تاريخ عمارة المرقد العلوي المقدس تبعاً لتسلسلها الزمني (القسم الثاني)

الأربعاء 13 يوليو 2022 - 07:58 بتوقيت غرينتش
تاريخ عمارة المرقد العلوي المقدس تبعاً لتسلسلها الزمني (القسم الثاني)

أهل البيت-الكوثر: تناولنا في القسم الاول من (تاريخ عمارة المرقد العلوي المقدس تبعاً لتسلسلها الزمني) عمارة كل من "الملك محمد بن زيد الداعي الحسني" و "الأمير عبدالله بن حمدان الحمداني" و " الأمير عبدالله بن حمدان الحمداني" وسوف نستعرض عمارة عضد الدولة البويهي والعمارة الإيليخانية.

عمارة عضد الدولة البويهي:-

قام حاكم بغداد عضد الدولة البويهي (شجاع فناخسروا)، بإزالة العمارة السابقة وإنشاء عمارة فخمة بقبة بيضاء على المرقد العلوي المقدس في سنة 366هـ/976م في عهد الحاكم العبّاسي "الطائع" وستر جدران الحرم بخشب الساج المنقوش.

وعندما تُوُفَّيَ "عضد الدولة" في سنة 372هـ دُفن في المشهد المطهر- بناء على وصيته- فتم دفنه في الرواق الشرقي للحضرة الشريفة مما يلي القدمين.

  وجاء في كتاب "تاريخ النجف الأشرف" نقلاً عن الكتاب الفارسي "مجمل فصيحي" ما نصه: (في هذه السنة - أي 366هـ - تولّى عضد الدولة شجاع فناخسرو بن ركن الدولة بن بويه الديلمي الإمارة بعد وفاة والده ركن الدولة, وهي السنة التي شيّد فيها دار الشفاء في بغداد, ودار الشفاء في شيراز, وعمارة ضريح قبر علي أمير المؤمنين عليه السلام في النجف...) (1).

ويقول الشيخ محمد حسين حرز الدين في تاريخِهِ: (وأقام عضد الدولة أمام الرواق بهواً كان يجلس فيه متأدباً لقضاء الحوائج, وفي هذا البهو وتحت الرواق عُقدت حفلة حضرها الأمراء والنقباء والعلماء, وهناك ألقى الشاعر الشهير الحسين بن الحجّاج قصيدته الفائيّة الشهيرة. وأقام حصاراً فيه الغرف والإيوانات, وأنشأ داراً للضيافة, وبذل الطعام للزائرين ثلاثة أيام, وأجرى الجرايات, وبثَّ العطاء للذين ينوون الإقامة والمجاورة) (2).

ويعطينا "ابن بطوطة" في رحلته الشهيرة وصفا لعمارة عضد الدولة البويهي عندما زار النجف عام 726هـ/1325م قائلاً: (... ثم باب الحضرة حيثُ القبرُ الذي يزعمون أنّه قبرُ عليّ عليه السلام, وبإزائه المدارس والزوايا والخوانق معمورة أحسن عمارة, وحيطانها بالقاشاني, وهو شبه الزّليج عندنا لكن لونَه أشرقُ ونقشَه أحسنُ.

ويُدخل من باب الحضرة إلى مدرسة عظيمة يسكنها الطلبة والصوفية من الشيعة, ولكل وارد عليها ضيافة ثلاثة أيّام من الخبز واللحم والتمر مرّتين في اليوم, ومن تلك المدرسة يُدخلُ إلى باب القبّة, وعلى بابها الحُجّاب والنقباء والطواشيّة, فعندما يصل الزائر يقومُ إليه أحدهم أو جميعهم وذلك على قدر الزائر, فيقفون معه العتبة, ويستأذنون له, ويقولون: عن أمركم يا أمير المؤمنين هذا العبدُ الضعيف يستأذن على دخوله الروضة العليّة فإنْ أذنتم له وإلاّ رجع, وإنْ لم يكن أهلاً لذلك فأنتم أهلُ المكارم والستر, ثم يأمرونه بتقبيل العتبة وهي من الفضّة وكذلك العضادتان, ثمَّ يدخل القبّة وهي مفروشة بأنواع البُسط من الحرير وسواه, وبها قناديل الذهب والفضّة, منها الكبارُ والصغارُ, وفي وسط القبّة مسطبةٌ مربّعة مكسوّة بالخشب عليه صفائح الذهب المنقوشة المُحكمة العمل, مُسَمّرة بمسامير الفضّة, قد غلبت على الخشب بحيث لا يظهر منه شيء, وارتفاعُها دون القامة, وفوقها ثلاثةٌ من القبور يزعمون أنَّ أحدها قبرُ آدم, عليه الصلاة والسلام, والثاني قبرُ نوح, عليه الصلاة والسلام, والثالث قبرُ عليّ, رضي الله تعالى عنه. وبين القبور طُسوت ذهب وفضّة فيها ماء الورد والمسك وأنواع الطيب يَغمس الزائر يده في ذلك ويدهن به وجهه تبركاً. وللقبّة بابٌ آخر عتبته أيضاً من الفضّة وعليه ستور من الحرير الملوّن يُفضي إلى مسجد مفروش بالبُسط الحسان مستورة حيطانُه وسقفُه بستور الحرير, وله أربعة أبواب عتباتها فضّة وعليها ستور الحرير. وأهل هذه المدينة كلّهم رافضيّة) (3).

 العمارة الإيليخانية

بقيت عمارة المرقد العلوي التي أنشأها عضد الدولة لفترة طويلة الى أن احترقت في سنة 755هـ, ويبدو ان اشتعال الستور الحريرية التي كانت تغلف جدران الحرم المطهر يومئذ بفعل شموع الإضاءة كانت هي السبب في حدوث الحريق الذي أتى على البناء برمته. عندها انبرى الأمير حسن بن نويان الجلائري وهو من الأسرة الإيليخانية التي حكمت العراق بإعادة بناء المرقد المطهر في سنة 755هـ/1354م, واستمر العمل لمدة خمس سنوات الى أن اكتملت العمارة الجديدة في سنة 760هـ/1358م. وتوفي الشيخ حسن الجلائري سنة 757هـ في بغداد, ونُقل إلى النجف ودُفن في المقبرة الإليخانية في الصحن الشريف. وقد اكتملت هذه العمارة في سنة 760هـ في عهد ولده الأمير أُوَيس الجلائري.

قال الشيخ جعفر محبوبة: (قلتُ ويظهر من تتبع أحوال الإيلخانيين وما أوجدوه في حكومتهم من الأبنية والعمارات من مدارس ومساجد ورباطات وقنوات في النجف وغيرها انَّ هذه العمارة لهم, فإنَّ للشيخ حسن آثار جليلة في النجف وكربلاء فنعتقد انَّ هذه العمارة لهم وفي عصرهم حدثت) (4).

الهامش:

----------------

[1]. تاريخ النجف الأشرف: 2/ 91.

[2]. المصدر السابق: 2/ 93.

[3]. رحلة ابن بطوطة: 176-177.

[4]. ماضي النجف وحاضرها: 1/ 47.

إقرأ أيضا: تاريخ عمارة المرقد العلوي المقدس تبعاً لتسلسلها الزمني (القسم الاول)

 

 

سوف نستعرض في الحلقة اللاحقة العمارة الصفوية للمرقد العلوي المقدس .