نشأته:
ولد غياث الدين أبو الفتوح عمر بن إبراهيم، في مدينة نيسابور، في إیران في أواخر النصف الأول من القرن الحادي عشر للميلاد. ما بين 1038 و1048م . “الخيام” هو لقب والده، حيث كان يعمل في صنع الخيام.
وكان أثناء صباه يدرس مع صديقين حميمين، وتعاهد ثلاثتهم على أن يساعد من يؤاتيه الحظ الآخرين، وهذا ما كان. فلما أصبح صديقه نظام الملك “وزيراً للسلطان “ألب أرسلان”، ثم لحفيده “ملكشاه”، خصص له راتباً سنوياً يتقاضاها من بيت المال كل عام، من خزينة نيسابور؛ فضمن له العيش في رفاهية مما ساعده على التفرغ للبحث والدراسة. وقد عاش معظم حياته في نيسابور وسمرقند.
وكان النيسابوري يتنقل بين مراكز العلم الكبرى مثل: بخاري وبلخ وأصفهان، رغبة منه في التزود من العلم ، وتبادل الأفكار مع العلماء.
من أساتذته : أبو الحسن الأنباري الحكيم كان حكيماً، والغالب عليه علم الهندسة، وكان الحكيم عمر الخيام يستفيد منه.
ومن اهم تلاميذه: أبو المعالي عبد الله بن محمد الميانجي وعلي بن محمد الحجازي الطبيب الذي كان مقيما في ” بيهق ” بقرب نيسابور، له علم بالمعقولات.
ويعتبر الخيام النيسابوري واحدا من الشعراء الفلاسفة الكبار، الذين تركوا أصداء مدوية في أرجاء العالم المحتفي بالفن والفكر والتأمل.
وبالرغم من أنه يشهد للخيام بالألمعية في علوم الرياضيات والفلك والنجوم؛ فإن شهرته أتت من رباعياته التي نظمها باللسان الفارسي، وانداحت على ألسنة أقوام شتى، جعلت منه فارسيا يتحدث ويغني بكل لغات العالم ، ويدخل معه الآلاف محراب الشك واليقين ، الذي مازال قائما بعد رحيله منذ ألف سنة.
وبلغت شهرة الخيام ذروتها بمقطعاته الشعرية ” الرباعيات ” نظمها شعرا بالفارسية، وترجمت إلى العربية واللاتينية والفرنسية والانكليزية والالمانية والايطالية والدنمركية وغيرها.
وعرف قدره في أيامه، فقربه الملوك والرؤساء. وكان السلطان ملكشاه السلجوقي ينزله منزلة الندماء، والخاقان شمس الملوك ببخارى يعظمه ويجلسه معه على سريره.
إسهاماته العلمية:
ورغم شهرة الخيام بكونه شاعرا، فقد كان من علماء الرياضيات في عصره، واشتهر بالجبر، واشتغل في تحديد التقويم السنوي للسلطان ملكشاه، والذي صار التقويم الفارسي المتبع إلى اليوم.
وهو أول من اخترع طريقة حساب المثلثات ومعادلات جبرية من الدرجة الثالثة بواسطة قطع المخروط، وهو أول من أستخدم الكلمة العربية “شي” التي رسمت في الكتب العلمية الإسبانية (Xay) وما لبثت أن استبدلت بالتدريج بالحرف الأول منها “x” الذي أصبح رمزاً عالمياً للعدد المجهول، وقد وضع الخيام تقويما سنوياً بالغ الدقة، وقد تولى الرصد في مرصد أصفهان.
وحلَ معادلات الدرجة الثانية بطرق هندسية وجبرية. كما نظم المعادلات وحاول حلها كلها، ووصل إلى حلول هندسية جزئية لمعظمها. وقد بحث في نظرية ذات الحدين عندما يكون الأس صحيحاً موجباً، ووضع طرقاً لإيجاد الكثافة النوعية.
ولم ينبغ الخيام في الرياضيات فحسب، بل برع أيضاً في الفلك. وقد طلب منه السلطان “ملكشاه” سنة 467هـ/1074م مساعدته في تعديل التقويم الفارسي القديم. وجعلوا النيروز عند نزول الشمس، أول الحمل. وكان النيروز قبل ذلك عند نزول الشمس نصف الحوت. ويقول “سارطون”: إن تقويم الخيام، كان أدق من التقويم الجريجوري.
وقام الاتحاد الدولی للمنجمین IAU بتسمیة ثقب فضائي یبعد ملیارات السنین الضوئیة عن الارض باسمه وذلك في العام 1980 تثمنیا لخدمات خیام في عالم التنجیم.
مقبرة الشاعر في نيسابور
مؤلفاته:
للخيام عدة مؤلفات في الرياضيات والفلسفة والشعر، وأكثرها بالفارسية. وقد كتب الحكيم عمر الخيام رسالة عن النيروز بالفارسية، عنوانها (نوروز نامه) وطبعت سنة 1330 بطهران.
كتبه منها :
“شرح ما أشكل من مصادرات كتاب أقليدس” .
“الاحتيال لمعرفة مقداري الذهب والفضة في جسم مركب منهما”، وفيه طريقة قياس الكثافة النوعية.
“مقالة في الجبر والمقابلة” .
“الخلق والتكيف ” بعث به إلى القاضي أبي نصر النسوي.
و ” رسالته جوابا لثلاث مسائل ” في أربع ورقات، في المجموع 1933 بخزانة أسعد أفندي باستنبول، وصفها الميمني بأنها جليلة ملوكية.
و ” رسالة في الموسيقى ” ثلاث ورقات، في معهد المخطوطات.
ونصبت العدید من التماثیل له في الكثیر من مدن العالم ومنها موسكو ومدرید ونیویورك وفینا وبوخارست واستاراخان الروسیة وارمينیا والبوسنة.
مقبرة خيام النيسابوري
رباعيات الخيام:
الرباعيات هي عبارة عن مقطعات من أربعة أشطار، الشطر الثالث مطلق بينما الثلاثة الأخرى مقيدة، وهي تعرف باسم الدوبيت ( دوبيتى ) بالفارسية، وقد ألفها بالفارسية. كان في أوقات فراغه يتغنى برباعيات في خلوته، وقد نشرها عنه من سمعها من أصدقائه، وبعد عدة ترجمات وصلت لنا كما نعرفها الآن.
تم ترجمة رباعیاته الى الكثیر من لغات العالم ومنها الانجلیزیة والفرنسیة والالمانیة والروسیة والاسبانیة و التركیة و العربیة وغیرها وان اكثر ترجمة للاشعار الفارسیة هي للشاعر خیام وهناك اكثر من 80 ترجمة باللغة العربیة لرباعیاته .
أما الترجمة العربية من الفارسية فقام بها الشاعر المصري أحمد رامي، وهناك ترجمة أخرى للشاعر العراقي أحمد الصافي النجفي، ووديع البستاني اللبناني، إبراهيم العُريض البحريني، مصطفى وهبي أردني، محمد صالح القرق إماراتي، عباس محمود العقاد المصري.
ويزيد عدد الترجمات العربية من رباعيات الخيام عن ستين ترجمة شعرية ونثرية وشعبية. وآخر من قام بترجمة شعرية هو محمد صالح القرق الإماراتي، طبع الطبعة الأولى سنة 1429ه ــ 2008م.
ان اشعار خیام وبعد اكثر من ثمانیة قرون على وفاته لازالت موجودة وبقوة في الغرب بحیث یمكن اعتباره كأفضل شاعر ادبي عرفه العالم على الاطلاق بحیث كتب المؤلف البریطاني المرموق ' رابرت غریوز' (ان الشعر الفارسي من افضل الاشعار عالمیا) .
ومن رباعياته :
صاحب من الناس كبار العقول
واترك الجهال اهل الفضول
واشرب نقيع السمِ من عاقلِ
واسكب على الأرض دواء الجَهول
وقال ايضا :
إن لم اكن اخلصت في طاعتك
فإني اطمع في رحمتك
وإنما يشفع لي أنني
قد عشت لا اشرك في وحدتك
وفاته:
وتوفي في نيسابور ما بين 1123 و1124م ودفن في مدينة نيشابور التي هي إحدى ضواحي مدينة مشهد المقدسة شرق ايران، ومرقده اليوم على هيئة متحف باسم خيام في وسط حديقة جميلة زاخرة بالأشجار الخضراء الباسقة بحيث يمكن اعتبارها واحدة من أجمل المناطق في مدينة نيشابور، لذلك يقصدها الكثير من السائحين سنوياً ولا سيما في فصلي الربيع والصيف.