سيرة محمد محسن الفيض الكاشاني

الجمعة 6 يناير 2017 - 03:24 بتوقيت غرينتش
سيرة محمد محسن الفيض الكاشاني

علماء - الكوثر

اسمه محمّد محسن بن الشاه مرتضى بن الشاه محمود، المشتهرَ بـ «الفَيض الكاشانيّ»؛ نسبةً إلى ( كاشان ) مدينتِه التي وُلد وتُوفّي فيها.

أمّا أُسرته، فهي أُسرة معروفة بالعلم.. أبوه كان من كبار العلماء، وصاحب خزانة كتب، وذا فضل مشهور. وأخوه نور الدين صاحب كتاب ( مصفاة الأشباح ) في الأخلاق، و ( عجائب الآفاق ). وأخوه المولى عبدالغفور فقيه فاضل. وبالجملة، كان بيته من كبار بُيوتات العلم والعمل والفضل.

نشأ في بلدة « قمّ » المقدّسة، ثمّ عاد إلى كاشان، بعدها ارتحل إلى مدينة « شيراز » للتحصيل العلميّ عند السيّد ماجد البحرانيّ.. ويوم أراد الرحيل إلى شيراز تردّد والده في الإذن له، فأحال الأمر إلى الاستخارة بالقرآن، فكانت الآية الشريفة: « فلو لا نَفرَ مِن كُلِّ فِرقةٍ منهم طائفةٌ لِيتَفقّهوا في الدِّينِ ولِيُنذِروا قَومَهُم إذا رجَعوا إليهم لَعلّهم يَحذرَون » ثمّ بعدُ تفأّلَ بالديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فجاءت هذه الأبيات:

تَغَرّبْ عنِ الأوطانِ في طلب العُلى                    وسافِر؛ ففي الأسفار خمسُ فوائدِ

: تَفرُّجُ هَمٍّ، واكتسابُ مـعـيـشةٍ             وعـلـمٌ، وآدابٌ، وصُحبةُ ماجدِ

حينها ذهب إلى السيّد ماجد البحرانيّ فأخذ عنه العلوم الشرعيّة، كذا درس العلوم العقليّة على الحكيم الملاّ صدر الدين الشيرازيّ وتزوّج ابنة استاذه هذا بعد ذلك.

وهكذا في الحديث، تتلمذ على يد السيّد ماجد البحرانيّ، وروى عن جمعٍ من الفطاحل والأعلام، منهم: أبوه مرتضى، والشيخ البهائيّ، والسيّد محمّد باقر الداماد الأسترآبادي، والشيخ عليّ الكَرَكيّ.. إضافةً إلى أُستاذَيه: السيّد ماجد البحرانيّ، والملاّ صدر الدين الشيرازيّ. فإذا بلغ « الفيض الكاشانيّ » شأناً في العلم روى عنه جماعة من العلماء الأفاضل، منهم: الشيخ محمّد باقر المجلسيّ، والسيّد نعمة الله الجزائريّ، والقاضي سعيد القمّي، وولد الفيض المعروف بـ « علَم الهدى ».

منزلته العلميّة

تُعرف من خلال نافذتين:

الأُولى: تقريرات العلماء وأهل الفضل والاختصاص والرجاليّين:

• ذكره الحرّ العامليّ في ( أمَل الآمِل ـ القسم الثاني ص 305 ) فقال: كان فاضلاً عالماً ماهراً حكيماً متكلّماً محدّثاً فقيهاً محقّقاً شاعراً أديباً، حسَنَ التصنيف.

• وذكره السيّد محمّد شفيع الحسينيّ في ( الروضة البهيّة ) قائلاً: إنّه صرف عمره الشريف في ترويج الآثار المرويّة، والعلوم الإلهيّة، وكلماتُه في كلّ باب في غاية التهذيب والمتانة، وله مصنّفات كثيرة.

• وأشاد به الميرزا حسين النوريّ في خاتمة ( مستدرك الوسائل ) فقال: من مشايخ العلاّمة المجلسيّ، العالم الفاضل المتبحّر، المحدّث العارف الحكيم.

• وفي كتابه ( جامع الرواة 42:2 ) قال الأردبيليّ: المحقّق المدقّق، جليل القدر، عظيم الشأن، رفيع المنزلة، فاضل أديب، له قريب من مئة تأليف.

• وبعد أن أورد الخوانساريّ اسم « الفيض » قال في كتابه (روضات الجنّات 79:6): وأمرُه في الفضل والفهم والنَّبالة في الفروع والأُصول، والإحاطة بمراتب المعقول والمنقول، وكثرة التأليف والتصنيف، مع جودة التعبير والترصيف، أشهر مِن أن يَخفى.

كذلك ذكره تلميذه السيّد نعمة الله الجزائريّ في بعض كتبه، والشيخ يوسف البحرانيّ في ( لؤلؤة البحرين 21 )، والشيخ عبّاس القمّي في ( الكُنى والألقاب 39:2 )، والشيخ عبدالحسين الأمينيّ في موسوعته ( الغدير 362:11 ).. فمجّدوه وأشادوا به. وأثنى عليه جمع كبير من الفقهاء والمحدّثين والمؤرّخين، كاشفين عن فضله ومكانته. وهذا لا يتّفق لكلّ عالمٍ، إلاّ إذا ذاع شأنه العلمي الرفيع.

النافذة الثانية التي تُعرّفنا على المنزلة العلميّة للفيض الكاشانيّ هي: كتبه ومؤلفاته القيّمة التي ذكر الحرّ العامليّ أكثر من ثلاثين منها، وقال الشيخ يوسف البحرانيّ: له تصانيف كثيرة أفرد لها فهرستاً على حِدة. فيما يرى الأردبيليّ في ( جامع الرواة ) أن له قريباً من مئة تأليف. أدرج منها البحرانيّ الكثير حتّى بلغ تعدادها ثماني صفحات في ( لؤلؤة البحرين )، عرض خلال ذلك معظم كتبه موضّحاً عدد الأجزاء، ومواضيع التأليف، واللغة التي ألّف بها: العربيّة أو الفارسيّة، وفي أيّة سنة انتهى من تأليفها في بعض الأحيان.

وتعدّدت الآراء في عدد كتب الشيخ الفيض، إلاّ أنّ المهمّ أن تكون نافعة وفي مختلف العلوم، متناولةً مواضيعَ مهمّة، وحاملةً آراء جديرة ومعارف عالية، تسدّ ثغراتٍ كبيرةً وعديدة في المكتبة الإسلاميّة.. نذكر منها ما اشتهر فقط:

1 ـ الصافي، في تفسير القرآن ـ 4 مجلّدات.

2 ـ الوافي ـ 15 مجلّداً.

3 ـ الشافي ـ جزءان.

4 ـ مُعتصَم الشيعة في أحكام الشريعة.

5 ـ مفاتيح الشرائع.

6 ـ التطهير ـ في الأخلاق.

7 ـ علم اليقين.

8 ـ عين اليقين.

9 ـ الحقائق ـ في أسرار الدِّين.

10 ـ الكلمات المخزونة.

11 ـ الكلمات المكنونة.

12 ـ قُرّة العيون.

13 ـ الحقّ المبين.

14 ـ ميزان القيامة.

15 ـ منهاج النجاة.

16 ـ سفينة النجاة.

17 ـ الأربعين في مناقب أمير المؤمنين عليه السّلام.

18 ـ منتخب الأوراد.

19 ـ المحجة البيضاء ـ 8 مجلّدات.

.. وغير ذلك الكثير من الرسائل الفقهيّة والعقائديّة والأخلاقية.

وكانت له عناية بالغة بالقرآن والحديث، ومسلك خاصّ في التفسير جمع فيه بين الطريقة والحديث، ومسلك خاصّ في التفسير جمع فيه بين الطريقة والشريعة، مؤلِّفاً بين الحقائق القرآنيّة التي أُسّست على أُصول الفطرة والحكمة العالية التي تنطبق على نواميس الطبيعة وعلى العرفان الصحيح الذي يلائم الفطرة والعقل، فكان تفسيراه: الصافي، والأصفى.

وقفة مع ( المحجّة البيضاء)

أصل هذا المؤلَّف هو ( إحياء علوم الدين ) لأبي حامد الغزاليّ المتوفى سنة 505 للهجرة، هذّبه المولى الفيض الكاشانيّ وجرّده ممّا يخالف مذهب أهل البيت عليهم السّلام، وأيّد مطالبه الحقّة بأخبار وروايات أئمّة أهل بيت الرسالة عليهم السّلام.

فالغزالي ـ مع تضلّعه ـ اقتحم مزاعمَ أحرجته مآزقها، كان منها ما أشار إليه الأمينيّ في كتابه ( الغدير 163:11 ـ 166 ): وكان ابن الجوزي قد جمع أغلاط الكتاب وسمّاه ( إعلام الأحياء بأغلاط الإحياء )، وأشار إلى بعض ذلك في كتابه ( تلبيس إبليس ).

وذكر الشيخ الأمينيّ كثيراً من ذلك، ثمّ قال: ومَن أمعن النظر في كثير من أبحاث (إحياء علوم الدين) يعطي الحقّ لشيخنا « الفيض » في حذفه منه أبواباً وكتباً وفصولاً برمّتها، وصفحهِ عنها، وتهذيب الكتاب منها... إلى أن قال: أمّا تهذيبه ( المحجّة البيضاء ).. وما أدراك ما المحجّة البيضاء! فقد وافق الاسمُ المسمى، وهو كتاب مكتنز بالفوائد، ممتلئ من النوادر والكلام اللطيف، مفعَم برقيق المعاني وسديد القول، يطفح بطرائف الحديث، وطوارف القرائح ومستظرفات الخواطر، وغُرر النوادر، ودرر الحِكم والآثار، تُفتّح منه أبواب من العلوم الراسخة.

• وقد علّق « الچهاردهي » قائلاً: نقل « الفيض » في كتابه ( المحجّة البيضاء ) أخباراً كثيرة عن أئمّة أهل البيت عليهم السّلام في علم الأخلاق وعلم النفس وآدابها بوجه رائق. والحقّ أنّه تفسير للقرآن وشرح لأحاديث الإماميّة، وهو يبحث بحثاً تحليليّاً في عقائد الغزاليّ وآرائه، ثمّ يشرع في نقدها وتهذيبها معتمداً في كلّ ذلك على الكتاب والسّنّة. وإذا قسنا بين الفيض والغزاليّ في فهم الكتاب الحكيم والأخبار الصادرة عن منبع الوحي، نرى تقدّمه الباهر على الغزاليّ، مع ما كان للغزالي من الشهرة العالمية واشتهار الفيض في المجتمع الشيعيّ فقط.

وفاته

وحينما بلغ الفيض الكاشانيّ الرابعة والثمانين من عمره وافاه الأجل سنة 1091 هجريّة. وكانت وفاته في مدينة كاشان بإيران، فدُفن فيها، وشُيِّدت فوق قبره قبّة وبُني مرقده الذي ما يزال موضعاً لزيارة المؤمنين وإجلالهم وترحّمهم.