السيد السيستاني اليوم.. في عيون الغرب

الثلاثاء 4 يوليو 2017 - 09:55 بتوقيت غرينتش
السيد السيستاني اليوم.. في عيون الغرب

لعل اهم سؤال يطرحه الغرب اليوم في دوائره الخاصة هل ان السيستاني يمثل حالة واضحة المعالم في سلوكه السياسي ام هو حالة غامضة؟

تقترب من البرغماتية بشكل كبير يستغل الفرصة كلما سنحت اللحظات المناسبة ام هو لا هذا ولا ذاك بل هو رجل يمتلك جزء من الحكمة يسعفه الحظ في كثير من الأحيان؟

الجواب على هذا السؤال سيحدد كيفية التعامل مع هذه الشخصية المختلفة عن الحالة الإيرانية المعروفة وعن الحالات السابقة للمرجعيات الشيعية.

لا ينبغي الشك للحظة ان السيد السيستاني سيتحول من خطر تكتيكي الى خطر استراتيجي في حال نجح في إيجاد صبغة دائمة للدولة العراقية، فهو رسم اغلب التشكيل السياسي للدولة من دستور عراقي وتحريك جماهيري في بدايات العملية الإنتخابية التي طالب بها هو نفسه في البداية ليضع للعراقيين خارطة طريق.

نعم اخفق العراقيون واقصد الساسة منهم في استغلال اللحظة التاريخية مع هكذا رؤية ناضجة قد لا تتكرر لهم مرة ثانية، فليس الكل يملك تحقيق الإنجازات التي تم إيجادها في الواقع والتي اثرت على مجريات الأمور بالشكل التي اذا استمر السيستاني ينجزها فسوف يكون الخطر استراتيجي بل وفي اعلى مستوياته من حيث تضييق زوايا التحرك الغربي بصورة واضحة، يحاول الغرب اليوم مستميتا إيجاد اختراقات يستطيع من خلالها خلط الأوراق مما يتيح وبقوة ترتيبها بالشكل الذي يخدم المصالح الغربية.

والجواب عن السؤال ان السيستاني هو مجموعة من كل تلك الاحتمالات التي وقعت في السؤال فهو خليط منها جميعا، فهو واضح في سلوكه السياسي، فهو رجل يميل للسلم وعدم التصادم لأنه يجيد قراءة ميزان القوة ويعرف امكانياته جيدا فلا يتجاوزها.

وهذا الميل للسلم ينتمي لعالم القراءة الواسعة للحالة العالمية ومن هنا تأتي البرغماتية في طريقته العملية، فهي تستغل الموجود مما رسم من قوانين العالم وصادقت عليه منظماته الكبرى ليجعله في خدمة مشروعه السياسي وهو بهذا يتفوق على كبار زعماء العالم الإسلامي فلم يكن الغرب يتوقع من رجل دين ان تكون له هذه القدرة على الإستغلال الواضح للغة السياسة المعاصرة بعيدا عن الخطاب الحماسي الذي امتلأت منه ادبيات التيارات الإسلامية من خلال ممثليها او عبر أتباعهم، وهذا يجعل الموقف الغربي يعيش صعوبة الإتهام بالتخلف او الإرهاب وبالتالي محاصرة الشخصية عبر سيل من الحراك الإعلامي والإجتماعي وممارسة التسقيط الذي تجيده الماكينة الغربية بقوة.

نعم يوجد في الغرب من سيرحب بهذه الحالة وليس ذلك للإيمان الحقيقي بهذه المفاهيم الديمقراطية وتنفيذها في عالمنا العربي وان كنت لا أنكر وجود بعض الأصوات الصادقة ولكن العالم تحكمه المصالح القومية والأممية، فما نجده من وقوف بعض الدول ذات المصالح وتلميع هذا المنهج عبر التركيز على شخصية السيستاني هو للخلاف على مناطق النفوذ العالمي والذي بشكل واضح شارك السيستاني من الحد منها مما جعله في منطقة تقاطع مصالح، فوجوده من الأهمية بمكان لبعض القوى الإقليمية والعالمية الإ ان هذا لا يعجب بعض القوى العالمية والإقليمية من جهة اخرى، لكن يبقى الجميع يعيش شعورا من الإطمئنان اتجاه هذه الشخصية فهي ليست اندفاعية ولا يمثل الصورة الكلاسكية المعتادة للقيادات الدينية وهذا يتيح فرصة كبيرة للتفكير في كيفية الخروج من هذا الموقف المحرج الذي تمثل في ضياع الكثير مما رسم له. تبقى العقدة الحقيقة في سرعة استغلاله للفرص واجادة تدوير الزوايا مع الاحتفاظ بخطاب يغلّفه الإبهام حتى كأن كلامه يشبه تلك الشروط والقيود والفقرات المبهمة التي توضع في بعض الإتفاقيات الدولية مما يتيح التحرك عند الأحتياج اليها والتلاعب من خلالها، وهذه نقطة تحسب له وبجدارة ولا ينبغي الشك ان السيستاني محظوظ جدا، نعم اتباعه يسمونه توفيقا ولكننا نجد في احلك الأزمات ومع استخدام كافة الوسائل في دعم خصومه من خلال الدعم المالي الهائل والاعلامي الخرافي الإ ان الأحداث تتحرك في صالحه في بعض الأحيان وهذا حدث لكثير من سياسي العالم والقادة العسكريين عبر القرون القديمة والتاريخ المعاصر.

ان شخصيته تظهر الوضوح في خطوطها الكبرى مما يفرض حالة الاحترام لدى الأطراف الاخرى والتعامل البرغماتي مع غموض في زوايا الحركة ولو على مساحة ضيقة وعدم القدرة على التواصل معه باي شكل من أشكال التواصل الذي يسمح بالإختراق، ويحيط كل ذلك هالة دينية عالية الإشعاع يجعل الغرب يعيد حساباته جميعا ويرسم طريقا اخر للتعامل مع الوضع القائم.

كيف سيكون التعامل؟ هل سيعتمد لغة الاستنزاف ام تكوين حالة سياسية تفرض حالة جديدة في ظل اخفاق الساسة العراقيين الحاليين العاجزين عن مواكبة السيستاني في فكره وأسلوبه؟ هل هكذا في عهدة الأيام وهي من ستجيب؟

وهل سينجح السيستاني في قادم الأيام؟ وهل يخبىء مفاجات اكبر لهذا العالم من خلال القراءة لما انجزه السيد السيستاني؟ فإن القول بخلاف ذلك تعتبر مغامرة كبيرة ولهذا هو يحظى بهذا الكم من التقدير والإحترام وسوف يكون وراء داعش احداث واحداث سيكون وبلا شك للسيد السيستاني الكلمة الفصل والقرار الحاسم.

والحرب سجال ويسجل للسيد السيستاني إخلاصه للشعب العراقي اكثر من ساسته ورجال حكمه والغرب يعرف ذلك جيدا ويقدره للرجل كثيرا، وهو لا يناقش في هذا المستوى ولكنه يعمل جاهدا للعب على صغار الفكر والعمل ممن لايجيدون فن الإخلاص والعطاء.

وأختم مقالتي بإننا امام كنز كبير علينا ان نحافظ عليه جميعا، هذا الكنز المتمثل في السيد علي السيستاني هو أغلى ما لدينا اليوم في خضم الصراعات العالمية التي تسعى لتحقيق مصالحها بأي وسيلة كانت وعبر اي طريق كان.

مقال :سامي محمد