ففي مطلع شهر شباط من كل عام، يحتفل أبناء الشعب الايراني الأبي ومعه المستضعفون وكافة أحرار العالم، بذكرى فجر انتصار الثورة الاسلامية المباركة بقيادة الإمام الخميني "قدس سره" الذي سجل أعظم حركة ثورية عرفها التاريخ المعاصر، حيث تشهد ايران الإسلامية عشرة أيام من الاحتفالات والفعاليات الرسمية والشعبية، التي تشكّل فرصة لإعادة التأكيد على الإنجاز التاريخي الذي قام به الإمام الراحل، وحقّق به "حلم الانبياء" كما اكد ذلك المفكر العظيم الامام الشهيد محمد باقر الصدر.
وتشکّل "عشرة الفجر" من کل عام إستفتاءً حقیقیاً، لإرادة الشعب الذي ملأ الساحات عام ١٩٧٩، وحطّم عرش الشاه المقبور بصرخات الله اکبر لیزلزل بذلك أرکان أسیاده المستکبرین أميرکا والكيان الاسرائيلي وکل الطغاة والجبابرة لیختار الاسلام منهجاً للحکم ولیکون أسوة لکل الأباة وعشّاق الحریة، ویفتح الطریق الى القدس الشریف؛ حیث حمل منذ الیوم الاول بقوة، ودون استحیاء، شعار: "إسرائیل غدة سرطانیة لابد أن تزول".
وها هو المشهد یتکرّر في کل عام ...
إستفتاء یلبیه الملایین، رافعین شعار الإمام الخمینی : "نحن نستطیع" ، و هو شعار تحوّل الى برنامج عمل ، وضع إیران الاسلامیة – بحق - فی واجهة الأحداث العالمیة ، و حوّل التهدیدات الى فرص، لیجعل جمهوریة ايران الإسلامیة مثالاً وانموذجاً لالتفاف الشعب حول قیادته، لصیانة الحریة والإستقلال، في زمن الهیمنة والوصایة والذل والإرتهان.
وعودة لاحداث الاول من فبرایر عام 1979م انتشر في الآفاق قرار عودة الإمام إلی أرض الوطن، وبالرغم من الانتظار الطویل الذی دام 14 عاماً، ظل هاجس الحفاظ علی سلامته یشغل أذهان الشعب ورفاقه، وذلك لأن الحکومة التي فرضها الشاه کانت ما تزال تسیطر علی المراکز الحساسة والمطارات في البلاد، وکانت الأحکام العرفیة لا تزال ساریة. لکن الإمام کان قد اتخذ قراره، موضحاً لشعبه في بیاناته عن رغبته في التواجد بین صفوف الشعب الإیرانی في هذه الظروف العصیبة والمصیریة.
وأخیراً، وطأ الإمام أرض الوطن في صبیحة الیوم الأول من فبرایر عام 1979م بعد غیاب دام 14 عاماً في منفاه. وکان الإستقبال الذي حظي به الإمام من قبل الشعب الإیراني عظیماً ورائعاً لدرجة اضطرت معه وکالات الأنباء الغربیة إلی الاعتراف بأن عدد الذین خرجوا لاستقبال الإمام تراوح بین 4-6 ملایین شخص.
وتدفقت الجموع من المطار إلی "بهشت زهرا"» مقبرة شهداء الثورة الإسلامیة للاستماع إلی الخطاب التاریخي للإمام. في هذا الخطاب دوت مقولة الإمام الشهیرة: "سأشکّل الحکومة! سأشکّل الحکومة بمؤازرة الشعب!"، في البدایة لم یعبأ رئيس الحكومة آنذاك شاهبور بختیار بهذه المقولة، لکن لم تمض إلا أیام قلائل حتی أعلن الإمام عن تعیین رئیس لحکومة الثورة المؤقتة وذلك في الخامس من فبرایر 1979م.
في الثامن من فبرایر عام 1979م قامت عناصر من القوة الجویة بزیارة الإمام الخمیني في مقر إقامته فی مدرسة علوي في طهران، وأعلنت عن ولائها التام له. في هذه الأثناء کان الجیش الشاهنشاهي یوشك علی الإنهیار التامّ، حیث شهد حالات فرار وتمرد العدید من الجنود والمراتب المؤمنین وذلك امتثالاً منهم لفتوی الإمام الخمیني في ترك ثکناتهم والانضمام إلی صفوف الشعب.
في التاسع من فبرایر انتفض الطیارون في أهمّ قاعدة جویة في طهران، فأرسلت قوة من الحرس الإمبراطوري لمواجهتهم وقمعهم، فانضم الناس إلی صفوف الثوار لدعمهم ومساندتهم.
في العاشر من فبرایر سقطت مراکز الشرطة والدوائر الحکومیة الواحدة تلو الأخری بید الشعب. وهکذا تم دحر نظام الشاه، وأشرقت ـ في صباح یوم 11 فبرایر ـ شمس الثورة الإسلامیة بقیادة الإمام الخمیني، واسدل الستار علی آخر فصل من فصول الحکم الملکي السحیق المستبد.
في عام 1979م صوّت الشعب لصالح استقرار النظام الجمهوري الإسلامي وذلك في أنزه استفتاء شهدته إیران حتی ذلك التاریخ، ثم تبعتها انتخابات تدوین الدستور والمصادقة علیه ثم انتخاب نواب مجلس الشوری الإسلامي.
کان الإمام یلقي الخطب والبیانات یومیاً في مقرّ إقامته وفي المدرسة الفیضیة علی الآلاف من محبیه وذلك لتهیئة الأجواء لتدعیم أرکان النظام الإسلامي وبیان أهداف الحکومة الإسلامیة وأولویاتها، وتشجیعهم علی تسجیل حضور فاعل في جمیع المیادین.
"عشرة أیام" هي المخاض الأطول في تاریخ الثورة الإسلامیة.. الذي غیّر وجه إیران، وتغیر العالم معها.
واخيراً.. ها هم منذ أن سطع فجر إیران الاسلام، یحشّد الاستبداد لها ویجمع ویطلق ادخنته لیحجبوا، ولو قلیلا، من صفاء الفجر.. وها هو الفجر یفصح لهم في کل عام عن بعض أسراره.. ها هی إیران الاسلامیة لا تزداد إلا إیمانا وإصرارا وقوة وثباتا کالطود الأشم تسفـّه أحلام الأميرکان وأتباعهم وأذیالهم. هنا صرخ الامام: یا أیها المسلمون اتحدوا.. من هنا نظر سماحته إلى القدس فاستبشر الأقصى ودقت أجراس کنیسة القیامة.. لکنهم: لا یفقهون وأنّى لهم الذکرى.