وجاء في بيانا له :
*الإخلاص يُنجِب القادة*
عَنْ أبي عَبْدِ اللهِ عليه السلام في قَوْلِ اللهِ تَعالى: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا﴾1، قال عليه السلام: "ليس يعني أكثركم عملاً ولكن أصوبَكم عملاً. وإنّما الإصابة خشية الله والنِّيَّة الصادقة."
لعل الكثير شاهد أو استمع الى خطابات الشهيد الجنرال قاسم سليماني وكذلك الشهيد ابو مهدي المهندس و التي نستلهم منها و من خلال التجارب العملية التي عاشها هؤلاء المقاومون الصادقون الدروس العميقة في فكر المقاومة و التي تجعلنا نقف حائرين أمام بلوغهم لكل تلك الكمالات. و ذلك لا يكون طبعا إلا من خلال قربهم من الله وبعدهم عن هذه الدنيا التي اغتر بها آخرون.
إن التجلي الواضح للصفات الإلهية تمثَل حقيقةً في هؤلاء الشهداء من دون استئذان. وخير مثال على ذلك هو ذلك الخطاب الإستثنائي الذي أقسم فيه الحاج قاسم سليماني بالله العظيم أنه إذا ما استشهد على يد أحد من هؤلاء الذين يترصدونه بالقتل من العرب- المقصود هنا التكفيريون و الدواعش - فإنه سيشفع لقاتله منهم يوم القيامة.
إن مثل هذه الكلمات وهذا الخطاب يذكرنا بما رواه المؤرخون عن أبي عبد الله الحسين عليه السلام يوم العاشر فقد رُوِى أن الحسين عليه السلام كان يبكي يوم عاشوراء، فاستغرب أصحابه وقالوا: ما يبكيك يا سيد شباب أهل الجنة؟! قال: ”ما بكيتُ لنفسي. أبكي على هؤلاء القوم؛ يدخلون النار بسببي“.
هذه الرأفة والبعد الأخلاقي الكبير استمده الإمام الحسين أيضا من خُلق جده رسول الله عليه افضل الصلاة و أزكى السلام وهو ما نجده في قول الله عز وجل: ﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ فالأخلاق سلسلة انبثقت من الإسلام المحمدي الأصيل وصولا الى مدرسة الإمام الخميني واكبر منجزاتها على الإطلاق، بل استطيع القول انها من اهم أسرار النجاح لهذه الثورة دون غيرها من الثورات.
هذه القيمة الأخلاقية قل نظيرها في عالمنا اليوم ولعل الجميع يستغرب ذلك، ولكن هذه اللغة الفريدة بالفعل هي ما أعطت هذه الشخصيات أبعادا مختلفة في هذه الحرب، والتي هي بالدرجة الأولى حربا على الأخلاق والقيم المتمثلة في كيان الشيطان الأكبر. فالإخلاص في عمل هؤلاء القادة لا يأتي إلا من خلال امتلاكهم لتلك الملكات العظيمة والقلب السليم والمسلم لله عز وجل.
فقد ورد في الحديث الشريف المنقول عن الكافي بسنده إلى سفيان بن عيينة قال: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾. قال: القَلْبُ السَّليمُ الَّذي يَلْقَى رَبَّهُ وَلَيْسَ فِيهِ أحَدٌ سِواهُ قال: "وَكُلُّ قَلْبٍ فيهِ شِرْكٌ أوْ شَكٌّ فَهُوَ ساقِطٌ وَإِنَّما أرادَ بِالزُّهْدِ فِي الدُّنْيا لِتَفْرَغَ قُلٌوبُهُمْ لِلآخِرَةِ" فالخطوة الأولى نحو الله، تتمثّل في ترك حبّ النفس وهذا مقياس السفر إلى الله، إذ لم يكن التكبر صفة لهم بل كان لباسهم التقوى والتواضع ولا يجد احد منهم نفسه أعلى رتبة من الآخر بل كان كل واحد فيهم يصف نفسه بالجندي الصغير والخادم أمام الآخر. فهم من النموذج الأسمى والارفع في زماننا في ايضاح هذه القيم الرفيعة والعملية على أرض الواقع فقد كانوا بحق مصداقا حقيقيا لما تضمنته هذه الآية الكريمة: ﴿وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمً﴾13.
وعلى الرّغم من الحديث الكثير عن الإخلاص والتفاني في ذات الله، فإنّ إخلاص هؤلاء الشهداء كان أسمى من أن تعبر عنه هذه الكلمات لأنها لا تستطيع أن توضح عظمتهم ومقامهم. فكل فرد منا ينظر إليهم بعين الغبطة لقربهم من الله عز وجل وحصولهم على هذا المقام الرفيع إلا وهو مقام الشهادة. ومحبة الله التي تجلت في عباده، كانت كفيلة لإخراج كل هذه الملايين من الناس لتشييعهم وهذا إن دل إنما يدل عن صدقهم مع الله لذلك نجد انعكاسه في هذا التشييع المهيب والذي كان بحق تشييعا استثنائياً يستحقونه. خرجوا إلى الحقّ في رحلة معنوية قل نظيرها ثم ادركهم الفناء التام فكان أجرهم على الله تعالى.
اسال الله العظيم أن يحشرنا معهم وان يتغمدهم بواسع رحمته وأن يلهم قائد الثورة الإمام الخامنئي وأهلهم وذويهم الصبر والسلوان.