برير بن خضير.. «سيد القراء»

الأحد 24 سبتمبر 2017 - 16:15 بتوقيت غرينتش
برير بن خضير.. «سيد القراء»

أنصار الحسين - الكوثر

مَن هو هذا الشهيد ؟
هو بُرير بن خُضَير (1) الهَمْدانيّ، تابعيّ وُصِف في المصادر بأنّه «سيّد القُرّاء»، وكان شيخاً تابعيّاً، ناسكاً قارئاً للقرآن ومن شيوخ القُرّاء في جامع الكوفة. وله في الهَمْدانيّين شَرَفٌ وقَدْر، ويبدو أنّه كان مشهوراً ومحترماً في مجتمع الكوفة (2).
وذُكر بُرَير في معاجم الرجال بأنّه: كان عابداً زاهداً، قارئاً للقرآن ومن شيوخ القُرّاء وأقرأَ أهل زمانه، وكان يُعلّم الناسَ القرآن. كذا كان من عباد الله الصالحين، وكان شُجاعاً جليلاً من أشراف أهل الكوفة مِن هَمْدان (3) الذين قال فيهم أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام:

فَلَو كنتُ بَوّابـاً على بابِ جَنّةٍ      لَقلتُ لهَمْدانَ: آدخُلُوا بِسَلامِ (4)

مواقفه في الطفّ
كان لبُرَير بن خُضَير في كربلاء قضايا ومواعظ وكلماتٌ تكشف عن قوّة إيمانه.. مِثل قوله للإمام الحسين عليه السّلام.
ـ واللهِ يا بنَ رسول الله، لقد مَنّ اللهُ بك علينا أن نُقاتِلَ بين يديك، تُقْطَّعُ فيك أعضاؤنا، ثمّ يكون جَدُّك شفيعَنا يوم القيامة بين أيدينا. لا أَفلَح قومٌ ضَيّعُوا ابنَ بنتِ نبيّهم! أُفٍّ لهم! غداً ماذا يُلاقُون ؟! يُنادُونَ بالوَيل والثُّبور في نار جهنّم! (5)
• وروي أنّ الإمام الحسين عليه السّلام أمَرَه في غداة يوم عاشوراء بِفُسْطاط، فضُرِب.. وقد وقف بُرَير بن خُضَير وعبدالرحمان بن عبدربّه الأنصاريّ على باب الفُسطاط، فجَعَل بريرٌ يُضاحِك عبدَالرحمان، فقال له عبدُالرحمان: يا بُرَير، أتضحك ؟! ما هذه ساعةُ باطل! فقال بُرير: لقد عَلِم قومي أنّني ما أحبَبتُ الباطلَ كهلاً ولا شابّاً، وإنّما أفعَلُ ذلك استِبشاراً بما نَصيرُ إليه.. فوَاللهِ ما هو إلاّ أن نَلْقى هؤلاء القومَ بأسيافنا، نُعالجُهم ساعةُ ثمّ نُعانِقُ الحُورَ العِين (6).
• وبُرَير بن خُضَير بعد.. هو الذي أمَرَه الإمامُ أبو عبدالله الحسين عليه السّلام أن يكلّم القومَ ( عسكرَ عمر بن سعد ) يَعظُهم ويُلقي عليهم مزيداً من الحُجج الواضحة، فتقدّم برير. قال المؤرّخ محمّد بن أبي طالب: وركب أصحابُ عمر بن سعد، فقُرِّب إلى الحسين فرسُه فاستَوى عليه، وتقدّم نحو القوم في نفرٍ من أصحابه، وبين يديه بُرَير بن خُضَير، فقال له الحسين عليه السّلام: كَلِّم القَومَ. فتقدّم بُريرٌ فقال:
ـ يا قومُ آتّقُوا الله؛ فإنّ ثِقْلَ محمّدٍ قد أصبح بين أظهُرِكُم، هؤلاء ذُريّتُه وعِترته وبَناته وحَرمُه، فهاتوا ما عندكم، وما الذي تريدون أن تصنعوه بهم ؟!
فقالوا: نريد أن نمكّن منهم الأميرَ ابنَ زياد، فيرى رأيَه فيهم! فقال لهم بُرَير: أفَلا تَقبَلون منهم أن يرَجِعوا إلى المكان الذي جاءوا منه ؟ وَيْلَكم يا أهلَ الكوفة! أنَسِيتُم كُتبَكم وعُهودَكمُ التي أعطَيتموها وأشهَدتُمُ اللهَ عليها ؟! يا وَيلكم! أدَعَوتم أهلَ بيتِ نبيّكم وزعمتم أنّكم تَقتُلونَ أنفُسَكُم دونهم حتّى إذا أَتَوكُم أسلَمتُموهُم إلى ابن زياد وحَلأتُموهم عن ماء الفرات ؟! بِئسَ ما خَلَفتم نبيَّكُم في ذُريّته! ما لكم ـ لا سَقاكمُ الله يوم القيامة ـ فبئسَ القومُ أنتم!!
فقال له نَفَر: يا هذا، ما ندري ما تقول!
فقال بُرير: الحمد لله الذي زادني فيكم بصيرة. اللهمّ إنّي أبرأ إليك مِن فِعال هؤلاء القوم، اللهمّ ألْقِ بأسَهم بينهم حتّى يَلقَوك وأنت عليهم غضبان.
فجعل القومُ يَرمونه بالسِّهام، فرجع بُريرٌ إلى ورائه.
وتقدّم الحسين عليه السّلام حتّى وقف بإزاء القوم وخطب فيهم.. (7)

الشرف الأسمى
بَرَز رجلٌ من عسكر ابن سعد، وهو يَزيدُ بن مَعقِل (8)، فنادى: يا بُرَير، كيف تَرى صُنْعَ الله فيك ؟!
فأجابه بُريرٌ بقوّةِ إيمانه: صَنَعَ اللهُ بي خيراً، وصَنَعَ بك شرّاً. فقال يزيد: كَذِبتَ، وقبلَ اليوم ما كُنتَ كذّاباً.. أتذكرُ يومَ كنتُ أُماشِيك في « بني لَوْذان » (9) وأنت تقول: كان معاوية ضالاًّ، وإنّ إمام الهدى عليُّ بن أبي طالب ؟
قال بُرير: بلى، أشهدُ أنّ هذا رأيي.
فقال يزيد: وأنا أشهدُ أنّك من الضالّين!
فدعاه بُريرٌ إلى المبُاهلَة (10)، فرفعا أيديَهما إلى الله سبحانه يَدعُوانِه أن يَلعَن الكاذبَ ويقتله.. ثمّ تَضارَبا، فضَربَه بريرٌ على رأسه ضربةً قَدَّت المِغْفَر والدِّماغ (11)، فخرّ يزيد كأنّما هوى مِن شاهِق، وسيفُ بُريرٍ ثابتٌ في رأس يزيد..
وبينما بُريرٌ يريد أن يُخرِج سيفَه إذْ حَمَل عليه رضيُّ بن مُنقِذ العَبديّ واعتَنَق بُرَيراً واعتَرَكا، فصرَعَه بُريرٌ وجلَسَ على صدره، فاستغاث رضيّ بأصحابه، فذهب كعبُ بن جابر الأزْديّ ليحمل على برير، فصاح به عَفيفُ بن زهير:
ـ هذا بُرَير بن خُضَير القاري الذي كان يُقرئنا القرآنَ في جامع الكوفة.
فلم يلتف إليه كعب، فطعنَ بُرَيراً في ظهره، عندها برَكَ بُريرٌ على رضيٍّ فقَطَع أنفَه، وألقاه كعبٌ برمحه عنه وضربه بسيفه فقتله.
ولمّا رجع كعب بن جابر إلى أهله.. عاتَبَتْه عليه أخته «النَّوار» قائلةً له: أعَنتَ على ابنِ فاطمة (أي الحسين عليه السّلام)، وقتلتَ سيّدَ القرّاء (أي بريراً)؟! لقد أتَيتَ عظيماً من الأمر! واللهِ لا أُكلّمك من رأسي كلمةً أبداً. فأنشأ يقول لها:

سَلـي تُخبَـري عنّـي وأنتِ ذَميمـةٌ      غَـداةَ حُسَـينٍ والـرِّمـاحُ شَـوارِعُ         

معـي يَزَنـيٌ لـم تَخُـنْه كُعـوبُـه          وأبيضُ مَخشوبُ الغَـرارينِ قـاطـعُ

فجـرَّدَتُه فـي عصبةٍ ليـس دِينُـهم       بدِيني.. وإنـي بآبـنِ حربٍ لَقـانعُ!

ولم تَـرَ عيني مِثْلَهم فـي زمـانِـه       ولا قَبْلَهم فـي النـاسِ إذْ أنـا يافـعُ

أشدَّ قِراعاً بالسيوفِ لدى الوغى       ألاَ كلُّ مَن يحمي الذِّمارَ مُقارِعُ

وقد صَبَروا للضربِ والطعنِ حُسَّـراً  وقـد نازَلـوا.. لـو أنّ ذلك نافـعُ!

فـأبلِـغْ عُبيـدَالله إمّـــا لَقِـيتَـه             بـأنّـي مطيعٌ للخلـيـفـةِ سـامـعُ

قَتَلتُ بُـرَيـراً ثـمّ حَمّـلتُ نعـمـةً         أبا منقذ لما دعا من يماصع

فردّ عليه رضيُّ بن منقذ العبديّ بقوله:

ولو شـاء ربّـي ما شَهِدتُ قتـالَهم            ولا جعلَ النَّعمـاءَ عنـدي ابنُ جابرِ

لقد كـان ذاك اليـومُ عـاراً وسُبّـةً             تُعيّـرُه الأبنــاءُ بعـد المَعـاشِـرِ

فيـالَيتَ أنّـي كنتُ مِـن قَبلِ قَتـلِهِ              ويومَ حسينٍ كنتُ في رَمْسِ قابِرِ (15)

• وفي بُرَير يقول الشاعر مادحاً راثياً:

جـزى اللهُ ربُّ العـالمينَ مُبـاهِـلاً             عن الدِّينِ كيمـا يَنهـجَ الحقَّ طالبُـهْ

وأزهَـرَ مِـن هَمْدانَ يُلقـي بنفسِـه            على الجَمْعِ حيث الجمعُ تُخشى مَواكبُهْ

أبَـرَّ على الصِّـيدِ الكُمـاة بمـوقفٍمَ              نـاهـجُـه مَســدودةٌ ومَـذاهبُـهْ

إلى أن قضى فـي اللهِ يُعـلَم رُمحُـه            بصِدْقٍ تَـوخّيـه ويَشـهدُ قـاضِبُـهْ

فَقُلْ لصـريعٍ قـام فـي غيرِ مـارنٍ           عَذَرْتُك.. إنّ الليثَ تَدْمـى مَخالِبُهْ (16)

فسلامٌ عليك يا بُرَيرَ بنَ خُضَير في الصالحين،
وسلام عليك في الأوفياء المخلصين،
وسلامٌ عليك في الشهداء الطيّبين.