ومن نوافل القول والفصل إنّ مصلحة الدولة العبريّة إضعاف محور الممانعة، والتخلّص سياسيًا من أحد قادته، أيْ الرئيس الأسد، وهو الأمر الذي يبدو أنّ الإدارة الأمريكيّة الجديدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب، باتت تتبنّاه قولاً وفعلاً، علاوةً على أنّ عواصم الاعتدال العربيّ، لا تنفكُ عن المطالبة بإسقاط الرئيس الأسد وإبعاده نهائيًا عن سُدّة الحكم.
وفي هذا السياق لم يكُن مفاجئًا بالمرّة أنْ يُعلن مركز دراسات الأمن القوميّ الإسرائيليّ، التابع لجامعة تل أبيب بشكلٍ واضحٍ وصريحٍ وعلنيٍّ عن موقفه من الحلول المطروحة لسوريّة، والتوصية حولها، حيث أكّدت دراسة جديدة للمركز جاءت تحت عنوان: يجب أن يرحل الأسد، أشار فيها إلى أنّ إعادة تشكيل المنطقة التي بدأت قبل ست سنوات، ترتبط بمصالح إسرائيل الإستراتيجيّة التي ترى أنّ من مصلحتها منع تعزيز قوة الإيرانيين وحزب الله، في الشرق الأوسط الجديد. ولفتت الدراسة إلى أنّه بالميزان الاستراتيجي، يُعدّ رحيل الأسد مصلحة إسرائيلية، إذ إنّ تعزّز المحور الراديكاليّ الذي تقوده إيران ويمر عبر الأسد إلى حزب الله، هو التهديد الأكثر حضورًا على أمن إسرائيل.
وفصّلت الدراسة، في مقاربتها التي تعدّ استثنائية من جهة وضوحها ومباشرتها، الأسباب التي من شأنها أنْ تدفع تل أبيب، انطلاقًا من مصالحها الإستراتيجيّة، لمنح هدف إسقاط الأسد، الأهمية القصوى قياسًا بخيارات أخرى، ومن بينها خيار “داعش” وغيره. ولفتت الدراسة إلى أنّ البعض يقول إنّ تهديد داعش ليس أقل خطورةً، لكن ومن دون التقليل من خطورة داعش ، إلّا أنّ معالجة محور طهران – بغداد – دمشق – بيروت، يجب أن يحظى بالأولوية الإستراتيجيّة، ولسببٍ بسيطٍ: واقع تجند المجتمع الدولي لمواجهة داعش، بل وأيضًا التمكن من وقف تقدمه.
وشدّدّت الدراسة في هذا الإطار على أنّ معالجة “داعش”دون إسقاط نظام الأسد، يعني إبقاء إسرائيل وحدها بلا مساعدة في وجه محور طهران- الأسد- نصر الله، مع التشديد على أنّ خطر إيران وحلفائها على إسرائيل، يفوق خطر “داعش” بعشرات الأضعاف.
ودعت الدراسة صنّاع القرار في تل أبيب إلى وضع إستراتيجيّة عمل متعددة الطبقات، ضمن تحالف إقليميّ، حتى من دون أن يكون معلنًا، مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج الفارسي وتركيا والأردن ومصر، إضافةً إلى شراكة مع الولايات المتحدة، وأيضًا تفاهم سري مع روسيا، مع التأكيد على أنّ الدول السنية في الشرق الأوسط، تجمعها بإسرائيل مصالح متداخلة، في مواجهة المحور الراديكاليّ، على حدّ تعبير الدراسة.
انطلاقًا من ذلك، يحدّد المركز سبع نقاط من شأنها أنْ تُشكّل إستراتيجية شاملة، تؤدي كما يقول إلى إضعاف المحور الراديكالي، وإسقاط الأسد: أولاً، تشجيع الخطوات السياسية ضدّ نظام الأسد والمساعدة على تقديم مسؤوليه إلى المحاكم الدولية بشأن دورهم في الحرب، ويمكن لإسرائيل أنْ تساهم في ذلك عبر توفير معطيات ذات صلة. ثانيًا، الدخول في حوار مع الولايات المتحدة بشأن استهداف الركائز الأساسية لنظام الأسد في سوريّة، البنية التحتية والقدرات الرئيسية. ثالثًا، من المهم أنْ تبدو إسرائيل أنّ لديها مبادئ أخلاقية، وتقدم على أعمال عسكرية محدودة، تعمد إلى تدمير المروحيات التي تلقي بالبراميل المتفجرة، إجراء كهذا سيؤدي إلى إرسال رسالة جيدة، كما يمكن تنفيذ هذا العمل العسكري من دون الدخول في معركة جوية على نطاق واسع. رابعًا، مواجهة تهديد “داعش” في منطقة جنوب الجولان، مثل “شهداء اليرموك”، وهكذا بإمكان إسرائيل أنْ تثبت أنّه يمكن محاربة الأسد في موازاة محاربة “داعش”. خامسًا، العمل على تحقيق استقرارٍ إنسانيٍّ في جنوب سوريّة على طوًا بالخطوات المشار إليها أعلاه، من خلال التأكيد على حفظ المصالح الإستراتيجية لروسيا في الشمال السوريّ، وسابعًا، تشجيع الخطوات العربيّة ضدّ حزب الله وإيران، وتقديم الدعم لها، حيث يمكن ذلك.
وشدّدّت الدراسة في الخلاصة على أنّه ولّى الزمن الذي كان يُمكن لإسرائيل مراقبة ما يحدث في سوريّة، وأنْ تتمنى النجاح للمتحاربين، إذ يجب عليها الآن ألّا تضيع فرصة إضعاف أعدائها الأكثر مرارة. أمّا التبصرة الختامية لرؤية الدراسة الإستراتيجيّة، فتؤكّد على ضرورة أنْ يعرف العالم أنّ إسرائيل كانت إلى جانب وإلى يمين السُنّة، لدى إزالة وإسقاط الأسد، على حدّ وصفها.
المصدر: رأي اليوم