شاء الله تبارك وتعالى أن يسكب من أنواره، على أحب خلقه إليه.. محمّد وآله صلوات الله عليهم، وشاء « سبحانه » ـ ومشيئتُه نافذة ـ أن يُضفي من جلاله على أعزّ خلقه إليه.. محمّد وآله صلوات الله وسلامه عليهم، فتجلّت فيهم معاني العبادة والشرف، ومكارم الاخلاق ومعالي الخصال، توارثوها عن بيت الوحي والرسالة، فكانوا ـ بحق ـ الدعاةَ إلى الله، والأدلاّء على مراضاة الله، والمستقرّين في أمر الله، والتامّين في محبّة الله، والمخلصين في توحيد الله، والمُظهرين لأمر الله ونهيه.. وكانوا، كذلك عبادَه المُكرَمين، الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، وقد بذلوا أنفسهم في مرضاته، وصبروا على ما أصابهم في جَنْبِه.
هذه هي الشجرة النبوية والدوحة الهاشمية، وقد كانت زينبُ عليها السّلام أحدَ غصونها، فاستطالت بأصلها: المحمّدي العلوي الفاطمي، شرفاً وعزّاً وجلالاً، فأكبرَتْها العقول والنفوس، واشرأبّت إليها الأعناق، ورَمَقتْها العيون بنظرات التوقير والاحترام.. حتّى قال الشاعر فيها:
هيَ الحوراء زينبُ عن علاها لَتقصرُ كلُّ ذاتِ يدٍ طويلـةْ
سليلةُ أحمد مولى المَوالـي ألا نِعَمت لأحمدَ مِن سليلـةْ
فمهما تبلغُ الألبـابُ علمـاً فلن تُحصي مواهبَها الجليلةْ
وكم قال ابن عباس فخـوراً: عقيلتُنا، ويا نِعمَ العقيلة !(1)
أجل، فقد كان عبدُ الله بن عباس إذا تحدث عنها قال: «حدثتني عقيلتُنا زينب بنت عليّ» (2).
وذكرها ابن الأثير فقال: « كانت زينب أمرأة عاقلة، لبيبة جزلة » (3).
وقال السيوطي في رسالته الزينبية:
« وُلدت زينب في حياة جدها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وكانت لبيبة جزلة عاقلة، لها قوة جَنان » (4).
بهذا عُرفت زينب بنت عليّ عليه السّلام وبنت فاطمة عليها السّلام وحفيدة المصطفى صلّى الله عليه وآله. حتّى اشتهرت بأنّها تاليتها في الفضائل والمقامات المعنوية، وكان الإمام الحسين عليه السّلام أخوها ـ وهو إمام معصوم ـ يقوم لها إجلالاً إذا زارته، ويُجلسها في مكانه، كما كان يفعل رسولُ الله صلّى الله عليه وآله مع ابنته الزهراء سلام الله عليها، وذاك مۆشّر واضح على رفعة المنزلة وسموّ المكانة، وجلال القدر الذي كانت تَحظى به.
ويبلغ شأن زينب عليها السّلام أن الإمام الحسين صلوات الله عليه قد ائتمَنَها على أسرار الإمامة(5).. حتّى أوصى إليها ما أوصى قبل شهادته في كربلاء، فكانت لها نيابة خاصة عنه، وكان الناس يرجعون إليها في الحلال والحرام حتّى برئزين العابدين عليّ بن الحسين عليه السّلام من مرضه(6).
ومن هنا قيل: « يُستفاد من آثار أهل البيت جلالةُ شأن زينب الكبرى ووقارها وقرارها، بما لا مزيد عليه.. وأنّها من كمال معرفتها ووفور علمها وحسن أعراقها وطيب أخلاقها كانت تشبه أمها سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السّلام في جميع ذلك، وكذا في الخَفارة والحياء، وتشبه أباها في قوّة القلب في الشدّة، والثبات عند النائبات، والصبر على الملمّات.. وكانت المهابة الموروثة من سماتها »(7).
المصادر:
1 ـ للأديب الفاضل الشيخ حسن الحاج وهج.
2 ـ مقاتل الطالبيين، لأبي الفرج الاصبهاني 60.
3 ـ في أُسد الغابة 469:5.
4 ـ عن كتاب « زينب الكبرى »، للشيخ جعفر النقدي 45.
5 ـ إكمال الدين وإتمام النعمة، للشيخ الصدوق 275.
6 ـ إكمال الدين واتمام النعمة 275.
7 ـ رياض الأحزان وحدائق الاشجان، للمولى محمد حسن القزويني، عنه النقدي 49.