قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز: {خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} (سورة التغابن المباركة، آية 3).
صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ
قوله تعالی: «خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ».
1- المراد بالحق خلاف الباطل وهو خلقها من غير غاية ثابتة وغرض ثابت كما قال: «لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا»: "الأنبياء: ١٧"، وقال: «وَ ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ»: الدخان: ٣٩.
2- وقوله: «وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ» المراد بالتصوير إعطاء الصورة وصورة الشيء قوامه ونحو وجوده كما قال: «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ»: "التين: ٤" ، وحسن الصورة تناسب تجهيزاتها بعضها لبعض والمجموع لغاية وجودها، وليس هو الحسن بمعنی صباحة المنظر وملاحته بل الحسن العام الساري في الأشياء كما قال تعالی: «الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ»: "الم السجدة: ٧".
3- ولعل اختصاص حسن صورهم بالذكر للتنبيه علی أنها ملائمة للغاية التي هي الرجوع إلی الله فتكون الجملة من جملة المقدمات المسوقة لإثبات المعاد علی ما تقدمت الإشارة إليه، وبهذه الآية تتم المقدمات المنتجة للزوم البعث ورجوع الخلق إليه تعالی، فإنه تعالی لما كان ملكا قادرا علی الإطلاق، له أن يحكم بما شاء ويتصرف كيف أراد، وهو منزه عن كل نقص وشين محمود في أفعاله، وكان الناس مختلفين بالكفر والإيمان وهو بصير بأعمالهم، وكانت الخلقة لغاية من غير لغو وجزاف، كان من الواجب أن يبعثوا بعد نشأتهم الدنيا لنشأة أخری دائمة خالدة فيعيشوا فيها عيشة باقية علی ما يقتضيه اختلافهم بالكفر والإيمان وهو الجزاء الذي يسعد به مؤمنهم ويشقی به كافرهم.
4- وإلی هذه النتيجة يشير بقوله: «وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ».
المصدر: تفسير الميزان