الكوثر- البحرين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين.
الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا النبي العظيم وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم أيها الأخوة الكرام المجاهدون في سبيل الله.
السلام على الأمة المؤمنة التي لا تقرب لها إلا لله تبارك وتعالى.
–ذكــــرى الــشـهــيــديــن–
لخوض المعارك شروط، للمواجهة القتالية شروط، لمناطحة الباطل عبر ميادين الحرب شروط، ولكن شروط الشهادة أكثر وأكبر.
القتال يحتاج إلى روح تتحمله، القتال يحتاج إلى جسم يتحمله، القتال يحتاج إلى جرأة لا يتلكأ معها المقاتل عن المواجهة، كل هذا مطلوب للقتال، ولكن شرط الشهادة، فكر مؤمن ثاقب مدرك للحقائق، قادر على فرز ما هو أولى عما هو ليس بأولى، وإرادة قادرة على اختيار الأولى، وإرادة قادرة على تقديم الصعب على السهل إذا كان الصعب أقرب إلى الحق.
الشهادة تحتاج إلى قلب كله ضياء، كله طهر ونظافة، ليس فيه قذارات تمنع عن رؤية الله وعن حب لقاء الله تبارك وتعالى. قلب ملأته الآخرة بوعودها الإلهية الكريمة الصادقة، قلب غير مأسور بالدنيا، غير خاضع للقوة في الأرض، كل خضوعه لقوة الله تبارك وتعالى.
لا أقف طويلا وإنما تكفيني هذه الاشارة إلى ماهو الفرق الكبير بين القدرة على القتال وبين ما يتطلبه الوصول إلى الشهادة، والشهادة درجات، والشهداء على درجات، وفي كل زمان أمثلة حية شاهدة على عظمة الإسلام من الشهداء، رجال تشير عظمتهم إلى العظمة الكبرى للقادة المعصومين “عليهم السلام” -إذا أكبرنا الحاج قاسم فما موقفنا من علي بن أبي طالب “عليه السلام”؟ الحاج قاسم والحاج أبي مهدي المهندس مثالان، مصباحان مضيئان يعكسان شيئا من عظمة علي بن أبي طالب “عليه السلام”-، نقف حائرين على هذه الروحية العالية، هذا الفكر الثاقب، هذه القدرة الروحية على عبور طريق التحديات، وطريق الصعاب، وطريق الرغائب من أجل الله تبارك وتعالى.
هذا منهما ومن أمثالهما إشارة إلى أن هناك رجالا من خلق الله عز وجل لا نملك أن نصل إلى تصور عظمتهم. هذه العظمة من الدرجة الثانية، وتلك العظمة من الدرجة الأولى؛ تشهد صارخة بعظمة الإسلام العزيز العظيم.
صنع من كان علي بن أبي طالب “عليه السلام”؟ صنع ما كان علي بن أبي طالب “عليه السلام”؟ صنع ما كانت شخصية أبي مهدي المهندس والحاج قاسم رحمهما الله؟ لا صنع شيوعية ولا صنع رأسمالية ولا علمانية، إنهم صنع المخطط والمنهج الإلهي الذي يعلم تمام العلم كيف يرقى بإنسانية الإنسان وكيف يفجر إنسانية الإنسان في طاقاتها الايجابية الكريمة لتحقق وجودا إنسانيا عاليا تقف أمامه النفوس الأخرى صاغرة مستحيية أن تنظر إلى ذلك الوجود الذي يبهرها.
الشهيد من هؤلاء شاهدا وشهيد. هو شهيد بقتله في سبيل الله، وشاهد على التخلف والخلل في الأمة المحاربة له، شاهد على عظمة الإسلام، على عظمة المدرسة الإسلامية، على مدرسة المعصومين “عليهم السلام” وشخصياتهم الإلهية العملاقة التي تتجاوز تصورات أهل الأرض.
نعم.. الواحد منهم شاهد وشهيد.
ومن أين يأتي ثوابه؟
ثوابه لشهادته ذلك الذي وعده به الله تبارك وتعالى، وأوله أنهم ناجون من الموت، إنهم لا يموتون وإنما موتهم ليحيون، هم يستشهدون فرارا من الموت، لا عن انقلاب في الفطرة التي فطرهم الله عليها من كون الموت كرها، إنهم وهم يستشهدون يكرهون الموت، ويرون في الموت على غير طريق الشهادة موتا، وأن الموت عن طريق الشهادة حياة، فلذلك يعشقون الشهادة من خلال عشقهم للحياة في قرب الله تبارك وتعالى من عشقهم للحياة الإنسانية التي يرضاها الله غير آبهين بحياة هي من مستوى الحيوان.
والشهيدان العظيمان -الحاج قاسم وأبو مهدي- أقول عنهما بأنهما آيتان من آيات الإسلام المحمدي الأصيل.
اخوتي الكرام..
وما أحوج الأمة اليوم إلى المؤمنين الغيارى المستعدين كل الاستعداد إلى الشهادة والتضحية بالموقع والمال والأهل والنفس والراحة والهدوء في سبيل الله تبارك وتعالى، حيث الاستهداف الشرس الاجتثاثي للإسلام والجبهة الإسلامية عامة ولإنسانية الإنسان، ولأنه لا عزة ولا بقاء لأمة بلا شهداء، ولا ذكر لها بلا فداء، الشهداء والفداء وقود بقاء الإسلام وعزته وكرامته وسؤدده وهيبته وهيمنته، نحتاج إلى الشهداء، نحتاج إلى التربية الروحية العشاقة للشهادة، نحتاج إلى كل ما يعد لإقبال الإنسان على الشهادة من مادي ومعنوي.
وإذا كان السلوك لطريق الشهادة محتاجا إلى تربية جهادية نظرية ناجحة، فإنه حتى يتحول إلى فعل قوي بلا تردد ولا ارتجاف؛ لابد له من تربية عملية تساعد على كسر حاجز الخوف وتقضي على هيبة العدو. إن هيبة العدو إذا بقيت في الصدر منعت عن أي جهاد وعن أي مواجهة. لابد من إعداد، ومن هذا الإعداد أن تكسر هيبة العدو في صدور المؤمنين.
قبل ذلك، قبل هذا الإعداد، ومع هذا الإعداد، وبعد هذا الإعداد، لابد من قتل هادف وعي، هناك قتل واع هادف عن بصيرة، عن رؤية واضحة، عن عشق للجمال، عن تعلق بالكمال، عن معرفة بالله تبارك وتعالى، هذا قتل، وهو قتل الشهيد، وهناك قتل انفعالي، أغضب عليك وتغضب علي، كل منا يندفع لقتل الآخر، قتل أرضي على كف من عشب، كان يقتتل الرجلان العربيان فتثور بين قبيلتين، قتل دنيئ، قتل أرضي طيني، أما قتل الشهادة فلا، قتل شريف، قتل أهل الهمة العالية، أهل الرؤية الفسيحة، الرؤية الحقيقية، أهل البصيرة الواسعة، أهل النفوس الكبيرة، أهل القلوب الطاهرة العشاقة المنشدة كل الانشداد لله، لجلال الله، لجمال الله، لكمال الله، ألا ترى فرقا واسعا كبيرا؟ فرقا كما بين السماء والأرض بين القتل الجاهلي وبين القتل الإسلامي الشهادتي، بين القتل الذي يقدم عليه الشهداء وبين القتل الذي يقدم عليه أهل الشهوات والقصور والطرب والمستكبرين؟ إنه لفرق. هذا قتل يشبه قتل الملائكة لو كان لهم قتل، وذاك قتل هو قتل السباع والحشرات والقطط والفئران وما إلى ذلك، فرق بين القتلين، فإذا عشقنا القتل لا نعشق القتل البهيمي الطيني الأرضي.
–نسأل الله أن يجعلنا من عشاق القتل في سبيله، القتل الذي تحتضنه إنسانية الإنسان الكريمة المتعلقة بالله البصيرة بشيء من عظمته سبحانه وتعالى-.
وكلنا نعرف من أنفسنا أنها مفطورة على حب الحياة والتعلق بها، والحرص عليها، وطلب كل سبب من أسباب الإبقاء عليها. هل تعرف من ذلك أو لا؟ لا أدري، أما أنا فأعرف ذلك من نفسي، وبما أننا كلنا من إنسانية واحدة، وأننا فقراء في ذاتنا، وأننا لا نأمن على مصيرنا، فإننا نخاف الموت، ولنا حرص شديد على بقاء النفس في هذه الحياة التي تحتضن أجسامنا ونحتضنها بكل قلوبنا، وذلك يكبر ويكبر كلما انصرفنا عن الله تبارك وتعالى. كيف ينقلب بغض الموت إلى حب الموت؟ وكيف يحصل الانفكاك بين القلب وبين حبه للدنيا؟ كيف نصل إلى هذا؟
نعم المؤمن مفطور على حب الحياة والتعلق بها والحرص عليها، وعلى الأسباب التي تحافظ على بقائه فيها، حريص على الفرار من خسارتها، وما كره القتال -الله وصف القتال بأنه كره لكم- إلا لأنه سبب من أسباب فقد الحياة، وحينما لا نرى حياة إلا الحياة الدنيوية، ونحن نحب الحياة ونكره فراقها، والقتال سبب من أسباب فراق هذه الحياة، إذن لابد أن نخاف من القتال بحسب طبيعتنا الأولية، وبارتباطنا بالأرض وبالحياة الأرضية.
المؤمنون أغبياء؟ الشهداء أغبياء فيما يقدمون عليه من القتل؟ هل هم مخالفون للفطرة؟ للشيء الذي طبعوا عليه من حب الحياة؟ لا.. هم عشاق للحياة كما سبق، ولكنهم هم الأعرف بالحياة، وهم يقارنون بين حياة تعتبر سطحية، وتعتبر قشرية، وهي آنية ومليئة بالمعكرات، ومليئة بالمصائب والكوارث، وإذا جائت ناعمة لا تبقى، يقارنون بين هذه الحياة وبين حياة الخلد، حياة الروح والبدن، حياة القرب من الله عز وجل، حياة الاطمئنان، حياة المعرفة والادراك، الحياة التي لا ينفصلون فيها لحظة عن تذكر الله لتسعد حياتهم بهذا الذكر. تجتمع كل اللذائذ، وكل الرغائب المادية من الطيبات في الآخرة، ولكن تبقى لا تساوي شيئا أمام اللذة الروحية التي يعيشها أهل الجنة في ظل ذكر الله تبارك وتعالى. يعني هو دائما مع ذكر العلم اللامحدود، الرحمة واللطف غير المحدود، القدرة غير المحدودة، رأفة الله عز وجل، عناية الله، طمأنة الله، القلب مع هذا كله. أنت تعيش لحظة فرح روحية هنا، عمل روحي كبير تقدم عليه، أقل من هذا، مسألة رياضية تصل إلى حلها وتسعى في سبيل حلها ينسيك جوعك، وينسيك ألمك، ومن مرضى السل وغير السل فيما يحدثنا تاريخ الأشخاص من تكون لذته في الانتاج الشعري أو الانتاج الفكري الآخر، هذا على مستوى.
اللذة الروحية لا تعادلها اللذة المادية. مثل بسيط، أنت تتعذى بألذ عذاء، وجبة الغذاء مثلا، وبألذ غذاء في أي وجبة من الوجبات، يأتيك خبر وصول من يئست من حياته من أهلك، يقدر لك أن تفارق غذائك أو لا؟ يقدر لك أن يفارق هذا الخبر وبين التلذذ بالغذاء أو لا؟ لماذا؟ لأنه جائتك لذة أكبر.
تتغذى وتسمع في هذا الغذاء أن أخطر عملية أجريت لولدك، أجريت لولد أو لأب، وقد خرج من العملية ناجحا، تطير نفسك وتعاف هذا الغذاء أو لا؟ لا تقارن اللذة الروحية باللذات المادية. اللذتان -لذة الروح ولذة البدن- تجتمعان في الآخرة بلا انقطاع لحظة واحدة.
رأى الشهداء هذا، فرأوا حياتنا الدنيا ليست حياة بالقياس إلى حياة الآخرة وما تعقبه الشهادة من حياة، فهم عشقوا الحياة أو الموت؟ في الحقيقة عشقوا الحياة (…).
القتل إما في سبيل أو في سبيل الشيطان والهوى وفي سبيل الدنيا، القتل في سبيل الله فيه ادراك لغاية الحياة، والقتل في سبيل الشيطان فيه تضييع لغاية الحياة. غاية الحياة أن نسعد أو نشقى؟ غاية الحياة حسبما خلقها الله عز وجل لأن نسعد، والسعادة الكاملة ليست في هذه الدنيا إنما لا نجدها، ولا يجدها أي إنسان إلا في الآخرة.
والقتل في سبيل الله عز وجل قتل من أجل هذه الغاية، غاية الحياة الأبدية في رحاب رضوان الله تبارك وتعالى، ليسعد البدن وتسعد الروح، ليسعد البدن بوجود كل لذاته، وتسعد الروح بوجودها اللذة الكبرى، لذة القرب والأنس بالله تبارك وتعالى.
أنت عندما تحس في أي لحظة من لحظاتك بوجود حام لك لا يتخلى عنك، ولا يقوى أحد على إبطال حمايته، تخاف؟ تمر بك لحظة خوف؟ لا.. أنت مرتبط بخزانة مالية تمد دائما، تخاف من الفقر؟ طبعا عطاء الله لا ينفد، إن الشهداء قوم أذكياء، قوم بالتعبير العامي سحرة -والساحر في التعبير العامي لدينا يعني الذي يفهم كثيرا-، لا يقدمون دنيا على آخرة، ويسترخصون الدنيا أمام عظمة الآخرة، المغفل من يقاتل في سبيل الشيطان، في سبيل الطاغوت، في سبيل الشهوات، في سبيل الرغائب المادية المحرمة.
القتل إما في سبيل الله، وهو قتل فيه إدراك لغاية الحياة، وأعني بها السعادة الأبدية الأرقى، التي لا تعرف سعادة أخرى تقترب منها، وفي الدنيا لا تستطيع الحصول على سعادة فيها قرب من سعادة الآخرة، وأما القتل في سبيل الشيطان، فيه إلغاء لغاية الحياة وسقوط في قعر النار.
فالأم عليها أن لا تخاف على ولدها أن سلك طريق الشهادة، ولا تحزن عليه حين يستشهد، الزوجة إذا كانت تحب زوجها لابد أن تفرح له أن استشهد، وهكذا الأخ لأخيه وهكذا، وأن يتمنى الحي أن تكون عاقبته عاقبة هذا الشهيد أو ذلك الشهيد.
ومن أجل تربية النفس -كيف نربي أنفسنا على الاستعداد إلى الشهادة؟–
المجتمع عليه أن يربيني، وأنا على نفسي أن أربي نفسي، وأسرتي عليها أن تربيني، كل الجهات هذه عليها أن تربي الشخص الواحد على حب الشهادة، للحاجة الشهادة، حاجة بقاء الأمة، بقاء الدين، ولحاجة نيل السعادة، ولصلاح المجتمع، ولتحقق الرخاء والأمن والسلام في هذه الدنيا، وكل ما يتحقق من ذلك في هذه الدنيا؛ هو صورة صغيرة دنيئة بالقياس بما وعد الله به الشهداء في اليوم الآخر.
من أجل تربية النفس علينا أبدا أن نربي أنفسنا على حب الشهادة، وأن نحدثها -وليتنا نفعل ذلك- بخيار الشهادة صباحا مساء، لأن فيه السعادة، متذكرين أن الشهادة ليست أمرا سهلا، والتضحية التي تتطلبها الشهادة هي أكبر تضحية، وأن نطلب من الله أن يقوينا على الإقدام على مثل هذه التضحيات.
والشهادة تسهل ….. بشروطها، أليس القتل كرها كتب علينا؟ فكيف نرفع عنا كره هذا المكروه؟ الأساس هو ما سبق، وتأتي عوامل مساعدة، هذه العوامل عوامل أساس وعوامل ثانوية، بصيرة نافذة تعرف قيمة الإنسان وتعرف شيئا من عظمة الله تبارك وتعالى، بصيرة نافذة تعرف قيمة الدنيا وتعرف قيمة الآخرة، بصيرة نافذة تفرق ما بين أن أكون حيوانا وما بين أن أكون إنسانا، حياة تفرق ما بين هو فان وبين ما هو باق، بصيرة تفرق بين ما هو غني مطلق وفقير مطلق. كل من يعدك في هذه الدنيا بأنه يدعمك ويغنيك ويحميك فهو فقير في ذاته فقرا مطلقا، ضعيف مسكين مستكين، لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، ولا حياة ولا نشورا، في مقابله الله العزيز الحكيم الكامل المطلق، الغني المطلق، العالم المطلق. بصيرة لا تنسى أن تفرق بين الكامل المطلق والناقص المطلق. محتاجون إلى أن تتركز فينا هذه البصيرة من أجل أن تسهل علينا لحظة الشهادة والإقدام عليها.
لابد من تربية جهادية شخصية رشيدة، ما امتلكت، ما استطعت أن تربي نفسك تربية جهادية على مستوى الحديث النفسي، وعلى مستوى البذل في سبيل الله، وعلى مستوى معونة الضعفاء، وعلى كل مستوى فيه بذل وتضحية صغيرة، حتى نصل إلى التضحية الكبيرة وهي التضحية بالنفس. هذا دور يجب أن نمارسه ونعلم أبنائنا وبناتنا ممارسته، حتى تنفتح أمامهم شهية الشهادة، ويسهل عليهم الطريق إلى الشهادة.
لابد من تربية جهادية أسرية. إذا كانت أسرة الأمس غافلة عن هذا، فأسرة اليوم لابد أن تدرك هذا، لأن عليها أن تدرك أن الولد اليوم -في الغالب- إما مجاهد في سبيل الله، وإما مجاهد في سبيل الشيطان. إذا تركته قرب أن يكون جنديا لأمريكا ولروسيا، لأي ظالم أو لحاكم متجبر. إن تهمله، إن تتركه للخوف والفزع والنفس الضعيفة، أيضا أمكن جدا أن يقع في هذه الفخاخ. وإذا لم نعرف كيف نربي الجرأة والشجاعة في نفوس أبنائنا فالآخرون يعرفون ذلك، الآخرون لما يستحوذوا على ولدك وولدي يعرفون كيف يحولونه من إنسان جبان إلى إنسان شجاع، ومن إنسان لا يثق بنفسه إلى إنسان يثق بنفسه. هم خبراء ولديهم درسات تؤدي إلى هذا.
لابد من تربية اجتماعية رشيدة تعطي شجاعة وجرأة مكتسبة، وخبرة يحتاجها خوض معارك الجهاد.
إعداد القوة الدفاعية والجهادية
(وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم)،
والإعداد يشمل كل الأبعاد، من بعد المعرفة، بناء النفسية، بناء اليد القوية، بناء اليد الصناعية القوية، والعامل الرئيسي هو الإيمان الحق والتصديق الواضح الكبير بالله تبارك وتعالى، فحيث لا يفارق القلب ذكر الله، مع معرفة الله عز وجل، لا ترى القلب إلا قويا، ولا تراه إلا مقداما، ولا تراه إلا هاديا مهديا.
علينا أن نطهر قلوبنا حتى تصدق بوعد الله ووعيده، وأن نربي أنفسنا في مختلف أبعادها حتى تطهر وتزكو ويتم تصديقها بالله ووعده الكريم. استقرار الفكر في القلب يحتاج تطهير. هذا الفكر الإلهي لا يستقر في قلب نجس، لا يستقر في قلب ملؤه الأرجاس، في قلب مشدود إلى الدنيا، إلى زينتها، حتى إلى مباحها في استغراق فيه، كلما خف الارتباط بالدنيا استعدت النفس للارتباط بالله، وكلما اشتدادنا بالأرض خف تطلعنا بالسماء.
الاحتفاء بذكرى شهادتهم
–سموا قادة النصر- لماذا؟
قادة النصر كثيرون، وهؤلاء بخصوصهم تم تسميتهم بـ قادة النصر، لأن شهادتهم مفتاح ليقظة الأمة على قيمة الشهادة، شهادتهم بابا فتح عقول الأمة، وقلوب الأمة، وارتفع بهمة الأمة وتطلعها إلى يوم الشهادة، أعطوا الشهادة في نفوسهم قيمة عالية من حيث خطر المؤمن على الكفار وجهادهم على الكفار، ومن حيث إذا عاشت الأمة روح الشهادة وعشقتها؛ آذت الكفر وسببت الهزيمة النفسية له.
لولا خوف عظيم من الحاج قاسم وأمثاله -لأنهم مجاهدون مخلصون صادقون، أوفياء لله، مضحون بدنياهم من أجل آخرتهم، مدركون واعون لقيمة الإسلام- لولا خوفهم من الرجل وأمثاله وأبي مهدي المهندس لما نزل “ترامب” بنفسه ليخطط ويتدخل في قتلهم مباشرة.
هذا تعرفه الأمة من استهداف هذين الرجلين، وهذه الصفوة من الناس.
معرفة خطر مثل هؤلاء الرجال على الكفر وأهله، وأهميتهم في نصر الإسلام وأهله، هذا من جهة، ومعرفة الأمة الإسلامية بكبيرها وصغيرها ما لهؤلاء الرجال من معنى ومن شأن ومن فاعلية وأثر في نصر الإسلام؛ يبدأ عشقهم للشهادة في صفوف الصغار والكبار.
ما العلاقة بين الحاج قاسم وبين من يبكون في سجن البحرين يوم شهادته لمجرد سماع الخبر؟ ويبقون مدة هكذا كلما تذكروا هذا الرجل كلما ذرفت الدموع واحترقت القلوب؟ ما العلاقة بينهم وبينه؟ رابط العقيدة، رابط الإنسانية، رابط الولاية، أهل هذا الرابط كلهم اشتعلت قلوبهم وامتلكوا الجرأة على اطلاق تصريحاتهم، ووضعوا أنفسهم على أكفهم من أجل الدفاع عن الإسلام؛ فلذلك نقول عنهم هم قادة نصر، هم مفتاح نصر وقادة نصر لأن في شهادتهم إعدادا للأمة على طريق الجهاد والشهادة، وسيرى الكفر إن شاء الله من آثار هذه الشهادة أنها تسقط عروش الظالمين، وتعطي للإسلام وأمته القوة والغلبة على الضلال كل الضلال، والكفر كل الكفر.
الحاج قاسم وأبو مهدي المهندس -أعلى الله مقامهما- رجلان من البرهان على أنهما عميقان في الفهم الإسلامي، وفي روحهما الإسلامية، وفي أن صياغتهما صياغة إسلامية وإنسانية، أنهما مع البعيد إذا كان في موقف واحد مع الإسلام، على القريب إذا كان في موقف مناوئ للإسلام.
يصل من الحاج قاسم أن يعين فريقا من الروسيين في سوريا يريد أن يعبر إلى مكانه، يحجزه الجيش الأمريكي. يتقدم الحاج قاسم وفريق من أصحابه المؤمنين المتقين يفسحوا الطريق إلى الروسيين ليعبروا إلى مأمنهم.
أقول شيئا هنا، عندنا إسلام وعندنا إنسانية، الإنسانية يعني الروح الإنسانية، الايجابيات المزروعة في الإنسان من أين؟ من خلق الله، إنسانيتك في إيجابياتها كلها من عطاء الله تبارك وتعالى، الدين من عند من؟ الدين من عند الله عز وجل، الرسالات السماوية إلهية، والنفس الإنسانية أيضا قبسة من قبسات نور الله تبارك وتعالى. أليس كذلك؟
أتكون الإنسانية على طريق غير طريق الرسالة؟ لا.. أتكون الرسالة على طريق غير طريق الإنسانية؟ لا..
ما هو إنساني حقا، ما هو من صلب فطرة الإنسان وطبيعته لا يعطله الدين، لا يحاربه الدين، لا يعاديه الدين، بل يتفاعل معه الدين ويعنى به ويربيه، وما هو من الرسالة ومن صلب الرسالة، النفس الإنسانية السليمة لا يمكن أن تنفر منه، ولا يمكن أن تقاومه أو تقف في وجهه، نحن نعادي في الكفر كل ما هو خسيس وكل ما هو ساقط. إذا عادينا الكافر لا نعاديه في بعد من أبعاد إنسانيته والتي هي نوع كريم من خلق الله تبارك وتعالى، نعاديه في ماذا؟ نعاديه في خبثه، في خروجه على الإنسانية، في خروجه على رسالة الدين، خروجه على الدين خروجه عن الإنسانية، -يتحول إلى إنسان مثلي، هذا خروج على الإنسانية وفي نفس الوقت خروج على دين الله تبارك وتعالى-، فما هو خروج على الإنسانية هو الذي نعاديه، أما ما يلتقي مع الإنسانية نحن نعاديه، الفقير في بلاد الإسلام تعينه وتتصدق عليه، غريق يكاد يغرق وأنت تستطيع أن تنقذه هل يمنعك الإسلام أن تنقذه؟ الإسلام مع كل ما هو خير ولكل إنسان.
النقطة ما قبل الأخيرة..
كلنا نعيش هذا الفهم وهذا الحس وهذا الواقع، وهو أن أمريكا أرادت أن تبطل الحركة الجهادية الزاحفة، فعلا كانت الحركة الجهادية بدأت تزحف بقوة أكبر وتمتد وتتوسع بقدرة أكبر وجرأة أكبر، وإحكام أكبر، وشجاعة أكبر، هذه الارادة الزاحفة للحركة الجهادية التي انطلقت على يد البطلين الكريمين اللذين نعيش ذكرى استشهادهما ورفقتهما الكريمة، أرادت الحكومة الأمريكية أن تعطل تقدم هذا الزحف، أن تبطله بتفتيت جسديهما الطاهرين، ولكن السحر انقلب على الساحر، بأن مدت في هذه الحركة الجهادية في كل أوساط الأمة، وأفسحت لها المجال في النفوس الطاهرة، على حد المدى البعيد من حيث المكان والزمان.
استشهاد أبي مهدي المهندس، الحاج قاسم -أعلى الله مقامهما- لم يكن حدثا إيرانيا خاصا، ولا عراقيا خاصا، كان حدث الأمة. ليس حدثا للطائفة الشيعية، وإنما حدث لكل من الطائفتين الكريمتين إلا من شذ به التعصب وشذت به السذاجة وشذ به النفاق عن مسيرة الأمة، وعن مشاعر وفلك تفكير وهم الأمة.
وستبقى حركة الجهاد في توسع دائم، وتركز أشد، وامتداد أوسع وأكثر قوة وفاعلية وأكثر إيلاما لأعداء الله، وستبقى حصنا حصينا لهذه الأمة ودينها وعزتها وكرامتها ولبقاء إنسانية الإنسان، وستزداد الأمة عزا وشموخا وتقدما ببركة عطاء جبهة المقاومة التي لابد أن توسع الأمة من وجودها وتمد في قوتها، ولا تترك مجالا للنيل منها، ولا تتخلى عنها أمام كافر ومطبع وحاكم طاغوتي مستكبر.
هتاف الحضور: الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل.
هذه الصرخات ستبقى، هذه الصرخات ستقوى، لأن النفوس على طريق النمو، النفوس الأبية. إباء النفوس، وكرامة النفوس، وعزة النفوس، ووعي القلوب والأفكار، كل ذلك في نمو مطرد، وفي ظل التربية السليمة التي تقودها جبهة المقاومة، وفي مقدمتها جبهة الفقهاء.
ستبقى مدرسة الإسلام تخرج العظام من الشهداء ليكون هؤلاء المتكاملين في نفسياتهم، في شخصياتهم، شهداء -كما سبق- قوام شخصياتهم ليست روحية قتالية وشجاعة بدنية فقط، إنما مضمونهم أول ما بنى شخصيتهم بناء أو فكر متقدم وعي مدرك بشيء من جلال الله وجماله وكماله، وقلوب طاهرة وتربية سليمة، هؤلاء الشهداء كلما سقط منهم شهيد علم الدنيا وعلم هذه الأمة بالخصوص بأن إسلامك عظيم، بأن إسلامك أرقى مدرسة تخرج الإنسان الراقي القوي الشديد البأس في ذات الله. إنها المدرسة التي لا تسابقها مدرسة، ولا تلحقها مدرسة، وأن الشهداء كما يشهدون للإسلام، يشهدون بعظمة القائد الذي وعد الله به تبارك وتعالى، وهو إمام الزمان “عجل الله فرجه وسهل مخرجه”.
شهداؤنا العظام الكبار الذين نكبرهم في كل مكان، ومنهما الشهيدان، هؤلاء شموع تشير إلى الشمس الكبرى، شمس الإمام القائم “عجل الله فرجه”، وتري صورة مصغرة من نجاح الإمام القائم “عليه السلام”، وإيمانه وبسالته وحكمته ورأفته ورحمته، ومن دولته الكبرى التي تحول الدنيا إلى جنة أولية تعطي انعكاسا عن جنة الخلد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.