فكلما يأتي عاشوراء أشاهد القنوات التي تروي فاجعة كربلاء وتحلّلها لعلّي أجد ضالتي فيمن يجيد الحديث عن زينب(ع) بما تستحق ولو بالشيء القليل لكني أصدم كالعادة وأبكي بدموع مريرة لهول ذكرى كربلاء وأتصور الموقف الذي كانت فيه، ولطريقة طرح وعرض شخصيتها من بعض خطباء المنابر الحسينية الذين أطالب الحوزة الدينية بأن تتحمل مسئولياتها تجاههم لتبعد من يعيش على الدين لا في الدين، فبعضهم يسيء إلى هذا الجبل الأشم إلى هذه المرأة التي لا نظير لها إلا أمها الزهراء(ع)، وأتمزق ألما حينما يظهرون زينب(ع) المرأة التي كان دورها في كربلاء النوح ولطم الخدود والبكاء مع الأطفال.
ويحَكم إنها زينب عقيلة الطالبيين بطلة كربلاء ووزيرة إعلام الحسين(ع) والنصف الثاني من ثورته، إي امرأة في هذا الكون لها أخ مثل الحسين(ع) يقتل وتجلس عند نحره، أبيَّة، قوية شامخة، مؤمنة بقضاء الله جل وعلى لتقول له وهي واضعة يدها تحت نحره الذي لا رأس فيه وتقول (اللهم تقبل منا هذا القربان).
ويحَكم إنها عليها السلام التي قدمت بين يدي أخيها أفلاذ كبدها أولئك الفتية الذين سهرت السيدة زينب لياليها، وأتبعت أيامها، وصرفت حياتها في تربية تلك البراعم، حتى نمت أورقها. إنها قدمت أغلى شيء في حياتها في سبيل نصرة أخيها الإمام الحسين عليه السلام ومن أجل رفعة الدين وكرامة الإنسان وتقدم أولئك الأشبال يتطوعون ويتبرعون بدمائهم وحياتهم في سبيل نصرة خالهم الذي كان الإسلام متجسداً فيه وقائماً به. انقلبت غريزة حب الحياة عندهم إلى كراهية تلك الحياة. ومن يرغب ليعيش في أرجس مجتمع متكالب، يتسابق على إراقة دماء أطهر إنسان يعتبر مفخرة أهل السماء والأرض؟!
ويحَكم إنها زينب التي وقفت بوجه ابن زياد الذي لاذت لحى الرجال وشواربهم خلف ظهور نسائهم خوفاً منه لتلقي خطبتها وسط جموع الجيش المدجج، وقالت فيها ما يعجز عن قوله جموع الرجال وقبائلهم ووصفت أهل الكوفة بما يستحقون وألقمت ابن زياد حجراً ولم يستطع أن يقف في وجه فصاحتها وقوتها وصمودها وكأنها هي صاحبة السطوة والنصر والقوة إذ قالت له فيما قالت (( ... ما رأيت في صنع الله بأهلي إلا جميلاً، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجون إليه وتختصمون عنده فانظر لمن الفلج يومئذ، ثكلتك أمك يابن مرجانة!!)).
ويحكم إنها زينب(ع) التي كانت الأب والأم والحامي لسبايا الحسين(ع) وأصحابه وآل أبي طالب أطفال ونساءً، كانت تتلقى السياط بجسدها حماية لهم لتقول للظالمين أنا بنت علي والزهراء(ع) وأخت الحسنين(ع) الذي لا أرى الموت إلا سعادة وما الحياة مع الظالمين إلّا برما.
إنها زينب(ع) التي وقفت بوجه يزيد في الشام ـ في ذروة الفصاحة وقمة البلاغة وآيةً في قوة البيان ومعجزة في قوة القلب والأعصاب وعدم الوهن والانكسار أمام طاغية بني أمية ومن كان يحيط به من الحرس المسلحين والجلاوزة والجلادين الذين كانوا على أهبة الاستعداد ينتظرون الأوامر كي ينفذوها بأسرع ما يمكن، لم ترهبها العدة والعدد وخذلان الناصر لتقول له: ((وسيعلم من بوأك ومكّنك من رقاب المسلمين أن «بئس للظالمين بدلاً وأيكم شر مكاناً وأضل سبيلا. وما استصغاري قدرك ولا استعظامي تقريعك توهماً لانتجاع الخطاب فيك، كد كيدك وأسع سعيك فوالله لن تمحو ذكرنا...))
أي بطولة هذه سيدتي زينب وأي إباء وشمم، من يجرأ أن يقف هذا الموقف من النساء غير زينب، سيدتي زينب عذراً إليك ظُلمتي حيةً شجاعة وشهيدةً خالدةً مجاهدة.
أهناك رمزاً مثلك لنساء الدنيا إذا كان الحسين رمزاً للأحرار من الرجال فأنت رمزاً لكل حرة في التاريخ حاضره وماضيه أنت لست دمعة فقط أنت سيرة رائعة وطريق للفضيلة وأم من طراز خاص وأخت لا حدّ لوفائها وزوجة عظيمة.
علّمتي نساء الكون كيف تكون المرأة قوية صابرة وكيف يمكن أن تخلد وكيف تقاوم الظلمة والجبارين والمتسلطين وكيف تقوم بما يعجز عنه الرجال فكنت خالدةً بشكل غريب تعلو قبتك المذهبة في قلب سلطان يزيد الذي لا قبر ولا ذكر له في بيت ملكه، بينما أنت أصبحت كأخيك الحسين(ع) كعبة للزوار من الأحرار ورمزاً أبدياً للمجد والعلياء والفخر والإباء.
عقمت الحروف أن تنجب كلمة وصف ترقى لوصفك سيدتي، وصدق من قال: لو كانت زينب وقت الكساء حاضرة لأصبحت من أهله.
عذراً لك مولاتي وسيدتي عمن ظلموك بجهل وأبرأ الى الله من الذين ظلموك بكربلاء فسلام عليك سيدتي يوم ولدت ويوم متي ويم تبعثين حية.
هيفاء الحسيني