يا أمّاهُ ولا أُقصّر.
فبرز ( وهب ) وهو يقول:

إنْ تُنكرونـي فـأنا ابـنُ كلبِ        سوف تَرَوني وتَـرَون ضَربي

وحَمْلتي وصَولتي فـي الحربِ     أُدرِكُ ثأري بعد ثـأرِ صَحْبي

وأدفَعُ الكَـرْبَ أمـامَ الكَـرْبِ       ليس جهادي في الوغى باللّعبِ

ثمّ حمل.. فلم يَزَل يقاتلُ حتّى قَتَلَ منهم جماعة، فرجع إلى أُمّه وامرأته، فوقف عليهما فقال:
ـ يا أُمّاه، أرَضِيتِ ؟ فقالت:
ـ ما رَضِيتُ أو تُقتَلُ بينَ يَدَيِ الحسين ( عليه السّلام ).
فقالت امرأته له: باللهِ لا تَفجَعْني في نفسك.
فقالت أمُّه: يا بُنَي لا تَقبَلْ قولَها وارجِع، فقاتِلْ بين يدَيِ آبنِ رسول الله، فيكون غداً في القيامة شفيعاً لك بين يَدَي الله.
فرجع ( وهبٌ ) قائلاً:

إنّـي زعيـمٌ لكِ أُمَّ وَهْـبِ        بالطعنِ فيهم تارةً والضَّربِ

ضَربَ غلامٍ مؤمنٍ بالـربِّ     حتّى يُذيقَ القومَ مُرَّ الحربِ

إنّـي امرؤٌ ذو مِرّةٍ وعَضْبٍ     ولستُ بالخَـوّارِ عند النَّكْبِ

فلم يَزَل يُقاتِل حتّى قَتَلَ تسعةَ عشَرَ فارساً وآثْنَي عشر راجلاً.. ثمّ قُطِعتْ يداه، فأخَذَت امرأتُه عموداً وأقَبَلتْ نحوه وهي تقول:
ـ فِداك أبي وأُمّي قاتِلْ دون الطيّبين حَرَمِ رسول الله.
فأقبَلَ كي يَرُدَّها إلى النساء فأخَذَت بجانبِ ثوبه وقالت:
ـ لن أعودَ أو أموت معك.
فقال الحسين عليه السّلام: جُزِيت مِن أهل بيتي خيراً، إرجعي إلى النساء ـ رَحِمَكِ الله.
فانصرفت.. وجعل ( وهبٌ ) يُقاتِل حتّى قُتِل رضوان الله عليه، فذَهَبت امرأتُه تمسح الدمَ عن وجهه، فبَصُر بها شمر، فأمر غلاماً له فضَرَبها بعمودٍ كان معه، فشَدَخَها وقَتَلها، وهي أوّل آمرأةٍ قُتلتْ في عسكر الحسين عليه السّلام.
وأضاف المجلسيّ: ورأيتُ حديثاً أنّ وَهْباً هذا كان نصرانيّاً، فأسلم هو وأُمّه على يَدَي الحسين، فقَتَل في المبارزة أربعة وعشرين راجلاً واثنَي عشَرَ فارساً، ثمّ أُخِذَ أسيراً فأُتيَ به عمرَ بن سعد، فقال له: ما أشدَّ صَوْلَتَك! ثمّ أمَرَ به فضُربتْ عنُقُه، ورُميَ برأسه إلى عسكر الإمام الحسين عليه السّلام، فأخذَتْ أُمُّه الرأسَ فقبّلته، ثمّ رَمَتْ بالرأس إلى عسكر عمر بن سعد، فأصابت به رَجُلاً فقَتَلَتْه، ثمّ شَدَّت بعمودِ الفُسطاط فقَتَلتْ رجلَين، فقال لها الحسين عليه السّلام:
ـ إرجِعي يا أمَّ وَهْب، أنتِ وابنُك مع رسول الله؛ فإنّ الجهاد مرفوعٌ عن النساء.
فرجَعَت وهي تقول: إلهي لا تَقطَعْ رجائي. فقال لها الحسين عليه السّلام: لا يَقطع اللهُ رَجاكِ يا أمَّ وهب (13).
هذا.. ولم نجد في ( زيارة الناحية المقدّسة ) في زيارة الإمام المهديّ صلوات الله عليه لشهداء الطفّ اسماً لوهب، إلاّ إنّنا وجدنا في آخرها هذا السلام المبارك:
السلامُ عليكم يا خيرَ أنصار، السلامُ عليكم بما صَبرَتُم فنِعْمَ عُقبى الدار، بوّأكمُ اللهُ مُبَوّأَ الأبرار. أشهَدُ لقد كشَفَ اللهُ لكمُ الغِطاء، ومَهَّد لكمُ الوِطاء، وأجزَلَ لكمُ العَطاء، وكنتُم عنِ الحقِّ غيرَ بِطاء، وأنتُم لنا فُرَطاء، ونحنُ لكُم خُلَطاءُ في دارِ البقاء. والسلام عليكم ورحمة اللهِ وبركاته (14).