الاشوريون

الأحد 16 إبريل 2017 - 10:55 بتوقيت غرينتش

الآشوريون/ السريان/الكلدان هي مجموعة عرقية دينية [27] ساميّة [27] مسيحية [28] تسكن في شمال ما بين النهرين في العراق وسوريا وتركيا وبأعداد أقل في إيران، كما توجد أعداد أخرى في المهجر في الولايات المتحدة ودول أوروبا وخاصة بالسويد وألمانيا. ينتمي أفراد هذه المجموعة العرقية إلى كنائس مسيحية سريانية متعددة ككنيسة السريان الأرثوذكس والكاثوليك والكنيسة الكلدانية وكنيسة المشرق. كما يتميزون بلغتهم الأم السريانية وهي لغة سامية شمالية شرقية نشأت كإحدى لهجات الآرامية في مدينة الرها.

يعتقد الآشوريون/الكلدان/السريان بانحدارهم من عدة حضارات قديمة في الشرق الأوسط أهمها الآشورية والآرامية. كما يعتبرون من أقدم الشعوب التي اعتنقت المسيحية وذلك ابتداءً من القرن الأول الميلادي، فساهموا في تطور هذه الديانة لاهوتيا ونشرها في مناطق آسيا الوسطى والهند والصين. وعملت الانقسامات الكنسية التي حلت بهم على انفصالهم إلى شرقيين (آشوريون وكلدان) وغربيين (سريان) كما حدثت اختلافات لغوية بين السريانية الخاصة بالمشاركة وتلك الغربية. كما ساهموا في ازدهار الحضارة العربية الإسلامية في بلاد المشرق وخاصة في عهد الدولة الأموية والعباسية.

غير أن المجازر التي حلت بهم ابتداءً بتيمورلنك في القرن الرابع عشر مرورا ببدر خان بداية القرن التاسع عشر أدت إلى تناقص أعدادهم كما تقلص عددهم بأكثر من النصف بسبب المذابح الآشورية عشية الحرب العالمية الأولى. وشهد النصف الثاني من القرن العشرين هجرة العديد منهم إلى دول أوروبا وأمريكا، كما أدت حرب الخليج الثالثة والانفلات الأمني الذي تبعها إلى تقلص أعدادهم بشكل كبير في العراق بعد نزوح مئات الآلاف منهم إلى دول الجوار وخاصة سوريا.

التاريخ

الاستمرارية الآشورية

هناك اتجاه عام لدى الباحثين لاعتبار أن الآشوريين الحاليين انحدروا أصلا من الآشوريين الذين كونوا الإمبراطورية الآشورية، فهنري ساغس أحد أهم علماء الآشوريات ذكر أن:[29]

«سقوط الإمبراطورية الآشورية لم يعن نهاية شعبها... عمل هؤلاء في الزراعة وأصبحوا مسيحيين بعد سبع أو ثمان قرون»

كما يوضح سيمو بربولا أن اكتشاف رقم آرامية تحتوي على أسماء آشورية في منطقة الخابور بسوريا بعد سقوط نينوى بقرون يؤكد وجود قرى آشورية بتلك المنطقة.[30] كما دعم هذا الرأي كل من عالم الإيرانيات ريتشارد فراي وعالما آثار القرن التاسع عشر أوستن لايارد وهرمز رسام، بينما يقبل عالم الآشوريات روبرت بيغس هذه الفرضية بحذر[31] ويرفضها باحث تاريخ الشرق الأدنى روبرت بيكر.[32]

الإمبراطو

وعموما فبحسب رأي أغلب الباحثين فإن الآشوريين القدماء أقوام سامية عاشت في أعالي بلاد ما بين النهرين. ويعود تاريخ إنشاء أقدم مستوطنة في المنطقة إلى 6,000 ق.م. في تل حسونة مسافة 35 كم جنوب الموصل. كما سيطرت على هذه المنطقة السومريون والأكديون والميتانيون. ويعود أقدم ذكر لملك آشوري إلى القرن 23 قبل الميلاد وبرزت الإمبراطورية كقوة إقليمية في عهد شمشي أدد الأول.[33]

لا يعرف بالتحديد أصل الآراميون، حيث ظهروا كأقوام بدوية أو شبه بدوية في مناطق بادية الشام مرورا بجبال لبنان والجزيرة السورية. وجاء أول ذكر لهم جاء في وثائق آشورية في عهد الملك الآشوري تغلاث فلاسر الأول حوالي 1,100 فذكروا تحت مسمى أحلامي آرامايي أي "آراميي أحلامو" [34] وقد تمكن هؤلاء من التغلغل إلى إلى الدولة الآشورية كما استطاعوا السيطرة على عرش بابل وعلى المدن الحيثية الهامة شمالي سوريا ك-"يعديا سمعل" و"حماث" (حماة) وكونوا عدة ممالك كما في آرام دمشق وأرباد وآرام نهرين. غير أن الآشوريين سرعان ما اجتاحوا أراضيهم. وقاموا بسبيهم باعداد كبيرة.[34]

أدى احتلال الآشورين لدول مدائن الآرامية في سوريا وتحويل عدد من سكانها إلى أعالي بلاد الرافدين إلى تزاوج هؤلاء مع سكانها الآشوريين وأصبحت الآرامية بحلول القرن الثامن ق.م. هي اللغة الرئيسية في الإمبراطورية. بدأت هذه الإمبراطورية بالانحلال في القرن السابع ق.م. فتمكن الميديون والبابليون من إسقاط نينوى سنة 612 ق.م. ومن ثم آخر معاقل الآشوريين بحاران سنة 609 ق.م.[33]

بين سقوط نينوى وظهور المسيحية

أصبحت معظم أجزاء الإمبراطورية الآشورية جزءاً من الإمبراطورية البابلية الثانية خلال فترة حكم نبوخذنصر، غير أن الأخمينيون سرعان ما أسقطوها وكونوا إمبراطورية بقيادة قورش الكبير امتدت من الهند إلى صحراء ليبيا شرقاً. وخلال تلك الفترة أصبحت آشور (آثورا "ܐܬܘܪܐ" بالفارسية القديمة) إحدى الساترابات الأخمينية، وشملت معظم أجزاء وسط وشمال العراق والجزء الشرقي من سوريا.[35] واحتلت أهمية خاصة، فأصبحت إحدى أكثر الولايات البارثية ازدهاراً،[36] كما أصبحت آراميتها اللغة الرسمية للإمبراطورية، فعرفت اللغة الآرامية بتلك الفترة بـ"الآرامية الإمبراطورية".[37] وبالرغم من قيام الآشوريون بثورة للحصول على استقلالهم سنة 520[38] إلا أن هذه الفترة شهدت بشكل عام نمواً اقتصادياً وأدبياً.

أصبحت مدن آثورا مسرحاً للمعارك بين المقدونيون بقيادة الإسكندر المقدوني والأخمينيون بمنتصف القرن الرابع قبل الميلاد، فوقعت فيها معركة غوغميلا سنة 331 ق.م. وبالتحديد في السهل الواقع بين أربيل والموصل، وانتهت هذه المعارك بانتصار ساحق للمقدونيين وسيطرتهم على المنطقة. وبعد وفاة الإسكندر تنازع عليها خلفائه سلوقس الأول وأنتيغونوس الأول مونوفثالموس، فتمكن سلوقس بالنهاية من ضمها إلى الإمبراطورية السلوقية. استمرت هيمنة الحضارة الهيلينية على المنطقة حتى نهاية القرن الثالث قبل الميلاد، عندما ظهرت الإمبراطورية البارثية، فشكّل البارثيون ساتراب آشورستان وعاصمتها مدينة أربيل،[39] وضٌمت بابل لاحقاً إلى هذا الساتراب وأصبحت قطيسفون عاصمة لآشورستان وللإمبراطورية البارثية على حد سواء.[40]

ظهور المسيحية السريانية

الإمبراطورية السلوقية إلى سيطرة الإمبراطورية الرومانية على المناطق الواقعة شرقي الفرات بينما سيطر البارثيون على المناطق الواقعة غرب الفرات فتشكلت في المناطق الحدودية عدة ممالك سريانية وعربية شبه مستقلة تابعة لهاتين الإمبراطوريتين مثل حدياب والرها وتدمر والحضر. واعتنق أهل هذه الممالك ديانات تأثرت بديانات وادي الرافدين والفرس، كما تغلغلت اليهودية إلى حدياب فاعتنق ملكها إيزاط وزوجته هيلينا الديانة اليهودية في أوائل القرن الأول،[41] غير أن الحدث ذو التأثير الأعمق كان دخول المسيحية إلى الرها الذي يذكر التقليد السرياني أن الملك أبجر الخامس راسل يسوع لكي يزور مملكته ويشفيه غير أن الأخير رد بإرسال أحد تلاميذه الإثنان والسبعون فانتشرت المسيحية فيها. وبغض النظر عن صحة هذه الرواية فقد أصبح للمسيحية وجود ملموس في كل من حدياب والرها بنهاية القرن الأول، فأصبح مار أداي أسقفا على الرها بحلول عام 100 ورسم بقيذا نفسه أسقفا على حدياب سنة 104.[42] وخلال القرنين الثاني والثالث نشأت بالإضافة إلى المسيحية عدة ديانات غنوصية في تلك الأنحاء كالمانوية ومنها انتشرت إلى فارس ووسط آسيا.[43]

بلغت المسيحية السريانية عصرها الذهبي في القرن الرابع والخامس بظهور ملافنة مثل أفرام السرياني ونرساي وغيرهم، واعتبرت المدارس السريانية في الرها ونصيبين من أهم المراكز التعليمية في تلك الفترة، حتى توصف مدرسة نصيبين أحيانا بأنها أقدم جامعة في التاريخ.[44][45][46] كما تمت ترجمة الإنجيل والتناخ إلى السريانية بالنسخة المعروفة بالبشيطتا والتي تعد من أقدم النسخ المحفوظة للإنجيل، وكتبت العديد من التفاسير وكتب الألحان مثل بيث غازو (ܒܝܬ ܓܙܐ بيث گازو) والذي لا يزال يستعمل حتى اليوم في الكنائس السريانية الغربية.[47]

أدت خلافات بين كيرلس الأول بطريرك الإسكندرية ونسطور بطريرك القسطنطينية إلى حرمان الأخير كنسيا في مجمع أفسس الأول سنة 431 وتم اعتبار تعاليمه هرطقة فانقسم السريان بين مذهبي كيرلس ونسطور،[48] وأدى دعم البيزنطيين لكيرلس واضطهادهم للنساطرة إلى هجرة هؤلاء إلى الإمبراطورية الساسانية وخصوصا إلى أربيل وقطسيفون كما قام الساسانيون بدورهم باضطهاد الموالين للبيزنطيين فانتقلوا إلى غرب الفرات، فانقسم السريان منذ ذلك الحين إلى مشارقة "نساطرة" (نسبة إلى نسطور)، ومغاربة "يعاقبة" (نسبة إلى يعقوب البرادعي)[49] كما أدت الخلافات اللاحقة في مجمع خلقيدونية إلى انشقاق الكنائس الأرثوذكسية المشرقية عن الكنائس الغربية (الأرثوذكسية الشرقية والكاثوليكية لاحقا) وسمي السريان الذين تبعوا الإمبراطور البيزنطي وانشقوا عن الكنيسة السريانية بالملكيين نسبة إلى كلمة "ܡܠܟܝܐ" ملكايا بالسريانية والتي تعني "أتباع الملك"، ومنهم الروم الأرثوذكس والكاثوليك الذين اندمجوا بالثقافة اليونانية وأصبحوا لاحقا يعرفون بالروم الأورثوذكس.[50]

الخلافة الإسلامية

شهدت المنطقة خلال القرن السابع عدة أحداث ساهمت في تغيير الواقع السياسي بشكل كبير، فبعد الحرب الساسانية-البيزنطية التي استمرت أكثر من ربع قرن بدأت الجيوش الإسلامية تحت قيادة الخلفاء الراشدون باجتياح بلاد الشام والعراق التي أصبحتا تحت حكمهم بحلول سنة 640.[51][52] وقد رحب الآشوريون السريان بقدوم المسلمين الذين لم يحدوا من حريتهم الدينية كما فعل البيزنطيون الساسانيون بشكل عام، كما كان للتقارب اللغوي بين العربية والسريانية سببا آخر لتقارب الشعبين. وفرضت على مسيحيي الخلافة الإسلامية ضريبتا الجزية والخراج وأعفوا من الالتحاق بالجيوش الإسلامية، غير أنهم منعوا من نشر المسيحية داخل أراضي الدول الإسلامية.[53] اتسمت هذه الفترة عموما بالتسامح الديني ما خلا فترات حكم بعض الخلفاء مثل عمر بن عبد العزيز الذي فرض ضرائب طائلة على المسيحيين وسن عليهم قيودا في الملبس والتنقل.[54]

قام بعض الرهبان النساطرة بالسفر إلى أواسط آسيا والصين لنشر المسيحية فيها بسبب القيود التي فرضت على نشر المسيحية بين المسلمين في المشرق، فازدهرت كنيسة المشرق في تلك البقاع واعتنقت أعداد كبيرة من الترك والهنود والصينيين وخصوصا المنغول الديانة المسيحية وأصبحت كنيسة المشرق إحدى أكثر الفروع المسيحية انتشارا. كما نشط السريان في الترجمة من اليونانية إلى السريانية ومن ثم للعربية وخاصة في عهد الدولة العباسية حيث كان معظم المترجمين في بيت الحكمة من اليعاقبة والنساطرة وقد برزوا أيضا بالطب والعلوم والرياضيات والفيزياء فاعتمد عليهم الخلفاء،[55] ومن أبرز العلماء والأطباء في تلك الفترة أسرة بختيشوع الذين خدموا كأطباء للخلفاء العباسيين، ويوحنا بن ماسويه مدير مشفى دمشق خلال خلافة هارون الرشيد، وحنين بن إسحاق المسؤول عن بيت الحكمة وديوان الترجمة وابنه إسحاق بن حنين، وحبيش بن الأعسم وغيرهم.

وأصبحت بغداد عند إنشأها مركزا لكنيسة المشرق وكان بطاركتها غالبا ما ينادمون الخلفاء العباسيون.[56][57] غير أن فترة الازدهار هذه بدأت بالانحسار بوهن الدولة العباسية وانتهت بسقوط بغداد سنة 1258 وسيطرة القبائل المنغولية والتركية على المنطقة.[58]

الدولة العثمانية

بعد سقوط الدولة العباسية سيطر المنغول على المنطقة وكان حكام الخانات على العموم متسامحين مع المسيحيين وذلك لكون زوجاتهم مسيحيات. غير أن الوضع اختلف بمجيء تيمور لنك، حيث قام الأخير بعدة حملات استهدفت المسيحيين في بلاد فارس وبلاد ووسط العراق فقتل العديدون واعتنق آخرون الإسلام ما أدى إلى انقراض المسيحية السريانية في تلك المناطق، وانتقلت أعداد أخرى منهم من المراكز الحضرية إلى البلدات والقرى النائية في سهل نينوى وجبال أورميا وحكاري وطور عابدين.[59] كما أدت سيطرة قبائل تركية كالخروف الأسود والخروف الأبيض على شمالي بلاد الرافدين وإقامة عدة إمارات بالموصل وماردين إلى تأخر تلك المناطق وانعدام الأمن بها.[60]

وبحلول القرن السادس عشر أتم العثمانيون سيطرتهم على المنطقة وبالرغم من عدم الأعتراف بكنيسة المشرق والكنيسة السريانية الأرثوذكسية كملل رسمية إلا أنهم غالبا ما مثلوا في الباب العالي عن طريق الأرمن الذين حازوا على هذا الحق.[59] واستمر هذا الوضع حتى أواخر القرن التاسع عشر عندما تم الاعتراف بكل من الكنيسة الكلدانية والسريان الأرثوذكس كملل رسمية.

أدت الخلافات على وراثة كرسي بطركية كنيسة المشرق إلى انفصال الراهب يوحنا سولاقا من كنيسة المشرق سنة 1552 بدعم من اتصالاته بالكاثوليك البرتغاليين في الهند وتبعه عدد كبير من الرهبان فكون كنيسة جديدة أطلق عليها بابا روما تسمية الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية لتفريقها من كنيسة المشرق.[59][61] أدى هذا الانقسام إلى انتشار المذهب الكلداني بين سكان المدن في الموصل وسعرت وآمد وسبسطية وغيرها، بينما اقتصر وجود كنيسة المشرق على المناطق الجبلية في حكاري وأورميا وارتبط لقب البطريركية فيها بعائلة شيمون منذ القرن الثامن عشر وحتى أنتخاب مار دنخا الرابع خنانيا سنة 1976.[62] كما أدى نشاط اليسوعيون بين السريان الغربيين إلى تحويل عدد منهم إلى الكاثوليكية خلال القرن الثامن عشر فانشقت بذلك الكنيسة السريانية الكاثوليكية عن الكنيسة السريانية الأرثوذكسية وأصبح ميخائيل الثالث جروة أول بطريرك لها سنة 1783 وانتقل إلى لبنان حيث أسس دير الشرفة الذي أصبح مركزا له.[63]

تمتع آشوريو المناطق الجبلية في حكاري بجنوب شرق تركيا حاليا بحكم شبه مستقل بقيادة بطاركتهم المنحدرين من عائلة شمعون. وغالبا ما تبعوا اسميا الإمارات الكردية أو الدولة العثمانية. غير أن الكلدان والسريان الذين قطنوا سهل نينوى وطور عبدي كانوا عرضة لهجمات عديدة من قبل الأمراء الأكراد. ولعل أخطر تلك الهجمات حدثت عند انشغال العثمانيين بمحاربة محمد علي في سوريا فقام أمير سوران محمد الراوندوزي بمهاجمة ولاية الموصل فلم يستطع واليها مقارعته فتمكن من ضم عقرة والعمادية إلى إمارته وقتل سكانها المسيحيين، كما هاجم قرى شمال سهل نينوى كألقوش وتلكيف وتللسقف وغيرها سنة 1828.[64][65] وبعد أن قضى على إمارة اليزيديين في سنجار هاجم قرى طور عابدين سنة 1834 ودمر العديد منها،[66] غير أن العثمانيون سرعان ما اسقطوا هذه الإمارة بعد أن بدأت تهدد المدن الكبرى كالموصل وحلب. كما تكرر الأمر سنة 1843 عندما هاجم بدر خان أمير بهدان قرى الآشوريين في حكاري وبرواري بعد أن رفضوا دعمه في الهجوم على العمادية وقام بمذابح ذهب ضحيتها عشرات الآلاف ولم تتدخل الدولة العثمانية إلا بعد إلحاح من بريطانيا وفرنسا.[67]

التاريخ الحديث

بحلول أواخر القرن التاسع عشر انفصلت معظم المناطق التابعة للعثمانيين في أوروبا وبدأت المشاعر القومية بالتغلغل بين أبناء القوميات الأخرى كالعرب والأرمن والآشوريين/السريان/الكلدان فحاول العثمانيون أتباع سياسة التتريك كرد فعل وعومل مواطنوها المسيحيون خاصة بريبة على أساس قربهم الديني من أوروبا،[68] فحدثت عدة مجازر استهدفت المسيحيين في الفترة 1894-1896 عرفت بالمجازر الحميدية،[69] تركت أثرها على السريان خلال مجازر ديار بكر في تلك الولاية التي شكلوا معظم مسيحييها.

سيفو وسميل

بقيام الحرب العالمية الأولى وتحالف بعض الأرمن مع الروس ضد الدولة العثمانية قرر قادتها تغيير ديمغرافية شرق الأناضول بترحيل وقتل سكانها المسيحيون.[69] وابتداءً من ربيع 1915 هوجمت قرى حكاري من قبل العشائر الكردية المتحالفة مع العثمانيين فقتل الآلاف ونزح الباقون إلى أورميا الواقعة تحت النفوذ الروسي حينها، كما قام العثمانيون بمهاجمة قرى ومدن ولاية ديار بكر وخاصة سعرت وآمد فقتل معظم السريان والكلدان بها.[70][71] وفي خريف 1915 تمت مهاجمة قرى طور عابدين وقتل وتهجير السريان بها.[72] وبعد قيام الثورة البلشفية وانسحاب روسيا من الحرب هاجم العثمانيون والأكراد قرى أورميا في إيران حاليا فنزح آشورييها إلى العراق وقتل من قرر البقاء فيها.[73]

بنهاية الحرب العالمية الأولى أضحى معظم الآشوريين والكلدان نازحين بالعراق بينما نزح ما تبقى من السريان إلى سوريا ولبنان. وخلال العشرينات التحق العديد من آشوريي حكاري بالواء العسكري الذي أنشأه البريطانيون في العراق، وكثرت المشاحنات بينهم وبين الجيش العراقي المنشأ حديثا والذي أعتمد على ضباط خدموا في الجيش العثماني ما أدى إلى أنعدام الثقة بين الطرفين. وبعد استقلال العراق سنة 1933 سرت إشاعات أن الآشوريين الذين استوطنوا في السهل الواقع بين دهوك وسهل نينوى يسعون للانفصال من العراق فنفي بطريرك كنيسة المشرق الآشورية إلى قبرص وقام بكر صدقي أحد الضباط بالجيش العراقي بالتعاون مع عشائر كردية بالهجوم على تلك المناطق وتدمير القرى الآشورية فيها وكان أهمها في 7 آب 1933 عندما هوجمت بلدة سميل وقتل حوالي 3,000 من سكانها في الحدث الذي عرف بمجزرة سميل.[74] أدت هذه المجازة إلى نزوح ثلث سكان سهل نينوى الآشوريين إلى شمال غرب سوريا حيث أسسوا 35 قرية على ضفاف نهر الخابور قرب الحدود مع تركيا.[75]

بعد الحرب العالمية الثانية

بعد استقلال كلا من سوريا والعراق أصبح الآشوريين/الكلدان/السريان إحدى الأقليات الدينية الهامة فيهما. وقد سكن معظمهم في المناطق الريفية حتى الستينات عندما بدأوا بالهجرة إلى المدن بحثا عن العمل، كما هاجر في نفس الوقت العديد منهم إلى الولايات المتحدة ولاحقا دول أوروبا الغربية. وبحلول الستينات تمكن حزب البعث العربي الاشتراكي من فرض سيطرة كاملة على مقاليد الحكم في هاتين الدولتين ما أدى إلى التشديد على مواطني تلك الدول غير العرب، وبالرغم من إعلان آذار 1972 في العراق والذي نص على حرية نشر مطبوعات باللغة السريانية وتعليمها في المدارس الحكومية إلا أن هذا القرار لم ينفذ فعليا.[76] بالرغم من عدم الاعتراف بالوجود القومي بالآشوريين/السريان ومحاولة فرض القومية العربية عليهم إلا أنهم غالبا ما تمتعوا بحقوق دينية واسعة في ظل حكومتي صدام حسين في العراق وحافظ الأسد في سوريا.

أدت الحرب العراقية الإيرانية وحرب الخليج الثانية إلى تسارع وتيرة هجرة المسيحيين من العراق كما أدت حرب العراق سنة 2003 وما تبعه من انفلات أمني وهجمات استهدفت دور عبادة مسيحية إلى تناقص أعداد الآشوريين/الكلدان بشكل كبير حيث نزح معظمهم إلى سوريا بالإضافة إلى دول أخرى.[76]

الهوية

التسمية

أدت الخلافات والانقسامات الكنسية والتباعد الجغرافي النسبي بين أتباع هذه الاثنية إلى نشوء عدة تسميات لهم. ولعل أهمها:

الآشوريون

بالسريانية: ܣܘܪܝܝܐ آشورايي؛ وهذه التسمية مأخوذة مباشرةً من الآشوريون القدماء الذين عاشوا شمال ما بين النهرين وأسسوا الإمبراطورية الآشورية. وبحسب التوراة فقد كان آشور أحد أبناء سام الذي استقر شمال ما بين النهرين.[77] ويرى الباحثون أن أصل الكلمة يعود إلى تسمية الإله آشور الذي كان يعبد في المدينة المعروفة بنفس الاسم منذ أواخر الألف الثالث قبل الميلاد.[78] وبالرغم من وجود بعض الباحثين المعارضين لفكرة أن الآشوريون الحاليون هم أحفاد الآشوريين القدماء،[79] إلا أن أغلبهم يسلمون بهذه الفرضية.[31][80][81][82] كما يسمي بعض الاشورين نفسهم ب"الآثوريين" (بالسريانية: ܣܘܪܝܝܐ آثورايي) وهي مأخوذة من "آثورا"، الاسم الذي اطلقه الأخمينيون (539 ق.م. - 330 ق.م.) على ساتراب آشور بمنطقة شملت شمال العراق ومنطقة الجزيرة بسوريا وتركيا.[83] كما ورد ذكر الآثوريين في عدة كتب ومخطوطات عربية وإسلامية، حيث اقترنت حينئذ بطائفة النساطرة.[84]

يتبنى هذه التسمية تقليدياً المنتمون لكنيسة المشرق وكنيسة المشرق القديمة والكنيسة الكلدانية الكاثوليكية[85]. كما يتم تبني هذه التسمية كذلك من قبل بعض المنتمين لكنائس سريانية أخرى.

السريان

بالسريانية: ܣܘܪܝܝܐ سُريويي وتلفظ أحيانا سورايي (ܣܘܪܝܐ) بالسريانية الشرقية. وهناك خلاف بين الباحثين حول أصل تسمية سريان (التي اشتقت منها كلمة سوريا) فمعظمهم يعتقد بأنها أصلاً تحريف يوناني للفظة آشور باليونانية (Ασσυρία أسيريا) لتصبح "Συρία سيريا" بعد حذف الألف في بداية الكلمة.[86][87][88]. هناك فرضية أخرى مفادها أن أصل الكلمة يأتي من اللفظة الحورية صور أو صبر وهي تحريف للفظة سوبارتو الأكدية.[89]

وقد انتشرت تسمية السريان بين المتحدثين بالآرامية الذين اعتنقوا المسيحية في القرون الأولى وتبنوا لهجة مملكة الرها كلغة طقسية لهم.[90] وتستخدم هذه التسمية حالياً بشكل خاص بين أبناء الكنيسة السريانية الأرثذوكسية والكاثوليكية وبعض الموارنة.

الكلدان

بالسريانية: ܣܘܪܝܝܐ كلدايي؛ ويعود أصل التسمية إلى كلمة "كسدوم" الأكادية بمعنى "يسرق" أو "يقبض" حيث أطلقت هذه التسمية على أقوام سامية بدوية قام الآشوريون بسبيهم إلى بابل وازدهروا فيها، فتحولت تسميتهم بمرور الوقت إلى "كلدو".[91] والكلدان الحاليون هم أصلا أتباع كنيسة المشرق الذين انشقوا عنها في القرن السادس عشر على أثر نشوب خلاف على كرسي البطريركية بين أساقفة كنيسة المشرق، فقامت مجموعة من الأساقفة بالاتصال بالبابا يوليوس الثالث، وتم الاتفاق على تنصيب شمعون الثامن يوحنان سولاقا كأول "بطريرك على كنيسة الكلدان الكاثوليك في الموصل وآثور" في 20 شباط 1553.[92] كما حصل أحد خلفته، يوسف الثالث معروف، على لقب بطريرك بابل للكلدان من قبل البابا كلمنت الحادي عشر سنة 1701.[93] وتسمية الكلدان كانت قد اختيرت للتفريق بينهم وبين الآشوريين، فالتسمية لا علاقة بها بالسلالة الكلدانية التي حكمت بابل والهلال الخصيب بين 626 ق.م. و-533 ق.م.[61][94] هناك من بين أبناء الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية من يتخذ لفظة آشوري تسمية له بينما يتسمى اخرون بالكلدان.

الآراميون

بالسريانية: ܣܘܪܝܝܐ آرامآيي؛ تعني كلمة آرام "المرتفع" أو "العلو" في اللغات السامية البدائية وذلك لتفريقهم عن كنعان والتي تعني "منخفض".[95] والآراميون شعب سامي سكن في منطقة امتدت من البحر الأبيض المتوسط غرباً وحتى بلاد ما بين النهرين شرقاً، فانصهرت العديد من الشعوب القاطنة في تلك المناطق كالحثيين والفينيقيين معهم. كما أسسوا عدة ممالك في سوريا غير أن الآشوريون تمكنوا من إسقاطها جميعا ثم قاموا بسبي أعداد كبيرة منهم إلى آشور لمنع قيام أي عصيان ضدهم. غير أن لغة الآراميين طغت على اللغة الآشورية الأكادية فحلت محلها كلغة رسمية للإمبراطورية الآشورية الحديثة.[96] وخلال القرون المسيحية الأولى أصبح المتحدثون بالآرامية يطلقون على أنفسهم لقب آراميون فغالباً ما سميت الرها ب"بنت الآراميين" في الأدبيات السريانية كما لقب ملوك الرها ب"أبناء الآراميين".[97][98] غير أن لفظة "السريان" أصبحت المفضلة لمن اعتنق المسيحية وذلك كوسيلة للتفريق بينهم وبين الآراميين الوثنيين. يتبنى هذه التسمية بعض السريان الأرثوذكس والموارنة.

القومية

لم يظهر الشعور القومي للآشوريين/السريان/الكلدان بشكله الحديث إلا بأواخر القرن التاسع عشر، حتى ذلك الوقت كانت الطائفة واللغة أهم ما يجمع بين مسيحيي شمال بلاد ما بين النهرين ويفرقهم. ويرى "مردوخاي نيسان" (Mordechai Nisan) الباحث بشؤون أقليات الشرق الأوسط في الجامعة العبرية في القدس أن المدارس الإرسالية الفرنسية والبريطانية والأمريكية والروسية التي ظهرت في بدايات القرن التاسع عشر عملت على توحيد اللهجات السريانية الآرامية المستعملة بين آشوريي وكلدان أورميا والموصل وإخراج جيل مثقف في فترة شهدت تأخر أقرانهم الذين اعتمدوا على نظام التعليم العثماني. غير أن "أيدن نبي" (Eden Naby) الباحثة بتاريخ الشرق الأوسط ووسط آسيا ترى أن المدارس الإرسالية عملت على تعليم اللغات الأجنبية الخاصة بهم وإهمال اللغة السريانية، ما أدى لابتعاد طبقة المثقفين عن الثقافة والحضارة السريانية/الآشورية.[99] لم يظهر الفكر الداعي لرفض نشاطات الإرساليات إلا بأواخر القرن التاسع عشر، فكانت جريدة "الكوكب" (ܟܘܟܒܐ كخڤا 1906) الصادرة في أورميا من أولى الأصوات الداعية إلى استرجاع قيم الحضارة السريانية واستعمال السريانية في الكتابات الأدبية بدلا من اللغات الأجنبية.[99]

يعتبر نعوم فايق (1868 - 1930) من أوائل من سعوا وراء نشر الوعي القومي، حيث نشط بداية في مدينته آمد فأسس فيها أول جريدة قومية تحت مسمى "نجمة المشرق" (ܟܘܟܒ ܡܕܢܚܐ كوكب مدنحو) غير أنه اضطر للهجرة إلى الولايات المتحدة وأسس فيها جريدة الاتحاد (ܚܘܝܕܐ حويودو) ودعى فيها إلى نبذ الفروقات الطائفية بين المذاهب السريانية لصالح وحدة قومية جامعة.[100] كما ظهر فريدون آتورايا (1891 - 1926) في أورميا، والذي أسس أول حزب سياسي آشوري ودعى إلى تشكيل وطن قومي لهم.[101] أما فريد نزهة (1894 - 1971) فقد اتسمت أفكاره بالانتقاد اللاذع للسلطة الكنيسة التي اتهمها بتكريس الانفصال القومي، ما أدى إلى حرمانه كنسيا من قبل مار أفرام الأول برصوم.[102]

بحسب "سينر أكتورك" (Sener Akturk) أستاذ العلوم السياسية بجامعة كوج بإسطنبول، فإن فشل الآشوريين/الكلدان/السريان في تشكيل كيان سياسي لهم أسوة بغيرهم من أقليات الدولة العثمانية ساهم في تشتت الفكر القومي لهم وسرعة اندماجهم مع الشعوب المشكلة للأغلبية سواء في الشرق الأوسط أو في المهجر.[99] ويقسم المؤرخ الفلسطيني حنا بطاطو الانتماء القومي للآشوريين/الكلدان في العراق إلى: "الكلدان المستعربون"، وهم من الذين اندمجوا في المجتمع العربي العراقي وغالبا ما يستعملون العربية وينتمون إلى الكنيسة الكلدانية قبل أن يكون لهم انتماء قومي واضح. "الآشوريون المستعربون" وهم ينتمون إلى القومية الآشورية غير أنهم يستعملون العربية كذلك. وأخيرا "القوميين الآشوريين" وهم الذين يصفون أنفسهم بحسب انتمائهم القومي ويعارضون فرض اللغة أو القومية العربية عليهم.[99]

الانتماء

ينتمي جميع أبناء الكنائس السريانية في الشرق الأوسط إلى هذه القومية، ويوحدهم في ذلك اللغة والدين والثقافة التي اشتركوا بها. ولعل الاستثناء الوحيد هنا هو هوية الكنيسة المارونية، فبالرغم من بدايتها كفرع سرياني غربي على يد بعض أتباع مار مارون السريان في شمال غرب سوريا إلا أنهم بمجيء الصليبيين بدأوا يتجهون نحو استبدال تقاليدهم السريانية بأخرى لاتينية، وقد استمر هذا النهج رحيل الصليبيين فاختلط الموارنة بغيرهم من الأقوام كالعرب والدروز مع أدى إلى تخليهم عن اللغة السريانية لصالح العربية في وقت مبكر نسبياً مقارنة بغيرها من الطوائف السريانية التي لم تتعرب بشكل ملحوظ إلا بعد نشوء الدول الحديثة في منتصف القرن العشرين. كما زاد اندماج الموارنة بمحيطهم العربي إسهامهم الكبير في تطوير ونهضة اللغة العربية بأواخر القرن التاسع عشر في الوقت الذي ركز فيه أقرانهم السريان جهدهم على اللغة السريانية.[103] غير أن هناك تيارات مارونية تؤكد على الهوية السريانية للموارنة لعل أهمها حزب الكتائب اللبنانية.[104] كما لا تزال الكنيسة المارونية تؤكد على هويتها السريانية.[105]

الانتشار

ينتشر الآشوريون/الكلدان/السريان حاليا بشكل أساسي في العراق وسوريا بالإضافة إلى أعداد أقل في كل من إيران وتركيا ولبنان. كما أدت هجرتهم منذ أواخر القرن إلى تزايد اعدادهم في قارة أمريكا الشمالية وكذلك في أوروبا منذ السبعينات من القرن العشرين.

يشكل الكلدان السريان الآشورين الأغلبية الساحقة من سكان العراق المسيحيين، وتبلغ نسبة أتباع الكنيسة الكلدانية أكثر من نصفهم، وينقسم الباقي بين كنيسة المشرق الآشورية والكنيسة السريانية الكاثوليكية مع تواجد ضئيل لكل من الكنيسة السريانية الأرثوذكسية وكنيسة المشرق القديمة. وقد تمركز أغلبهم خلال الثمانينات والتسعينات في المدن الكبرى كبغداد والموصل والبصرة بسبب الهجرة من الريف إلى المدينة. غير أن أعداد المسيحيين في العراق تناقصت من حوالي المليون بالتسعينات من القرن العشرين إلى نصف هذا العدد بسبب نزوح وهجرة العديد منهم وخاصة إلى سوريا بعد حرب الخليج الثالثة. كما هاجرت أعداد كبيرة منهم إلى قرى سهل نينوى ومناطق تجمع المسيحيين في إقليم كردستان العراق.

أما في سوريا فيتواجدون بشكل ملحوظ في أقصى شمال شرق سوريا بمدينة القامشلي والقرى التابعة لها وكذلك في حلب ودمشق. ويشكلون حوالي ثلث مسيحيي سوريا ويتبع أغلبهم الكنيسة السريانية الأرثوذكسية كما أن هناك تواجد للكلدان والآشوريين وخاصة من الذين نزحوا من العراق. بالرغم من عدم وجود إحصائيات رسمية عن أعدادهم غير أن معظم المصادر تقدرهم بحوالي 700,000 إلى 800,000[109][110] يضاف إليهم أكثر من 200,000 لاجيء عراقي[111].

وينتشر الآشوريون الإيرانيون حول مدينة أورميا بشمال غرب إيران، بالإضافة إلى أعداد أخرى هاجرت إلى المدن الإيرانية الكبرى كطهران لأسباب اقتصادية. كما يوجد وجود ضئيل لهم في تركيا وخصوصًا بمنطقة طور عابدين وكذلك في المدن الكبرى كإسطنبول.

الثقافة

تعتبر الثقافة الآشورية السريانية قريبة إلى حد ما من ثقافات شعوب الشرق الأوسط الأخرى وخاصة أن كون الأغلبية الساحقة تتبع المسيحية جعلها تتميز بعدة صفات قد لا تتواجد بغيرها. فتعد الاحتفالات المسيحية الكبرى كعيد الميلاد (ܥܐܕܐ ܕܒܝܬ ܝܠܕܐ عيذا دبيث يلدا) وعيد القيامة (ܥܐܕܐ ܕܩܝܡܬܐ عيذا دقيَمتا) من أهم الأعياد الدينية كما يعتبر عيد الصعود (ܥܐܕܐ ܕܣܠܩܐ عيذا دسولاقا) وعيد الصليب (ܥܐܕܐ ܕܨܠܝܒܐ عيذا دصليبا). كما للمؤمنين منهم صومين هامين وهما الصوم الكبير (صوما دأربعين ܨܘܡܐ ܕܐܪܒܥܝܢ) وصوم نينوى أو صوم الباعوث (صوما دباعوثا ܨܘܡܐ ܕܒܥܘܬܐ)[123].

ومن أهم الأعياد غير الدينية خا بنيسان الذي يحتفل به برأس ألسنة الآشورية البابلية في الأول من نيسان. كما يتم تذكار مذابح سيفو في 24 نيسان ومجزرة سميل في 7 آب من كل عام.

اللغة

كانت الأكادية، التي تنتمي لعائلة اللغات السامية الشرقية هي اللغة الأم للآشوريين القدماء. وقد انتشرت هذه اللغة منذ الألف الثالث قبل الميلاد في وسط وشمال بلاد ما بين النهرين وكذلك في منطقة الجزيرة السورية. غير أن ظهور الآرامية، وهي لغة سامية شمالية شرقية، بالألف الأول جعلها تصبح اللغة الرسمية للإمبراطورية الآشورية وذلك لبساطتها وسهولة كتابتها مقارنة بالكتابة المسمارية التي استعملت في كتابة الأكادية. واستمر نمو هذه اللغة خلال عهد الإمبراطورية الأخمينية فأضحت هي اللغة الرسمية لها. وبحلول المسيحية كان للآرامية انتشار واسعة فحلت محل معظم اللغات التي انتشرت في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط كالفينيقية والعبرية وأصبحت لغة عدة ممالك نشأت في تلك المنطقة مثل حدياب والحضر والرها وتدمر والأنباط بالإضافة إلى انتشارها في معظم مدن سوريا والعراق.[124]

بحلول القرن الأول قبل الميلاد بدأت آرامية مدينة الرها تطغى على غيرها من اللهجات الآرامية، وأصبحت هذه اللغة تسمى بالسريانية نسبة إلى منطقة نشوئها بسوريا. وقد تكرست هذه الهيمنة بظهور الرها كمركز مسيحي هام وانتشار المدارس اللاهوتية في الرها ونصيبين. وتعتبر الفترة ما بين القرن الرابع والسادس الميلادي العصر الذهبي للغة السريانية فيها ظهرت العديد من الكتابات الفلسفية واللاهوتية، وذلك بالرغم من محاولات الإمبراطورية البيزنطية فرض اللغة والثقافة اليونانية.[125][126]

بدأت اللغة السريانية بالتراجع بمجيء اللغة العربية فأصبحت معظم مناطق العراق وسوريا تتحدث العربية كلغة يومية بحلول القرن العاشر الميلادي. كما ساهمت الغزوات المغولية ومجازر تيمورلنك في تراجع هذه اللغة.[127] فآلت اللغة العربية هي اللغة الرئيسية لدى سريان المدن خلال فترة حكم الدولة العثمانية. وبالرغم من ظهور انتعاش بأواخر القرن التاسع عشر إلا أن مذابح سيفو خلال الحرب العالمية الأولى جعلت معظم سريان جنوب شرق الأناضول ينزحون إلى العراق وسوريا حيث أدت سياسة هذه الدول لاحقا إلى فرض اللغة العربية ومنع تداول السريانية في المؤسسات التعليمية.[128][129]

أدى سقوط نظام صدام حسين بعد غزو العراق إلى انتشار مدارس التعليم السرياني في عدة مناطق بشمال العراق وخاصة بمنطقة سهل نينوى ومدينة دهوك وبعض القرى المسيحية في إقليم كردستان العراق.[130] كما يتم تعليم السريانية بلهجتيها في بعض المدارس الحكومية بالسويد.[131]

الأدب

تعود أقدم النصوص الأدبية الأكدية التي انتشرت في الدول المدنية الآشورية بشمال ما بين النهرين إلى الألف الثاني قبل الميلاد وكانت أغلبها نصوص حكمية وفلسفية، ومن أهم هذه الأعمال "أراد ميتنغرني" (حوار في التشائم) و-"لدلل بيل نمقي" (سأبجل رب الحكمة)، والتي تميزت بأسلوب شعري حواري بين شخصيتين رئيسيتين.[132][133]

بينما يعتبر الوزير الآشوري أحيقار أول من ألف كتب الحكمة باللغة الآرامية. ويعد كتاب حكم أحيقار (حوالي 500 ق.م.) أهم ما يعزى إليه، ويحتوي هذا الكتاب على مجموعة من الأقوال والحكم بعضها ذو أصل فارسي وبابلي.[134]

من كتبه باللغة السريانية. غير أن الجزء الأعظم من الأدب الآرامي/السرياني ظهر بعد انتشار المسيحية في القرن الثاني. ويعتبر برديصان (154-222) من أوائل الشعراء والفلاسفة السريان،[135] فألف العديد من الكتب والمواعظ والمحاججات في الدفاع عن المسيحية وتفنيد بعض العقائد الغنوصية.[136] كما يعد أفرام السرياني من أهم الأدباء المسيحيين على العموم في القرون المسيحية الأولى، حيث كتب العديد من الأشعار المسماة بال-"مِمرِ" (ܡܐܡܪܐ) وهي مستلهمة من أمور يومية وذلك لتقريبها من أذهان العامة. كما كتب العديد من التفاسير الإنجيلية التي استعملت لاحقا من قبل معظم المذاهب المسيحية.[137] وشهد العصر الذهبي للأدب السرياني في القرنين الرابع والخامس نشوء عدة مدارس سريانية اهتمت بالاهوت والفلسفة والعلوم الطبيعية كما في الرها ونصيبين وجنديسابور. وظهرت عدة أسماء في مجال الأدب السرياني في هذه الفترة مثل نرساي ويعقوب السروجي ويعقوب الرهاوي.[137]

كما شهدت فترة سيطرة الخلافة العربية الإسلامية ظهور أسماء هامة أخرى مثل ميخائيل الكبير (1126-1199) الذي ألف موسوعة بالسريانية تعتبر من الأهم من نوعها في العصور الوسطى،[138] وكذلك ابن العبري الذي ألف العديد من الكتب في اللاهوت والطبيعيات لعل أهمها "زبدة العلم" (ܚܐܘܬܐ ܕܚܟܡܬܐ حوثو دحکمثو) الذي يتناول جميع العلوم المعروفة وكذلك كتاب "تاريخ مختصر الدول" بالعربية والسريانية، وهو حوليات في تاريخ الحضارات القديمة.[139]

غير أن الكتابات بالسريانية اختفت بسقوط الدولة العباسية ولم تظهر أعمال هامة بالسريانية حتى القرن التاسع عشر عندما انتشرت عدة جرائد بالسريانية ومنها "شعاع النور" (ܙܗܪܝܪܐ ܕܒܗܪܐ زهريرا دبهرا) سنة 1849 ومن ثم تلتها "صوت الحق" (ܩܐܠܐ ܕܫܪܐܪܐ قالا دشرارا) و"الكوكب" (ܟܘܟܒܐ كخڤا) في أورميا،[140] كما انتشرت الجرائد السريانية بشكل أقل خلال القرن التاسع عشر في داخل الدولة العثمانية وذلك بسبب التضييق عليها، ومن أهمها "نجمة المشرق" (ܟܘܟܒ ܡܕܢܚܐ كوكب مدنحو) في آمد.[141] كما ظهرت في نفس الفترة عدة شخصيات، خاصة من أبناء الكنيسة الكلدانية ممن قاموا بكتابة معاجم وتفاسير باللغة السريانية مثل توما أودو وأداي شير وأوجين منا وألفونس منغنا.

المطبخ

يتألف المطبخ الآشوري/السرياني/الكلداني من مجموعة واسعة من الأطعمة التي يعدها الآشوريون/السريان/الكلدان في تركيا وإيران والعراق وسوريا أو في أي مكان في العالم في المهجر.[145] يشبه هذا المطبخ المأكولات الشرق أوسطية الأخرى مثل المطبخ التركي والمطبخ الشامي والعراقي.

المطبخ الآشوري/السرياني/الكلداني غني في الحبوب واللحوم والطماطم، والبطاطس. عادًة ما يتم تقديم الأرز مع كل وجبة مصحوبة بالحساء الذي يسفك عادة فوق الأرز. وعادة ما يتم شرب الشاي في جميع الأوقات من اليوم مصاحبًا مع وجبات الطعام، أو كمشروب الاجتماعي. تتشابه نمط الأطعمة والمأكولات في المطبخ الآشوري مع تلك التي تنتشر في المحيط في الشرق الأوسط، ومنها الشاورما والشيش برك وتعتبر الكبة، والورق دوالي، والكباب من أشهر مأكولات المطبخ الآشوري/السرياني/الكلداني والتي تعتمد على اللحم بشكل أساسي، هناك المحاشي بأنواعها المختلفة أيضًا تعتمد على اللحم. أما الأطعمة التي لا تعتمد على اللحوم جزئيًا أو كليًا والتي تؤكل بشكل خاص في أيام الصوم الكبير، فهي بدورها تقدم عادة ضمن الفطور، يمكن أن يذكر من ضمنها الفتة والفلافل والفول والحمص والبوريك، ولعلّ الفتوش والتبولة. أما الحلويات، فهي تقسم بين ما هو معروف باسم الحلو العربي كالكنافة، والقطايف، والعصيدة، والزلابية وراحة حلقوم.

على خلاف المجتمعات الإسلامية واليهودية في الشرق الأوسط يتضمن مأكولات المطبخ الآشوري/السرياني/الكلداني لحم الخنزير إذ لا توجد لدى أغلبية الطوائف المسيحية موانع بأكله.