فَتَرَی الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشی أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَی اللَّـهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلی ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ (٥٢) سورة المائدة
مرض القلوب و صحتها.
1- في قوله تعالی: «فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ» دلالة علی أن للقلوب مرضا فلها لا محالة صحة إذ الصحة و المرض متقابلان لا يتحقق أحدهما في محل إلا بعد إمكان تلبسه بالآخر كالبصر و العمی أ لا تری أن الجدار مثلا لا يتصف بأنه مريض لعدم جواز اتصافه بالصحة و السلامة.
2- و جميع الموارد التي أثبت الله سبحانه فيها للقلوب مرضا في كلامه يذكر فيها من أحوال تلك القلوب و آثارها أمورا تدل علی خروجها من استقامة الفطرة، و انحرافها عن مستوی الطريقة كقوله تعالی: «وَ إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّـهُ وَ رَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً»: (الأحزاب: ١٢) و قوله تعالی: «إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ»: (الأنفال: ٤٩) و قوله تعالی: «لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ»: (الحج: ٥٣) إلی غير ذلك.
3- و جملة الأمر أن مرض القلب تلبسه بنوع من الارتياب و الشك يكدر أمر الإيمان بالله و الطمأنينة إلی آياته، و هو اختلاط من الإيمان بالشرك، و لذلك يرد علی مثل هذا القلب من الأحوال، و يصدر عن صاحب هذا القلب في مرحلة الأعمال و الأفعال ما يناسب الكفر بالله و بآياته.
4- و بالمقابلة تكون سلامة القلب و صحته هي استقراره في استقامة الفطرة و لزومه مستوی الطريقة، و يئول إلی خلوصه في توحيد الله سبحانه و ركونه إليه عن كل شيء يتعلق به هوی الإنسان، قال تعالی: «يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَی اللَّـهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ» (الشعراء: ٨٩).
تفسير الميزان