الكوثر_ايران
عُقدت الجلسة المتخصصة التي تمحورت حول «التعبئة العلمية، والجهاد التربوي، والجامعة البانية للحضارة»، بحضور العميد علي محمد نائيني، المتحدث ونائب قائد قسم العلاقات العامة في حرس الثورة الإسلامية، ورجب علي برزوي، رئيس «جامعة فرهنكيـان»، ومحمد رضا مرداني، رئيس منظمة «تعبئة أساتذة الجامعات» في إيران، وعدد من نوّاب رؤساء الجامعات وأعضاء الهيئات التدريسية والعاملين في الجامعة والمنظمة، وذلك في قاعة الشهيد باهنر التابعة للجامعة المركزية لجامعة فرهنكيـان.
وخلال الجلسة، قدّم العميد نائيني التعازي بذكرى أيام استشهاد السيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، وأشاد بأسبوع «التعبئة» واستذكر شهداء إيران جميعاً، مشيراً إلى الأمر التاريخي للإمام الخميني (رض) بتأسيس «منظمة التعبئة للمستضعفين». وأضاف أنّه عند صدور أمر تشكيل «تعبئة العشرين مليوناً» لم تكن هناك آنذاك قراءة دقيقة لطبيعة التهديدات، غير أنّ الإمام الخميني، لإدراكه حقيقة التهديدات، أصدر ذلك الأمر الذي لم يُؤخذ بجدّية في حكومة مهدي بازركان ولا في فترة بني صدر، فلم تتشكل التعبئة عملياً في تلك المرحلة.
اقرا ايضا:
وأشار نائيني إلى أنّ التأسيس الرسمي للتعبئة جرى في العام الثاني من الحرب العراقية-الإيرانية، موضحاً أنّ أول تجربة ناجحة لقوة شعبية منظّمة ومؤثرة تحققت في (27 سبتمبر/أيلول 1981) خلال عملية «ثامن الأئمة».
ولفت إلى أنه لو كانت منظمة التعبئة قد تشكّلت قبل اندلاع الحرب المفروضة وتمّ تنظيمها بشكل كامل، لكان من المحتمل ألّا تُفرض تلك الحرب القاسية على إيران، إذ إنّ المقاومة الشعبية المتناثرة وغير المنظمة في محيط مدن مثل سربل ذهاب وسوسنكرد وخرمشهر كانت قد خلقت مستوى فعّالاً من الردع.
وأكد المتحدث باسم الحرس أنّ القوة الشعبية تُعدّ أحد أهم عناصر اقتدار أي نظام سياسي، مشدداً على أن الأنظمة التي لا تعتمد على شعبها تواجه خطر الانهيار.
وشدّد نائيني على دور «التعبئة» في خلق انسجام بين مختلف التيارات والطبقات والفئات الشعبية، معتبراً هذه المؤسسة ركيزة أساسية في تشكيل القوة الوطنية. وقال إنّ «التعبئة»، كسائر التشكيلات العسكرية الإيرانية، غير مُقيّدة بالجغرافيا، وتعيد صياغة معادلات القوة، وتكسر الانسدادات، وتمثل عنصراً حاسماً في تجاوز الأزمات على اختلافها.
وتطرّق نائيني إلى أبعاد «الحرب المفروضة لاثني عشر يوماً» – في إشارة إلى المواجهة العسكرية الأخيرة – مقدّماً روايات من هذه المرحلة، مؤكداً أنّ الحروب ميدان للتجربة والتقييم: اختبار لفاعلية الردع، ولجدوى الاستراتيجيات والعقائد العسكرية، ولقدرة الدول على الصمود الاجتماعي والنفسي والاقتصادي. وقال: «في الحروب، تتكشف نقاط الضعف والقوة لدى أطراف النزاع، ويُختبر تماسك أي نظام في مواجهة حرب حديثة وشاملة وخاطفة».
ولفت إلى تنوّع المقاربات في قراءة الحروب: المقاربة العاطفية-الملحمية، والمقاربة الوصفية التي تعرض الجوانب العسكرية والاقتصادية والاجتماعية، والمقاربة التفسيرية التي تبحث في الأسباب والسياقات واللاعبين الدوليين. وأضاف: «كلّ هذه المقاربات ضرورية ولكنها غير كافية. أمّا رؤيتنا في القوات المسلحة فهي رؤية قائمة على تنمية المعرفة. نحن نستخرج من قلب الحروب نظريات واستراتيجيات. ولولا تجارب الدفاع المقدّس في الحرب المفروضة التي استمرت ثماني سنوات، وتجارب محور المقاومة، لما كان ممكناً تحقيق النصر في الحرب الأخيرة الممتدة 12 يوماً».
وأشار نائيني إلى جهود بناء القوة خلال العقود الأربعة الماضية، قائلاً إنّ القوات المسلحة كانت طوال تلك السنوات في مواجهة تهديد مستمر، الأمر الذي دفع البلاد إلى تبنّي مسار «القوة الداخلية» لتحقيق الردع وكسر العدو. وأضاف: «بعد حرب الثماني سنوات صغنا عقيدة ومدرسة دفاعية شعبية، قائمة على الاعتماد على الذات وبطابع غير متماثل».
وأوضح أنّ طبيعة «الحرب غير المتماثلة» لا تشترط تماثلاً في القدرات مع العدو، بل تعتمد على تقدير نقاط القوة والتهديدات وبناء القوة بناءً عليها. وأكّد أن الحروب الحديثة كلّها تقريباً حروب غير متماثلة، وأن معيار الانتصار فيها هو القدرة على فرض الإرادة السياسية وتحقيق الأهداف المحددة.
وبيّن المتحدث أنّ الحرب المفروضة لثماني سنوات خلّفت إنجازات كبرى، من بينها الحفاظ الكامل على الأراضي الإيرانية، وتأسيس «حرس الثورة» كقوة قتالية منظمة، وتشكيل «منظمة تعبئة المستضعفين»، وتطوير القوة الصاروخية الإيرانية.
وأشار إلى التطور الكمّي والنوعي في الصناعات الدفاعية، من القدرات المدرّعة إلى تصنيع الزوارق الهجومية والطائرات المسيّرة، وتطوير منظومات التدريب والتنظيم البشري. وقال إنّ مرحلة ما بعد الحرب شهدت تركيزاً على التنسيق بين «الميدان والسياسة»، وتوحيد عمل القوات المسلحة مع الحكومة، وتعزيز القدرات الهجومية والاستخبارية، وإعداد خطط مقابلة مناسبة لكل سيناريو عدائي محتمل.
وتابع أنّ طبيعة التهديدات تغيّرت، وأنّ القوات المسلحة تواكب هذا التغيير. وأوضح: «ضمن تقييم التهديدات الجديدة، كان لا بدّ من الاستثمار في تطوير الأسلحة وإنتاج صواريخ بعيدة المدى».
وأضاف أنّ الحرب الأخيرة شهدت تنسيقاً أمنياً جيداً مع دول الجوار، مؤكداً أنّ جميع دول المنطقة أدانت على الفور «العدوان الصهيوني على إيران» من الناحية السياسية.
ثم تناول المهمتين الأساسيتين للقوات المسلحة: «إما رفع مستوى الردع لمنع الحرب، أو، إذا وقعت الحرب، السعي إلى هزيمة العدو».
وكشف نائيني أنّ متوسط أعمار العلماء في قطاع الصواريخ الإيراني هو 30 عاماً فقط، مؤكداً أنهم يسيرون على نهج الشهيد حسن طهراني مقدم ويعملون بلا توقف.
وأشار إلى أنّ العدو يتعلم باستمرار من الحروب، ويعالج نقاط ضعفه ويتجهّز للجولات المقبلة. وقال: «الهجوم الأخير كان حرباً شديدة، شاملة، خاطفة، قصيرة، ومصحوبة بمفاجأة.
لقد كان مخطط العدو دقيقاً وكاملاً ومُدرّباً عليه، وهو حصيلة جهود إسقاط الأنظمة في تجارب دولية متعدّدة. لكن خلال المواجهة تكبّد خسائر فادحة، واستُهدفت ما لا يقل عن 45 مركزاً استراتيجياً له بضربات صاروخية، ما دفعه في النهاية إلى طلب وقف الاشتباك».
وأوضح أنّ للحروب مستويين: المستوى الاستراتيجي الذي تُحدّد فيه الأهداف السياسية ومؤشرات النصر والهزيمة، والمستوى التكتيكي الذي تبرز فيه الخسائر الميدانية.
وأكد أنّ العدو أخطأ في تقدير قوة الردع والقدرة العسكرية الإيرانية. وقال إنّ العدو، نتيجة تطورات جبهة المقاومة، ظنّ خطأً أنّ عناصر الاقتدار الإيراني ضعفت، وكان هدفه نقل الحرب إلى داخل الحدود الإيرانية وإسقاط النظام. وأضاف: «في فترة قصيرة جداً، أُعيد تفعيل دورة القيادة واستعادة القوة، وشهدنا الحشود المليونية المناهضة للصهيونية في يوم عيد الغدير. كما عملت الحكومة بتناغم كامل مع القوات المسلحة. وقد كانت مرونة المجتمع الإيراني—اقتصادياً وسياسياً ونفسياً—استثنائية».
وأوضح نائيني أنّ شعور الشعب بالانتصار جسّد فشل العدو في «الحرب الإدراكية» وفي مساعي تثبيت رواية «غياب الردع الإيراني».
وأضاف أنّ العدو لا يمتلك تقديراً واقعياً لقدرات إيران وأنه لو استمرت الحرب أسبوعين إضافيين «لما بقي شيء من الكيان الصهيوني»، مستشهداً بتصريحات مسؤولين إسرائيليين يعترفون بالخسائر والفشل أمام صمود الشعب الإيراني.
وتطرّق إلى «الحرب الإدراكية والإعلامية» التي تلت الحرب ذات الاثني عشر يوماً، مشيراً إلى أنّ العدو يسعى عبر روايات محرّفة لتغيير صورة المنتصر والمهزوم، وخلق شعور بخطر حرب وشيكة بهدف زعزعة الاستقرار.
وأكّد أن القوات المسلحة اليوم أكثر جاهزية من فترة الحرب الأخيرة، وأن العمل جارٍ على رفع الجهوزية ومعالجة الأضرار. وأضاف: «نحن نؤمن بأن العدو حالياً غير قادر على خوض حرب جديدة، ويواجه أزمات بنيوية متعددة».
ورأى أنّ من المناسب عقد جلسات تفسيرية لتعزيز المعرفة والرد على الشبهات التي ظهرت خلال الحرب الأخيرة.
وردّاً على بعض الشبهات، قال: «لا جيش في العالم يستطيع الادعاء بأنه منيـع بالكامل. حتى الجيش الأميركي، رغم قوته، أنفق أكثر من 11 مليون دولار لاعتراض الصواريخ الإيرانية، لكنه لم يتمكن من اعتراض جميع الصواريخ التي استهدفت قاعدة القيادة المركزية الأميركية (سنتكام). ما يهمّ هو فرض الإرادة السياسية، وقد نجحنا في ذلك». وأوضح أن عمليات «الوعد الصادق 1» و«الوعد الصادق 2» لعبت دوراً كبيراً في اكتشاف نقاط القوة والضعف، وهو ما أسهم في نجاح عملية «الوعد الصادق 3».
وأكد أنّ الاستراتيجية الإيرانية في الحرب كانت «استخدام القوة بالقدر اللازم»، قائلاً: «طالما كان بإمكاننا هزيمة العدو بواسطة وحدة صاروخية واحدة، لم تكن هناك حاجة لتوسيع الحرب إلى جبهات أخرى».
وفي ختام حديثه، قال نائيني إنّ «القرار كان أن تقف إيران وحدها في مواجهة القيادة المركزية الأميركية (سنتكام) وحلف الناتو، وتفرض الهزيمة على العدو دون طلب العون من أي دولة»، مشيراً إلى أن الاستراتيجية الأساسية كانت «تحييد رواية إيران الضعيفة»، وهي استراتيجية «تحققت بالكامل».