هو عبدالكريم بن محمد جعفر اليزدي، أما لقبه ـ الحائري ـ الذي به اشتهر، فعائد إلى الحائر الحسيني في « كربلاء »، حيث أقام هناك مدّة من الزمن.
مولده ونشأته
ولد الشيخ عبدالكريم في قرية تسمى مهرجرد من قرى يزد في إيران، وذلك في العام 1276هـ الموافق 1859م.
وفي تلك القرية تعلّم القراءة والكتابة والعلوم الابتدائية، ثم توجه إلى العراق حيث كانت حواضرها قبلة العلم والعلماء ولا سيما النجف الأشرف التي كان يفد إليها طلاب العلم من المسلمين من كل حدب وصوب.
رحلته العلمية في العراق
توجّه الشيخ عبدالكريم أولاً إلى سامراء، فتتلمذ في المتون على العلامتين الميرزا إبراهيم الشيرواني والشيخ فضل الله النوري، وفي الأبحاث الخارجة على العلامة السيد محمد الفشاركي الأصبهاني.
وبعد ذلك انتقل إلى النجف الأشرف، فكانت عمدة اشتغاله على المحقق العلامة ملا كاظم الخراساني ( صاحب الكفاية ) وعليه تخرّج.
وبعد وفاة أستاذه هاجر إلى كربلاء فسكن في الحائر الشريف يلقي الدروس على جماعة من الطلبة.
العودة إلى إيران
عندما نشبت الحرب العالمية الأولى قرر الشيخ عبدالكريم العودة إلى إيران، فعرج على سلطان آباد « مركز العراق العجمي » بسعي بعض أبناء العلامة الحاج محسن العراقي ( رحمه الله )، ولم تكن له شهرة آنذاك لوجود من تقدم عليه سناً وعلماً.
وهناك تصدّى للتدريس، فتتلمذ على يديه جماعة كثيرة من الطلاب.
وفي أثناء ذلك ذهب إلى مدينة مشهد لزيارة المشهد الرضوي، فسكن فيها مدّة يسيرة.
وبحدود عام 1340هـ الموافق 1921م زار مدينة قم، فسأله أهلها أن يقيم في مدينتهم، فأجابهم إلى ذلك.
تأسيس حوزة قم الدينية
كانت الدروس الدينية في قم تقام على نحو متفرق وغير منظم، فرأى الشيخ الحائري أن ينظّم طرق التدريس ومناهجه.
وأصبح للشيخ شهرة ذائعة الصيت، ولا سيما بعد شهادة المرجع العلاّمة الميرزا محمد تقي ( رضي الله عنه ) فيه، فقد كان يثق به علماً وأخلاقاً وورعاً، وكان يأمر أهالي إيران من مقلديه بالرجوع إلى الشيخ الحائري في موارد الاحتياط في فتواه.
فتدفق طلاب العلم في إيران إلى مدينة قم، فقام الشيخ الحائري بأعباء تعليمهم وإعاشتهم مستعيناً بأساتذة تشهد لهم الساحة العلمية بتفوقهم وإخلاصهم في العلم والعمل، وكانت له طريقة جديدة في تقييم الطلاب، حازت الإعجاب والقبول عند العامة والخاصة، إذ كان يجري الامتحانات للطلاب للوقوف على مدى استيعابهم وإتقانهم العلوم التي أخذوها، وللوقوف على مدى مؤهلاتهم وكفاءاتهم، ثم يقرر لكل واحد منهم راتباً في كل شهر على حسب درجته في العلم والعمل، وغرضه من ذلك نشر المعارف الإلهية وبعث العلوم الإسلامية وتعظيم شعائر الله.
ففي عام 1353 هـ 1934م بلغ عدد الطلاب في حوزته 90 طالباً يُجري على أكثرهم الأرزاق.
المرجعية
إلى جانب التدريس لم يتوقف الشيخ عن الاستزادة من العلوم، فقد تتلمذ الحائري في قم على السيّد محمد الأصفهاني.
وبعد وفاة عدد من المراجع من الطبقة الأولى كالميرزا محمد تقي الشيرازي وشيخ الشريعة الأصبهاني، آلت إليه المرجعية في إيران، وكان موضع ثقة الخاصة والعامة.
وقال بعض الذين عاشروه: « كان الشيخ الحائري رجلاً قد مُلِئ عقلاً وكياسة وعلماً وفضلاً، وكان إذا سئل عن مسألة أو جرى بحث بحضرته في مسألة لا يتكلم حتى يفكّر ويتأمل.
الحائري وهموم الناس الاجتماعية
بنى الشيخ الحائري مستشفى في مدينة قم التي كانت تعاني الحرمان، وبذلك خفّف الشيخ عن أهل هذه المدينة المشقة والعناء في سبيل معالجة مرضاهم، كما أسس مكتبة في المدرسة الفيضية وجدّد المدارس الخربة.
وعندما انحصرت الرياسة العلمية في الشيخ الحائري، كانت الأموال تجبى إليه من أقاصي إيران، لكنه لم يكن يتصرف بها مباشرة، بل كان يضعها عند بعض التجار الثقاة ويصرفها من خلالهم على الطلبة والمحتاجين وعلى المشاريع الملحة في قم.
فقبيل عام 1353هـ 1934م، اجتاح سيل عظيم مدينة قم فأتلف دوراً كثيرة تقدر بثلاثة آلاف دار، فأرسل الشيخ الحائري إلى أنحاء إيران كافة طالبا الإعانات لأهلها المنكوبين، فجاءته الأموال من كل حدب وصوب فأودعها عند تاجر ثقة.
وشكل الشيخ لجنة من حاكم البلدة وجماعة من وجهائها، وكانت هذه اللجنة تجتمع كل ليلة برئاسته للنظر في كيفية توزيع الأموال.
والمعروف عن الشيخ أنه لم يكن يردّ فقيراً حتى ولو لم يكن لديه المال الكافي، فكثيراً ما استدان ممن حوله لأجل مساعدة الآخرين.
من مواقفه العامة
لم يُدخل الشيخ نفسَه في الأمور السياسية المباشرة، حيث وجد أن مصلحة الحوزة الفتيّة تقتضي ذلك.
وقد اشتدت وطأة « رضا شاه » على علماء الدين فزجّ عدداً كبيراً منهم في السجون، وكانت أبواقه الإعلامية تنال من سمعة رجال الدين وتُصوِّر للناس أنهم من أتباع المَلِك والمدافعين عنه وعن سياساته، فرأى الشيخ أن لا يقبض الحقوق الشرعية في آخر أمره، حتّى يسد الطريق أمام المال المرسل من قبل الشاه إلى مدينة قم، وكان هذا الأخير يقوم بذلك لتضليل الرأي العام ولإيهام الناس أن المرجعية والملكية على توافق ووئام.
وفاته
تُوفّي الشيخ الحائري عام 1355هـ الموافق لعام 1936م وقد ترك مؤلفات جليلة أهمها: درر الفرائد في الأصول، وكتاب الصلاة.
كما ترك سيرة جليلة لعالِمٍ بذل عمره في سبيل خدمة الإسلام والمسلمين.