تشهد منطقة الخليج الفارسي وتحديداً مضيق هرمز حالة من التصاعد المتبادل بين إيران وبريطانيا من جهة على خلفية أزمة ناقلات النفط وبين ايران والولايات المتحدة من جهة اخرى بسبب تدخلات الاخيرة في شؤون دول المنطقة ومحاولتها فرض إملاءاتها على هذه الدول.
القوة البحرية التابعة للحرس الثوري الايراني، أقدمت يوم الجمعة الماضي على احتجاز ناقلة "ستينا إيمبيرو" البريطانية في مضيق هرمز واقتادتها الى ميناء بندر عباس بسبب انتهاكها لقانون البحار الدولي، بعد ان دخلت ممرا لزوارق الصيادين ورفضت الانصياع لتوجيهات ادارة الموانئ الايرانية.
الحادث جاء بعد ان احتجزت وحدات من مشاة البحرية البريطانية في 4 يوليو/ تموز الماضي الناقلة الايرانية "غريس 1"، أثناء إبحارها في مضيق جبل طارق بطلب من الولايات المتحدة، بزعم أن السفينة تنقل شحنات نفط إلى سوريا.
وفي خطوة تصعيدية اعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، أن واشنطن تعمل على بناء تحالف بحري في الشرق الأوسط، قال إنه يرمي إلى حماية الملاحة البحرية، مشيرا إلى أنه سيشمل دولا من جميع أنحاء العالم.
اليابان كانت أول دولة أبدت معارضتها لتشكيل التحالف حيث أعلنت أنها لا تنوي الانضمام الى التحالف البحري الذي اقترحته الولايات المتحدة.
وقال كبير أمناء مجلس الوزراء الياباني يوشيهيدي سوجا إن طوكيو لا تدرس إرسال قوات الى التحالف الأمريكي. موقف يوشيهيدي جاء تأكيدا على ما اعلنه رئيس الوزراء شينزو آبي في وقت سابق، بأن اليابان ترغب في تحقيق ما تراه دورا فريدا في الحد من التوتر قبل اتخاذ قرار بشأن الانضمام إلى التحالف البحري.
وبينما غردت بريطانیا الحليف التقليدي لامريكا خارج السرب واعلنت على لسان وزير خارجيتها جيرمي هانت ان بلاده تسعى لتشكيل قوة خاصة لضمان الملاحة في مضيق هرمز بقيادة أوروبية، اكدت كل من قطر والكويت ضرورة احتواء الأحداث الأخيرة في مضيق هرمز، وإيجاد مخرج سلمي للأزمة المتصاعدة.
وتفاقم التوتر منذ مايو/ ايار الماضي، في منطقة الخليج الفارسي مع سلسلة هجمات مشبوهة استهدفت ناقلات نفط اجنبية وعربية في مياه الخليج الفارسي وبحر عمان. وتحوم الشبهات بحسب العديد من المراقبين والمحللين حول وجود مخطط خطير دبرته الادارة الامريكية بمساعدة صقورها المتطرفين من امثال جون بولتون مستشار الامن القومي في البيت الابيض ومايك بومبيو وزير الخارجية الامريكي بهدف زعزعة امن الملاحة البحرية لتبرير توجه ادارة ترامب نحو تعزيز التواجد الامريكي وزيادة اعداد جنودها في المنطقة بذريعة حماية البلدان الخليجية وابتزاز حكامها.
وكان الرئيس الامريكي دونالد ترامب قد كشف في كلمة أمام حشد انتخابي بولاية منيسوتا في 4 أكتوبر/تشرين الاول الماضي، انه طلب خلال اتصال هاتفي من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بدفع مزيد من الاموال مقابل الحماية الامريكية لبلاده.
وفي تجمع انتخابي آخر بولاية مسيسيبي في 2 أكتوبر، قال ترامب إنه حذر ملك السعودية من أنه لن يبقى في السلطة "لأسبوعين" دون دعم الجيش الأمريكي.
المخطط الامريكي ظهرت معالمه عندما تعرضت للمرة الأولى، أربع ناقلات نفط في 12 مايو/ ايار في بحر عمان على مقربة من مرفأ الفجيرة الإماراتي. فيما جاءت الجولة الثانية من الهجمات التي شُنّت في 13 يونيو/حزيران لتصعّد الأمور، حيث تعرضت سفينة يابانية تحمل مادة الميثانول وأخرى نرويجية تحمل النافتا إلى هجمات في بحر عمان.
وقام مسؤولون أمريكيون وسعوديون بتوجيه اصابع الاتهام لإيران واطلقوا مزاعم حول تورطها في الهجمات، الامر الذي نفته ايران جملة وتفصيلا.
وفي هذا السياق وعلى خلفية التوترات التي تشهدها المنطقة، ترددت أنباء عن إرسال 500 جندي امريكي الى قاعدة الامير سلطان الجوية القريبة من العاصمة السعودية الرياض،
في البداية كان الكشف عن وجود عمليات تطوير وتحديث البنية التحتية لقاعدة الامير سلطان الجوية قرب الرياض ووصول مئات الجنود الامريكيين اليها عن طريق الاقمار الصناعية ووسائل الاعلام الامريكية ومنها قناة سي ان ان.
لكن بعد افتضاح امر تحويل قاعدة الامير سلطان الجوية الى قاعدة امريكية لم يعد بالامكان إخفاء هذا الحدث المهم حيث اعترف الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بانه وافق على استقبال جنود امريكيين على الاراضي السعودية تحت ذريعة حماية امن واستقرار المنطقة.
الملفت في الحدث انه جاء تحت عنوان مواجهة "التهديدات الايرانية" ولكن القرائن تشير الى ان ما يجري هو عملية حلب ممنهجة للخزينة السعودية.
وبعد انسحاب الامارات من تحالف العدوان على اليمن الذي تحول الى فرصة ذهبية لامريكا ان تستغل فظع وهلع السعوديين من الضربات الدقيقة للجيش واللجان الشعبية في اليمن على المراكز الحيوية والاستراتيجية في السعودية، تؤكد جميع التقارير ان ترامب وبدون ان يدفع فلسا واحدا نجح في بناء قاعدة امريكية ضخمة على ارض الحرمين الشريفين قد تجعل امريكا في غنى عن القواعد الموجودة في المنطقة.
رئيس وزراء قطر السابق، حمد بن جاسم آل ثاني، قال إنه "فوجئ" بسعي بعض دول الخليج الفارسي لتأمين المنطقة عبر القوات الأمريكية، متسائلا حول مبرر هذا الموقف.
بن جاسم قال في سلسلة تغريدات له على "تويتر": "اعتقدنا أن الدول الكبرى في منطقتنا تستطيع أن تؤمّن الخليج (الفارسي) وممراته المائية، فوجئنا بأن هذه الدول ترمي هذه المهمة على الدول الكبرى لتأمين ممر الخليج (الفارسي) بصفته ممر دولي وأنا لا اعترض على ذلك بل هذه هي الحقيقة، حيث بدأت هذه الدول تعيد القوات الأمريكية إليها".
بالطبع العقلاء من دول العالم والمنطقة فهموا اللعبة الامريكية والمؤامرات التي تحيكها ادارة ترامب لزعزعة الامن في منطقة الخليج الفارسي. ومن هنا أكدت اليابان عدم مشاركتها في التحالف البحري المزعوم كما اكدت كل من قطر والكويت ضرورة إيجاد مخرج سلمي للأزمة المتصاعدة.
ورغم الاصرار الامريكي على خلق التوتر ليكون منفذا في حلب اكثر لمقدرات دول منطقة الخليج الفارسي وشعوبها الا ان هناك جناحا قويا من بعض دول المنطقة والقوى الاقليمية يرى ان "اهل مكة ادرى بشعابها"، وهذا ما اكدت عليه ايران مرارا على لسان قادتها العسكريين فهي بالفعل قادرة على الحفاظ على امن مضيق هرمز واستقرار المنطقة وهذا ما أثبتته امام الخروقات الامريكية.