حضارة بابل

الأحد 16 إبريل 2017 - 10:55 بتوقيت غرينتش

الامبراطورية البابلية

لاد بابل أو البابلية أو بابل تعني بالأكّدية (بوابة الإله) كان الفرس يطلقون عليها بابروش دولة بلاد ما بين النهرين القديمة. كانت تعرف قديما ببلاد سومر وبلاد سومر كانت تقع بين نهري دجلة والفرات جنوب بغداد بالعراق. فظهرت الحضارة البابلية ما بين القرنين 18ق.م. و6 ق.م. مركز هذا الإقليم هو مدينة بابل والتي مرّ عليها خلال فترات وجودها العديد من الشعوب والحكام. وكانت تقوم على الزراعة وليس الصناعة. وبابل دولة أسسها حمورابي عام 1763ق.م. وهزم آشور عام 1760 ق.م، وأصدر قانونه (شريعة حمورابي) وفي عام 1603ق.م. استولى ملك الحيثيين مارسيليس علي بابل واستولى الآشوريون عليها عام 1240 ق.م. بمعاونة العلاميين. وظهر نبوخدنصر كملك لبابل (1245ق.م.- 1104 ق.م.) ودخلها الكلدانيون عام 721 ق.م.(ثم دمر الآشوريون مدينة بابل عام 689 ق.م. إلا أن البابليين قاموا بثورة ضد حكامهم الآشوريين عام 652 ق.م. وقاموا بغزو آشور عام 612 ق.م. واستولى نبوخدنصر الثاني على أورشليم عام 587 ق.م. وسبي اليهود عام 586 ق.م. إلى بابل.

وهزم الفينيقيين عام 585 ق.م. وبني حدائق بابل المعلقة. ثم استولى الإمبراطور الفارسي قورش علي بابل عام538 ق.م. في زمن الملك الكلداني بلشاصر وضمها لإمبراطوريته.

أعظم ملوكها حمورابي (توفي عام 1750 ق.م.) والذي اشتهر بمجموعة القوانين المعروفة باسمه. وبعد حمورابي بفترة يسيرة أفل نجم هذه الأمبراطورية لتعود وتزدهر من جديد وتتسع رقعتها فتشمل فلسطين وتبلغ الحدود المصرية وذلك في الفترة التي سيطر خلالها الكلدانيون على بابل ابتداء من عام 625 قبل الميلاد. ويطلق على الإمبراطورية البابلية في هذه المرحلة اسم " الإمبراطورية البابلية الثانية". ويعتبر نبوخذ نصر أعظم ملوك بابل (605-562 ق.م.) في عهدها الجديد هذا، وكانت انذاك مطوقة بأسوار ضخمة ذات أبواب عريضة. وما هي إلا فترة قصيرة حتى سقطت بابل في يد كورش الثاني ملك الفرس (عام 539ق.م.). والحضارة البابلية من أعظم الحضارات القديمة. وقد حققت إنجازات ذات شأن في الفلك والرياضيات والطب والموسيقى.

النظام السياسي والإداري

عرف في البابلية نظام الحكم الملكي الوراثي، ونادراً ما تمتع الملوك بالسيادة المطلقة، فالقصر الملكي هوالمركز الإداري إلى جانب المعبد، ومع ادعاء الملوك أن الآلهة هي التي اختارتهم لحكم البلاد، وفوضت إليهم التصرف في شؤون الرعية، فلم يؤلهوا أنفسهم، كما فعل غيرهم، والملك هو من يقرر للموظفين الكبار في القصر حدود المهام. وكما كان يكلفهم بلأعمال العسكرية أيام الحرب. ولم يكن الملك يحمل ألقاباً فضفاضة مثل ملك الجهات الأربع التي كانت شائعة في المملكة الأكدية، بل كانوا يكتفون بلقب "الملك الكبير"، "الملك القوي"، كما أطلق حمورابي على نفسه لقب "الراعي الوالد". وكان. وكان الوزير ("سوكَلّو") يساعد الملك، والمحافظ "ربيانون" (rabiianum، الكبير) يدير الأقاليم والمقاطعات باسم الملك. ثم شاعت تسمية "خَزْيانُم/خَزَنّمُ" له. وتوجب على مختلف موظفي الإدارة أن يكونوا قادرين على الكتابة، ولذلك كثيراً ما أشير لهم بصفة كاتب "طبُشَروّ" (Tubxharru، الكتّاب)، وأداروا شؤون زراعة القصر والمعبد. كما توجب عليهم قياس الأراضي لأصحاب الأملاك أو المزارعين المستأجرين، ومراقبة شؤون تربية الحيوان والصيد، ووجد موظفون مسؤولون عن تنظيم القنوات المائية الرئيسة وصيانتها، وإقامة الحواجز والسدود على الأنهار، أما أمر تحصيل الضرائب والرسوم المختلفة من التجار وأصحاب المهن المختلفة فكانت تقع على مسؤولية الجباة " ماكِسُ ".

الدولة البابلية القديمة

اُسست بابل من قبل الأموريين (1894- 1830 ق.م) بزعامة "سومو- آبوم" الذي بدء بناء سور حول بابل سماه "خيرات إنليل" (يمجور-إنليل Imgur-Enlil)، واكمل بناؤه خليفته "سومو- لا – ءل" (Sumu-la-El). اما حمورابي سادس ملوك البابلية، فقد تنبه باكراً إلى الوضع السياسي لدويلات المدن في المنطقة قديماً، واستغله بحنكة عبر سيطرته على الطريق التجارية عند أضيق منطقة بين نهري دجلة والفرات، مما جعل من بابل إحدى أهم مدن المشرق حينها، وبخضوع عيلام وسوبارتو واشنونا، اضحى حمورابي سيد آشور أيضاً. وبفتحه لارسا امتدت دولته لتشمل مناطق التي كانت أراضي الدولة الأكدية والسومرية، وبذلك أصبحت البابلية الدولة الأقوى في بلاد الرافدين. وقد اثبت حمورابي حنكته في السياسة الخارجية، كما إنشاء العديد من شبكات الري والابنية، وحكم البلاد وفق قانون جزائي جمع فصوله فيما يعرف بقانون حمورابي الذي ضبط بمواده (282 مادة قانونية) القوانين التي شملت جميع الشرائح الاجتماعية، وقد كتبت نصوص هذا القانون على النُصب والرُقم وعُرضت في المدن، كما رفع حمورابي الرب مردوخ إلى رتبة الإله الرئيسي لبلاد بابل.

مع بداية حمكم " شمشو- إلونا" (Šamšu-iluna) ابن حمورابي بدأت حركات التمرد تعم مدن الجنوب، ما اضره لخوض غمار معراك عدّة، إلا أن سيطرة بابل على المنطقة بدأت تضعف مع الوقت، كما ساهمت هذه التمردات الداخلية والغزوات الخارجية في فقدان بابل قدراتها على ضبط بلاد بابل، وانتهت دولة بابل القديمة مع غزو الملك الحيثي مورشيلي الأول(Muršili I) الذي حكم بين عامي (1604- 1594 ق.م) لمدينة بابل.

حكام البابلية اللاحقين

تعتبر الفترة اللاحقة لعهد الدولة البابلية القديمة من الفترات المظلمة في التاريخ لندرة المصادر الكتابية، فقد حكم الكاشيون البابلية لفترة 400 سنة، وقد مدوا نفوذ الدولة من الفرات إلى زاغروس وجعلوا منها في القرن 15 ق.م قوة أقليمية بين قوى العالم القديم حينها المتمثلة بالدول الحيثية والميتانية والمصرية. تبع ذلك بفترة قصيرة بداية المد الآشوري ليطال بلاد بابل.

في العام 1155 ق.م هاجمت عيلام منطقة بابل ودخلت مدينة بابل نفسها ودمرتها ونهبتها، ومن المنهوبات كانت مسلة شريعة حمورابي الشهيرة التي وضعت في مدينة سوسه.

في العام 1137 ق.م تمكن "نبوخذ نصر الأول" ملك مدينة إيسن من إقصاء الحكام الكاشيين وتنصيب سلالة إيسن الثانية حكاماً على البابلية، كما حارب عيلام ودمر مدينة سوسه واعاد مسلة حمورابي إلى بابل، أما محاولات نبوخذ نصر الأول لتوسيع نفوذ بابل فقد راقبتها وثبطتها الدولة الآشورية، مع أنه لم تحصل مواجهة مباشرة بين الدولتيين، لكن سرعان ما ضمت الدولة الآشورية بابل ولم تدمرها ولم تمس المعابد الذي اعُتبر تدنيس للمقدسات. كما زوّج "شولمانو- اشارئد" الثالث ابنه "شمشي- اداد" الخامس من الأميرة البابلية" شميرومات" المعروفة تحت اسم سميراميس التي حكمت بعد موت زوجها الدولة الآشورية لأربع سنوات. كما قام " توكولتي- ابلي- إشارا" الثالث بتتويج نفسه في بابل بعد قلاقل حدثت هناك، وبذلك يتوحد التاج الملكي لبابل وآشور لأول مرة في التاريخ ورداً على المحاولات البابلية العدة للتخص من حكم آشور وبمساعدة عيلام، قام "سين- أههئ- إريبا " (سنحريب في التناخ) في العام 689 ق.م بمهاجة مدينة بابل وتدميرها، وقد حاول ابنه "اشور- أههئ- يدينا " (آسرحدون في التناخ) إعادة بناء المدينة وإعادة عظمتها القديمة، إلا أن السياسية الآشورية تغيرت اتجاه بابل بعده، وتبعاتها كانت حروب وتدمير، ففي العام 648 ق.م كان على المدينة الاستسلام للمك "اشور- باني- ابلي " بعد أن حاصرها لمدة عامين.

الدولة البابلية الحديثة

اعتلى القائد العسكري نبو- ابلا- اُصر عام 625 ق.م. عرش بابل ما افتتح عصر الدولة البابلية الحديثة، فقد وحد الجماعات البابلية وتحالف مع الميديين الذي خلفوا عيلام في السيطرة على المناطق الواقعة في الشرق من البابلية، حيث عقدت الدولتان نوع من المعاهدة كما تزوج ابن نبو- ابلا- اُصر حفيدت الملك الميدي، ومن خلال هذا التحالف أصبح بالإمكان مواجهة آشور بل والتوجه نحو نينوى عاصمة آشور، حيث سقطت في العام 612 ق.م بعد حصار دام ثلاثة شهور. بعد موت نبو- ابلا- اُصر حكم "نبوخد نصر" الثاني (605- 562 ق.م)، الذي اظهر إمكانيات متميزة كرجل دولة وقائد عسكري وصانع سلام وصاحب مشاريع بناء ضخمة، لقد مكّن نبوخذ نصر في عهده جميع مدن البلاد من إعادة بناء معابدها، كما أمر بشق القنوات المائية وبناء السور المعروف بالسور الميدي وبوابة عشتار الشهيرة.

اخضع نبوخذ نصر مناطق غرب الهلال الخصيب (بلاد الشام) وفرض على المملك والإمرات والمدن جزية تؤديها لبابل، وهاجم المدن التي حاولت التمرد، كما حصل مع أورسليم حيث دمرها ونقل بعض سكانها إلى بابل والبابلية. بعد موت نبوخذ نصر في العام 562 ق.م خلفه ابنه "نبو- شوما- ؤكين "(Nabû-šuma-ukîn) الذي غير اسمه إلى رجل مردوخ "امِل- مردوخ" (Amel-Marduk)، إلا ان حكمه لم يدم سوى عامين حيث انقلب عليه قريبه القائد العسكري "نِرجال- شارّا- ؤصور"(Nergal-šarra-usur) وانتزع العرش منه. وأدت النزعات الحادة مع الكهنة إلى تمكين "نبو نيد" (نبو- نا- يد Nabû-nāʾid) الذي كان من عبدة الإلة سين إلى تسلمه عرش بابل في العام 556 ق.م، وقد حاول "نبونيد" كبح كهنة الإله مردوخ، ما جلب الكثير من المشاكل في عملية إعادة توزيع الاراضي الزراعية وتنظيم أجاراتها.

ترك "نبونيد" مقرّ الدولة لابنه "بِل- شارّو- ؤصور" (Bel-šarru-usur) وانسحب إلى واحة تيماء حيث تحكم بالقوافل التجارية المارة منها ومارس ضغوط اقتصادية على مصر.

الولاية البابلية

بعد أن هزم الفرس الليديين، توجه الجبش الفارسي بقيادة كورش الثاني نحو بابل ودخلها بعد مقاومة بسيطة في العام 539 ق.م، وتحولت بابل لإحدى الولايات (ساترابات) الدولة الفارسية الهامة. كانت الآرامية لغة المعاملات الرسمية في بابل، كما استمر العلماء باستخدام اللغة الأكدية وكتابتها، وقد قدم الدارسون من أنحاء العالم القديم من مصر وفارس والهند ليدرسوا على علمائها، فقد ضبط فلكيو بابل في القرن الخامس قبل الميلاد السنة الشمسية وأنشأوا في السنة 410 ق.م أولى مخططات الأبراج، ومن هذه الفترة تطور عن الفلكيات البابلية ما يعرف بعلوم الفلك الكلدية التي شكلت القاعدة للفلكيات في الفترة الهلنستية.

في العام 333 ق.م انتصر الكسندر المقدوني على الفرس وضم بابل لملكه، وقد تسامح الإغريق مع الثقافة البابلية وتفاعلوا معها وطوروها، فقد بني مسرحا في بابل، وبعد موت الكسندر تصارع خلفاؤه على الملك وتطاحنوا في حروب جرت الخراب على المناطق المنتازع عليها. في القرن الأول ق.م انتقل حكم بابل ليد الفرثيين.

الاقتصاد:

الزراعة

تطلبت الزارعة في البابلية، عملاً مضنياً وتنظيماً دقيقاً، ولكنها كانت تثمر غلالاً وفرة، فمن الضروري شق القنوات لإيصال المياه إلى الحقول، وكانت أعمال القنوات الرئيسة مسؤولية الدولة. أما المزارعون فيتولون القنوات الصغيرة الثانوية والعناية بها. المألوف أن تبذر المحاصيل في أواخر الخريف وتحصد في نهاية الربيع. وكانت الغلال تحصد بالمناجل. ويبدو أن البابليين كانوا يستخدمون النورج للدراس، ثم يقومون بعملية التذرية، وبعدها بتخزين المحصول في أهراء قريبة من الحقول. أما المحاصيل فكانت من القمح والشعير، والعدس، والحمص، والكتان، والسمسم، والبازلياء والشوفان والدّخْن والجلّبان. واحتل الشعير المقام الأول من حيث الاستخدام البشري، فصنعوا منه الخبز والطحين والجعة (البيرة) الويسكي. واستخرج البابليون الزيت من السمسم لفقر المنطقة بأشجار الزيتون، وصنعوا الأنسجة من الكتان. وكان تمر النخيل من أكثر المواد الغذائية أهمية، واستخدم خشب النخيل استخدامات مختلفة في مجال البناء، ومن أشجار الفاكهة المعروفة التين والرمان والتفاح، وكثيراً ما استخدمت النباتات والأعشاب للتداوي. وعن تربية الحيوان، عُرف الكلب وهو من أقدم الحيوانات المنزلية لكثرة فوائده في الحماية والصيد. كما ربية القطط المنزلية. وربي البقر والغنم والماعز والخنزير. ففي المشاهد التصويرية رسوماً كثيرة للثيران، حيث الثور رمزاً لإله القمر، ونلاحظ أن الملوك كانوا يتلقبون باللقب الإلهي «الثور» إشارة إلى القوة. كما كان راعي الأغنام النموذج الحقيقي للرعاة ولقب «الراعي» اتخذه كثير من الملوك لأنفسهم. واستخدم الحمار وورد ذكر البغل أيضاً في الكتابات البابلية، أما الحصان فقد تأخر ظهوره في بلاد بابل، ومثله الجمل. وإلى جانب الدواب ربية الطيور مثل الإوز والبط، وكذلك الدجاج والنعام والحمام.

مهن وحرف

 

أستخدمت في البابلية الكلمة الأكدية "أومّانوتو" (ummanutu) لتدل على الحرف اليدوية، ولفظة "أومّيا/أومّانو" على معلم الحرفة. وكان الغزل والنسيج، والخياطة والتطريز من أهم الحرف التي اختصت بها النساء. وثمة شواهد تشير إلى صنع أثواب ثمينة للملوك وكبار الكهنة وغيرهم، وكانت مادة الخياطة والنسيج الصوف والكتان. وعرفت الأقمشة الملونة وصباغتها بوساطة الشب والقرمز. وقد شاع استخدام الأنوال في النسيج. وكان ثمة حِرَف أخرى متميزة كحرفة صانعي الأكياس والسجاد. وتعد نصوص ماري البابلية القديمة ونصوص نوزي أغنى النصوص من حيث المعلومات المتصلة بصناعة السجاد. ودبغت الجلود وصنع منها الألبسة والأحذية. ومن أكثر الحيوانات التي استفاد الناس من جلودها البقر، والماعز. واستخدام الجلد قليلاً للكتابة عليه. وكان القصب يستخدم في صناعة السلال وأعواد السهام والرماح، وفي بناء القوارب والمراكب النهرية، وصناعة الأبواب البسيطة والأثاث المنزلي، وفي بناء الأكواخ وتغطية أرضيات المنازل والحظائر في الريف، وكانت طبقات من الحصر القصبية تستخدم في بناء الأبنية الضخمة كالمعابد البرجية (الزقورة).

لقلة الأخشاب في بلاد بابل، فقد جلبت من الجبال الشمالية والغربية على الساحل الشامي. ويرد في المعاجم البابلية عدداً كبيراً من الأدوات الخشبية استخدمت في الأعمال المختلفة، وفي صنع الأثاث المنزلي، وكان للنجار دوراً كبيراً في بناء البيوت والمعابد والقصور، والمراكب النهرية والعربات ذات العجلات الخشبية. كما كانت حرفة الفخّار شائعة في البابلية، لأهمية صناعة الآجر في البناء، وفي عمل الألواح الطينية (الرُّقم) للكتابة عليها، وفي صناعة الأواني والدّمى والأعمال الفنية الأخرى. وكذلك الحجّار، حيث جلبت الأحجار والصخور من المناطق الجبلية الآسيوية من زاغروس وإيران، والأناضول وبلاد الشام، للبناء وصنع الأدوات الحجرية، وفي النحت الفني. ويرد في النصوص لفظة "نباخو" (nappakhu) أي الحداد، نَفّأخ الكور الخاص بصهر المعادن. واستخدم النحاس والبرونز في صناعة الأسلحة والأدوات. كما وجد صائغ الذهب والأدوات الثمينة من الفضة والمعادن الأخرى.

التجارة

وصلنا الكثير من نصوص اتفاقات تجارية، وقوائم جرد للبضائع، ومراسلات تجارية من بلاد بابل. وكانت معظم النصوص التجارية تُوَثّق. وقد شاع اعتماد الحبوب خاصة مادةً للمقايضة، كما شاع استخدام الأغنام وسيلة لتقدير ثمن البضائع أيضاً. ثم حلت المعادن، ولاسيما النحاس والفضة محل المقايضة. وكانت الدولة تعقد الاتفاقيات التجارية مع جيرانها، وتحرص على فتح الطرق وحمايتها والسيطرة عليها، وتسيير القوافل التجارية التي تعتمد على الحمير وسيلة للانتقال، وقام التاجر "تمكارو" (Tamkaru) بوظيفة رئيسة في المجتمع البابلي: مشترياً وبائعاً بالجملة والمفرق، ممولاً ومستثمراً وبديلاً عن المصارف. أما البضائع التي كانت تصدر من البابلية فهي الحبوب بأنواعها، والتمور والأدوات المصنعة والمنسوجات. وكانت تستورد المواد المعدنية الخام من إيران، والأناضول وبلاد الشام،، وزيت الزيتون والنبيذ والأخشاب من بلاد الشام كما كانت تجارة العبيد رائجة.

المجتمع

كانت الأسرة في كل أرجاء المشرق العربي القديم مبنية على سلطة الأب، ولكن حقوق الأب لم تكن مطلقة. ولم يسمح تعدد الزوجات إلا في حالات نادرة، لاسيما إذا كانت المرأة عاقراً، أو تعاني مرضاً عضالاً. وعلى الزوج أن ينفق عليها إذا أرادت البقاء عنده، وإلا فعليه أن يدفع بائنتها كاملة، وإذا كانت ذات ولد، فعلى الزوج أن يدفع لها كذلك نصف أملاكه. وتمتعت الزوجة بمكانة اجتماعية مساوية للرجل، ولها حق العمل، بعد أخذ موافقة الزوج. وفُضل المواليد من الذكور على الإناث، وللبكر مزايا خاصة، وكان نظام التبني متشراً في البابلية.

الطبقات الاجتماعية

الأحرار، وهم مواطنو المدن والفلاحون والرعاة.

"الموشكينو" (mushkenu) وهؤلاء يمثلون الطبقة الوسطى، وهم أقرب إلى طبقة الأحرار من الناحية الاجتماعية، وأشبه بوضع الموالي في العصر الجاهلي وفي صدر الإسلام عند العرب.

العبيد، وهؤلاء يخصون دائماً أفراداً معينين أو المعابد. وللعبد أن يمارس التجارة بموافقة سيده وله علامة وهي حلاقة نصف الرأس حتى لا يهرب، وإذا هرب توجب على الموظفين القبض عليه وإعادته إلى مالكه. ويعود أصل الكثيرين من العبيد إلى أسرى الحروب وسباياها. وللعبد أن يعتق نفسه، وقد يتبناه أحدهم، وكانت معاملتهم مقبولة، ويعدون أفراداً تابعين للتجمع المنزلي.

ولم يكن المجتمع الشرقي القديم بعامة حتى في المدن الكبيرة مستقراً تماماً، فمع وجود الأسرة، ثمة الأسرة الكبيرة، أو العشيرة التي كانت تعيش في المدينة والقرية، وتجاور البدو والرعاة. وقد نجح عدد كبير من هؤلاء في تطوير أنفسهم وصاروا جنوداً وضباطاً، وتمكنوا من الارتقاء إلى منصب الحاكم أو الملك، وتأسيس أسر حاكمة، كما كانت حال مؤسسي السلالتين البابلية الأولى والبابلية الحديثة.

 

الدين

كان للبابلين آلهتهم الخاصة، يرأسها إله مدينة بابل مردوخ الإله الخالق، الحامي للأفراد، وإله الحرب كذلك، وهو ابن الإله "ايا" إله الحكمة، وله ابن يدعى "نَبُو" حامي الكَتَبَة والمتعلمين. وكانت الإلهة عشتار إلهة كوكب الزهرة وإلهة الخصب والحرب معاً، و"سين" إله القمر، و"شمش" إله الشمس والحق والعدالة. كما بقية عبادة الآلهة السومرية، لكن بأسماء بابلية، ولكثير من الآلهة مدينة رئيسة يقوم فيها المعبد الرئيس لعبادة الإله، ولكن عبادته تنتشر في كل المدن وأرجاء الدولة، فمركز رئيس مجمع الآلهة السومرية ـ البابلية "آنُ/ آنو" في مدينة أوروك (الوركاء)، ومقره السماء. والإله السومري إنليل وجد معبده الرئيس في مدينة إريدو، ولعشتار معبد رئيس في مدينة أوروك أيضاً. والإله"نبو" في مدينة بورسيبا. عيد "أكيتو" (akitu) رأس السنة أهم الأعياد البابلية، وتمتد الاحتفالات به عدة أيام، ويتم في الأصل في الخريف، ثم تحول إلى الربيع. وكانت تنقل فيه تماثيل الآلهة في موكب مهيب إلى بيت خاص بالاحتفال يقع عادة خارج نطاق سور المدينة. وجرت العادة أن تتلى صلوات وأناشيد على شرف الإله مردوخ الذي كان معبده البرجي (زقورته) في بابل أضخم نماذج تلك المعابد.

القانون

كانت كلمة دين في الأكدية (البابلية) تعني «مسألة قانونية، حكم قانوني» والقاضي يدعى ديّان، والمسؤول عن حماية القانون والعدالة جميع الآلهة، وفي مقدمتها إله الشمس (شمش) الذي يوصف بأنه يرى كل شيء. أما الملك فهوالذي يتولى مسؤولية تطبيق القانون على الأرض ، وهو القاضي الأكبر. عرفت بلاد بابل تشريعات سومرية تعود أقدمها إلى الملك "أورنامو" (2111-1994ق.م)، ثم تبعتها تشريعات الملك "لبيت عشتار" ملك إيسن (1934-1924ق.م). ثم أصدر ملك أشنونة بعدها تشريعاً كُتِب باللغة البابلية. أما أبرز تلك الشرائع كانهقانون حمورابي الذي يشتمل على نحو 200 مادة قانونية تعالج أموراً كثيرة تتعلق بشؤون الأسرة والعبيد والأراضي والتجارة.

الأدب

اللغة البابلية واللغة الآشورية لهجتان من اللغة الأكدية التي سادت في بلاد ما بين النهرين قبل ظهور المملكة البابلية القديمة والمملكة الآشورية القديمة. واستطاعت اللغة البابلية التي وصلت في عهد حمورابي إلى مرحلة النضج والكمال الذي يتجلى في قانون حمورابي، أن تسود عالم الشرق القديم، وتغدو لغة الوثائق السياسية والاقتصادية في تلك المناطق نحو ألف عام، إلى أن حلت محلها اللغة الآرامية الشقيقة. أما كتابتها فكانت بالخط المسماري المقطعي الذي طورته ليخدم أغراضها المختلفة. كان الأدب في العصر البابلي القديم استمراراً للأعمال الأدبية السومرية ذات التأثير الكبير في أدب ما بين النهرين عامة، ثم مالبث أن تحرر من التقليد إلى الإبداع إذ ظهرت أعمال أدبية عكست التطورات المعيشية، ونضج اللغة التي باتت تهتم بالأسلوب الفني والجمالي. وكانت الأسطورة مجالاً لاستيحاء إجابات عن تساؤلات كانت تراود مخيلة البابليين عن العالم الذي يعيشونه، وعن مسائل مثل الخلق، والموت، والخلود، والخطيئة والعقاب. ومن أبرز الأساطير أسطورة "أترخسيس" التي من أبرز موضوعاتها خلق الإنسان وصراع الآلهة، والطوفان، والعقاب الإلهي. وملحمة جلجامش في نسختها البابلية التي تدور حول فكرة الحصول على الخلود والشباب الدائم. وأسطورة أدابا الذي يضيع على نفسه فرصة الخلود. وأسطورة "إتانا"، أول ملوك مدينة كيش بعد الطوفان، الذي يشغله الحصول على من يرثه. وأسطورة نزول عشتار إلى العالم السفلي الذي لا رجعة منه، ولكنها تعود بمساعدة الإله "غيا" الذي يعيد إليها الحياة، ويُقَدّم الإله دموزي (تموز) فدية لها، فيُرْسَل بدلاً منها، ويتناوب الإقامة في العالم السفلي كل ستة أشهر، ويغيب معه الخصب والخضرة مؤقتاً رمزاً لتبدل فصول السنة. ثم تظهر أسطورة بابلية إبداعية في القرن الثامن قبل الميلاد هي أسطورة "إرّا" إله الطاعون والدمار الذي يتخلى له الإله الوطني مرودخ عن العرش مؤقتاً ليقود حرباً لإخضاع البشر الذين ما عادوا يتركون للآلهة فرصة للراحة، لكنه ينجح في النهاية في تحقيق الاستقرار للبلاد وتصحيح الأوضاع ويندم على فعله الدموي، ويقنعه وزيره بتوجيه ضرباته إلى أعداء البابلية. ومن الأعمال المهمة أسطورة قصة الخلق البابلية التي تعرف بمطلعها "إنوما إيليش" أي «عندما هناك في الأعالي»، وتتناول الموضوع القديم برؤية جديدة لتكريس مكانة الإله مردوخ رئيساً لمجمع الآلهة الرافدي. وظهرت كذلك قصيدة "لأمجدن سيد الحكمة" التي تعبر عن يأس الإنسان البابلي في العصر الكاشي وتشككه في العدالة الإلهية، وتشاؤمه لكثرة المصائب التي حلت به. وتقرن هذه بسفر أيوب في كتاب التناخ. وعرف في بلاد بابل أدب الحكمة الذي يضع في أولوياته أهدافاً أخلاقية ـ تربوية كالأمثال المنظومة شعراً، والمواعظ، والقصص الديني، وحكايات الحيوان، والمناظرات أو المحاورات التي تجري على ألسنة الحيوانات، وبين النبات وبين الناس حول موضوعات متنوعة كالعدالة الإلهية، والحب. وألف الكتاب تراتيل دينية وابتهالات إلى الآلهة، وحكايات فكاهية ساخرة، ومنها حكاية الفقير الذي أهدى الحاكم نعجته وهي رمز لحلم الفقراء بالانتقام من الأغنياء المتسلطين على قدرهم.

العلوم

تطلَّب العمل في الزراعة وقياس الأراضي وبناء قنوات الري القصور والمعابد وسواها ومزاولة التجارة معرفة الحساب والهندسة والجبر. وكان النظام السائد في بلاد الرافدين كلها هو النظام الستيني سواء في الحساب أو في أنظمة قياس الزمن أو المكاييل والموازين. فقسمت السنة إلى اثني عشر شهراً واليوم إلى أربع وعشرين ساعة، وهو النظام المعمول به حتى اليوم. وعرفة فكرة المربع والمكعب وتمكنوا من حساب مساحة الدائرة ومحيطها. واهتموا بمراقبة الكواكب لاعتقادهم بتأثيرها في حياة الناس بوصفها آلهة، وربطوا بين حركاتها ومظاهر الطبيعة المختلفة، وهذا ما أدى إلى نشأة علم التنجيم عندهم، فقسموا دائرة فلك البروج إلى اثني عشر برجاً. وهناك أشخاص راصدوا النجوم في الليل والنهار وتتبعوا مساراتها ودونوا مراقباتهم وأرصادهم، وقد مكنهم هذا من التنبؤ بحدوث الخسوف والكسوف، وهكذا صار لهم شهرة كبيرة في هذا المجال. أما الطب فقد ارتبط عندهم بالسحر، وكان المريض يعالج على أساس أن روحاً شريرة دخلت جسمه، ولذلك قام العلاج على الرُّقَى السحرية والأدوية النباتية والحيوانية وغيرها. وهناك رقم تصف تشخيص بعض الأمراض وأعراضها وطرق معالجتها. وعرفوا أنواعاً كثيرة من العقاقير الطبية والمراهم، وسمح للطبيب بممارسة الجراحة حسب ما جاء في قانون حمورابي على أن يتحمل النتائج المترتبة عليها.