الجريمة ارتُكبت بحق اهالي كفريا والفوعة ، بعد ان اعطت الجماعات التكفيرية الامان لهم ، وكان من المفترض ان يتم نقل الاهالي الى حلب منذ صباح يوم الجمعة 14 نيسان / ابريل في اطار تطبيق اتفاق البلدات الاربع ، الا انه تم احتجازهم داخل الحافلات وفي ظروف صعبة لاكثر من 30 ساعة ، تعرضوا خلالها للاهانة والاساءة والتضييق من قبل المسلحين، وبدلا من ان يتم توزيع الماء والغذاء على الاهالي ، فجّر تكفيري انتحاري سيارة مفخخة بالحافلات ، فاستشهد 100 شخص وجُرح اكثر من 150 اخرين من اهالي كفريا الفوعة اغلبهم من الاطفال والنساء.
الفضائيات التي غطت اخبار المجزرة ، على شحتها ، اعتذرت لمشاهديها ، عن بث افلام وصور عن التفجير لبشاعته ، فقد تفحمت جثث الاطفال والنساء ، وبعضها تقطعت الى اشلاء ، فيما كانت الدماء والوجوم والصدمة والخوف تغطي وجوه من نجا منهم.
الملفت ان مسلحي بلدتي مضايا وبلقين وعوائلهم الذين كانوا تحت حماية الدولة السورية وفقا لاتفاق البلدات الاربع ، لم يتعرضوا لادنى تضييق حتى بعد التفجير الارهابي ، وتم نقلهم بسلام في 50 حافلة من الراموسة الى حي الراشدين ومن هناك الى ادلب.
رغم بشاعة جريمة التكفيريين ونكثهم بالعهود واستهتارهم بالمواثيق واستهزائهم بالنفس الانسانية ، الا ان الحكومة السورية لم تنجر الى اتخاذ مواقف قد تهدد ارواح الابرياء ، وتمسكت بالاتفاق ونفذته رغم غدر التكفيريين ، ونجحت في انقاذ ارواح من تبقى من اهالي كفريا والفوعة.
مجزرة الراشدين برهنت على جملة من القضايا حاول مشغلو الجماعات التكفيرية ، الدوليون والاقليميون ، التغطية عليها ولكن دون جدوى ، منها وجود ارهابيين جيدين وارهاربيين سيئين، فالمجزرة ارتكبتها جماعات تصنفها امريكا وتركيا والسعودية وقطر على انها جماعات “معتدلة” ، وفي مقدمتها “هيئة تحرير الشام” التي ينضوي تحت لوائها مجاميع تكفيرية في مقدمتها “جبهة النصرة – فتح الشام” ، فرع القاعدة في بلاد الشام.
الجريمة كشفت عن ان من الصعب اذا لم يكن من المستحيل الوثوق بالجماعات التكفيرية التي يحاول مشغلوها تسويقها على انها معارضة “معتدلة” يمكن للحكومة السورية ان تتفاوض معها ، بعد ان تبين عجز حتى مشغليها عن السيطرة عليها ، حيث ورطت هذه الجماعات الجهات الاقليمية والدولية التي تعهدت بضمان التزام الجماعات التكفيرية بتنفيذ اتفاق البلدات الاربع.
ان مجزرة الراشدين تعتبر “جريمة ابادة جماعية” بمعنى الكلمة ، وان القانون الدولي لا يعاقب الجهة المنفذة للجريمة فقط ، بل يحمل الجهات الاقليمية التي ضمنت التزام الجماعات التكفيرية بتطبيق اتفاق البلدات الاربع ، والتي اعطت الامان لاهالي كفريا والفوعة للخروج من مناطقهم ، بينما لم تتخذ تلك الجهات ما يلزم لمنع الاعتداء عليهم من قبل التكفيريين وهو تقصير واضح في الالتزام بما تعهدت به.
جريمة الراشدين رافقتها جريمة لا تقل بشاعة من الاولى ، وهي جريمة التعتيم الاعلامي على المجزرة ، من قبل الاعلام الخليجي والدولي ، الذي لم يكتف بالتعتيم على الجريمة فحسب بل حاول وبإستخفاف فظيع بعقول الناس ، الصاقها بالحكومة السورية ، الامر الذي يؤكد السقوط الاخلاقي المدوي لهذا الاعلام.
حتى ساعة كتابة هذه السطور يخيم صمت كصمت القبور على واشنطن وباريس ولندن وانقرة والرياض والدوحة ، فلم يسمع منها اي تنديد بالمجزرة ، او تهديد بمعاقبة منفذيها ، كما اقامت الدنيا ولم تقعدها عندما وقعت جريمة خان شيخون ، فكانت التصريحات تتوالى منددة ومتوعدة ، ودعت واشنطن ولندن وباريس الى عقد اجتماع طارىء لمجلس الامن ، وقصف الرئيس الامريكي دونالد ترامب سوريا ب59 صاروخ توماهوك دون ان تتضح الجهة التي كانت وراء الجريمة ، لان ترامب ، كما قال هو ، صاحب مشاعر جياشة وتأثر كثيرا بمشهد موت الاطفال في خان شيخون ، ولم يتمالك نفسه فاعطى اوامره على الفور بقصف سوريا.
بعض المحللين السياسيين يرون ان الجهة التي تقف وراء مجزرة الراشدين ، هي جهة ارادت الانتقام من مشغليها ، لانها لم تحصل على ما يكفي من اموال كما حصلت عليها جهات اخرى ، كثمن على قبولها بالاتفاق ، وهناك من يرى ان سبب الانتقام ليس ماديا ، بل ميدانيا ، فهذه الجهة ترى ان مشغليها طعنوها من الخلف عندما اتفقوا على اخراج اهالي بلدتي كفريا والفوعة ، لانها كانت تتخذ من اهالي البلدتين كرهائن تضغط من خلالهم على الجيش السوري لمنعه من تنفيذ هجمات على مواقع التكفيريين عبر قصف البلدتين المحاصرتين ، الا ان هناك من يرى ان السبب الاقوى الذي كان وراء مجزرة الراشدين هو “عقائدي” ، فهناك من التكفيريين الذين تم شحنهم خلال السنوات الماضية طائفيا ، لا يستطيعون تحمل رؤية خروج 5000 من اتباع اهل البيت عليهم السلام من بلدتي كفريا والفوعة ، لذلك اعتبروا اتفاق مشغليهم على اخراج اتباع اهل البيت عليهم السلام ، خيانة “للعقيدة” ، لذلك ارتكبوا جريمتهم النكراء لقتل اكبر عدد من اتباع اهل البيت عليهم السلام ، حتى لو كانوا من الاطفال والنساء والعجزة والمرضى والمصابين ، ولخلط الاوراق على مشغليهم ولافساد الاتفاق على من استلم مبالغ اكبر من المال ، لذا هناك من يعتقد ان الايام المقبلة ستشهد قتالا بين الجماعات التكفيرية على خلفية مجزرة الراشدين.
مقال : ماجد حاتمي