عاش الكيان الصهيوني أيام انهيار عام 1973، ووجدت رئيسة وزراء الكيان الصهيوني عندئذ نفسها مع دموعها تبكي احتمال زوال كيانها. انهار رئيس أركان الجيش الصهيوني، وتم استدعاء كبار ضباط الاحتياط لاستلام دفّة الحرب، وسارع المستوى السياسي إلى الولايات المتحدة لتقوم بعملية إنقاذ تحافظ على وجود الكيان. لم تتخلّف أميركا عن إمداد الكيان بكل ما يحتاج من معدّات وتجهيزات عسكرية حتى انقلب ميزان الحرب. ذلك المشهد يتكرّر الآن في عهد نتنياهو، ليعيش الكيان حالة من الهستيريا التي قد تتطوّر إلى انهيار عصبي يفقده توازنه واتّزانه وقدرته على قراءة الواقع. الآن يشعر الكيان الصهيوني أنه مُهدّد وأن وجوده كدولة قد يصبح قريباً في مهبّ الريح. الكيان يفقد ثقته بنفسه، ويشعر أن سطوته تتقلّص تدريجاً، وأن القوى التي تتحدّاه لم تعد تلك التي كانت ترخي سيقانها للهواء مع أول رصاصة تنطلق.
الصهاينة الآن يخشون حزب الله الذي بات يشكّل ردعاً حقيقياً لجيشهم، وهم يرون خطره الداهم من دون أن يجرؤوا على الاحتكاك المباشر به. وقد كان لجرود عرسال درساً قاسياً خبره الكيان وتمثّل بامتناعه عن التدخّل لصالح الإرهاب بعد تهديد حزب الله بفتح الجبهة واستهداف كل بقعة في فلسطين المحتلة/48. لقد سارع نتنياهو إلى جمع أقطابه الأمنيين والسياسيين والعسكريين وأبلغهم بأن الكيان لا يستطيع دعم طرف ضدّ حزب الله. إنه يرى في حزب الله جيشاً قوياً مدرّباً منضبطاً مُسلّحاً مُتقناً لفنون القتال مؤمناً بقضيته وواعياً لأهدافه. والكيان يخشى الخبرة القتالية المتراكمة التي اكتسبها الحزب على الساحة السورية، وبات يخشى قدرته على تصنيع السلاح وإمداد الجبهة مباشرة بمختلف أنواع الأسلحة والذخائر الضرورية لاستمرار القتال. حتى أن الكيان انتقل في نظريته الأمنية من نظرية الحرب الوقائية إلى نظرية المحافظة على التجمّعات السكّانية المدنية. أي انتقل من فلسفة الهجوم إلى التقوقع الدفاعي الذي لا مفرّ سيستمر اختراقه. عين الاحتلال الصهيوني على الجليل الذي يمكن أن يقع بيد حزب الله ويتحوّل إلى موضوع إذلال للصهاينة وفرْض شروط عليهم تقلب معادلات القوة رأساً على عقب.
من ناحية أخرى، لا يرى الصهاينة أن الجيش السوري سيكون كما كان قبل الحرب الداخلية السورية. لقد اكتسب الجيش السوري خبرة قتالية هائلة نقلته من جيش تقليدي إلى جيش حديث يُتقن فنون القتال ويتمتّع بقدرة تكتيكية كبيرة تساعده على السيطرة على الميدان. الجيش السوري لن يعود إلى شعار المكان والزمان المناسبين، ولن يقبل ذلك على نفسه بعد هذه المدة الطويلة من مُقارعة المُعارضين المُسلّحين. وحتى النظام السياسي لن يعود كما كان ، ويرى أن استمراره لن يتأتّى إلا بتحدي الغطرسة الصهيونية. الآن لا يتمكّن الجيش السوري من الردّ العسكري على الصهاينة بسبب انشغاله بجبهات مُتعدّدة، لكن هذا لن يستمر بعد أن تضع الحرب الداخلية أوزارها. الجيش الآن أكثر انضباطاً وأفضل تنظيماً وأرقى تسليحاً وقدراته على استعمال مختلف أنواع الأسلحة تطوّرت بشكل واسع، وطاقاته على إنتاج الصواريخ المُرعِبة للكيان أضحت مُتسلّحة بالكثير من المعرفة العلمية والتقنية. قدرة الجيش السوري على الهجوم تحسنّت بصورة كبيرة وذلك بسبب الخبرات القتالية التي اكتسبها، وهو سيصبح جيشاً هجومياً لا ينتظر بدء الصهاينة بالحرب.
والعامل الإيراني لن يكون بعيداً عن المشهد. جبهة الجولان ستكون فاعِلة بقيادة المقاومة، وستظهر مقاومة صلبة في المنطقة تشابه حزب الله، بل تسير على درب حزب الله في مختلف الخطوات الحربية والدفاعية. وإن ما يحاول الكيان الصهيوني تجنّبه الآن من خلال إقناع الروس والأميركان للتوصّل إلى اتفاقات تُبعِد الإيرانيين واللبنانيين عن جبهة الجولان لن يتحقّق. سيجد الكيان نفسه يواجه جبهة قتالية أوسع من تلك التي كانت عام 2006، وبقدرة تسليحية أفضل وبأعداد مقاتلين أكبر بكثير. من المُحتمل أن يتواجد عناصر مقاومة إيرانيون وفلسطينيون، ولن تكون الجبهة الجولانية حكراً على حزب الله وحده، وستكون هذه الجبهة مسنودة بالجيش السوري. ليس من المتوقّع أن ترسل إيران جيشاً إلى سوريا لأنه لا ضرورة لذلك، وإذا شعر الفلسطينيون والسوريون بالقوة فإنهم سيتمكّنون من تشكيل جيش يدعم حزب الله في أية حرب قادمة.
المصدر: الميادين
الكاتب: عبد الستار قاسم اكاديمي ومفكر فلسطيني