ليس في تاريخ الأدباء والحكماء كتاريخ أهل البيت (عليهم السلام)، حيث إنهم أثروا العالم الإسلامي والإنساني بروائع آدابهم وحكمهم، ومن عظيم قدرها وإبداعها وروعتها يكتبها الناس أحياناً بماء الذهب ثم يحتفظون بها.
والإنسان مفطور على حب العلم والأدب والحكمة، وكلما كانت الحكم رصينة ورائعة كلما انشد إليها أكثر، ولهذا رأى الناس في روائع نهج البلاغة للإمام علي (عليه السلام) ما يغنيهم عن الرجوع لغيره من الحكماء، كسقراط وبزرجمهر وهلم جراً.
ولا غرابة أن يكون للأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) هذه الجواهر الثمينة في الأدب، والروائع العظيمة في الحكمة، وهم خريجو مدرسة الثورة، وربائب الرسالة والوحي.
ومن هذه الأنوار العلوية والأزهار الهاشمية، نور أضاء سناه وعلاه، وتضوع مسكه وشذاه، نور الإمام الرضا (عليه السلام) وعطره وطيبه وزهره.
وإليك بعض الروائع الأدبية والحكمية من أقواله (عليه السلام):
۱ـ سأله رجل عن قول الله عز وجل: ومن يتوكل على الله فهو حسبه؟
فقال (عليه السلام): التوكل درجات منها: أن تثق به في أمرك كله، فما فعل بك كنت راضياً، وتعلم أنه لم يأتك خيراً ونظراً، وتعلم أن الحكم في ذلك له، فتوكل عليه بتفويض ذلك إليه، ومن ذلك الإيمان بغيوب الله التي لم يحط علمك بها، فوكلت علمها إليه وإلى أمنائه عليها، ووثقت به فيها، وفي غيرها.
۲ـ سئل عن حد التوكل؟ فقال (عليه السلام): أن لا تخاف أحداً إلا الله.
ومقصود الإمام (عليه السلام) بالتوكل هنا، هو التسليم لأمر الله والرضا بقضائه.
۳ـ سأله أحمد بن نجم عن العجب الذي يفسد العمل؟
فقال (عليه السلام): العجب درجات منها: أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسناً فيعجبه، ويحسب أنه يحسن صنعاً، ومنها: أن يؤمن العبد بربه فيمن على الله، ولله المنة فيه ….
۴ـ قال (عليه السلام): خمس من لم تكن فيه فلا ترجوه لشيء من الدنيا والآخرة: من لم تعرف الوثاقة في أرومته، والكرم في طباعه، والرصانة في خلقه، والنبل في نفسه، والمخافة لربه.
۵ـ سئل عن السفلة؟ فقال (عليه السلام): من كان له شيء يلهيه من الله.
۶ـ قال (عليه السلام): إن الله يبغض القيل والقال، وإضاعة المال وكثرة السؤال.
۷ـ قال (عليه السلام): التودد إلى الناس نصف العقل.
۸ـ قال (عليه السلام): لا يتم عقل امرئ مسلم حتى تكون فيه عشر خصال: الخير منه مأمول، والشر منه مأمون، يستكثر قليل الخير من غيره، ويستقل كثير الخير من نفسه، لا يسأم من طلب الحوائج إليه، ولا يمل من طلب العلم طول دهره، الفقر في الله أحب إليه من الغنى، والذل في الله أحب إليه من العز مع غيره، والخمول عنده أشهى من الشهرة.
ثم قال (عليه السلام): العاشرة ، قيل له: ما هي؟
قال (عليه السلام): لا يرى أحداً إلا قال: هو خير مني واتقى.
۹ـ قال (عليه السلام): إنما الناس رجلان، رجل خير منه واتقى، ورجل شر منه وأدنى، فإذا لقي الذي هو شر منه وأدنى قال: لعل خير هذا باطن، وهو خير له، وخيري ظاهر، وهو شر لي، وإذا رأى الذي هو خير منه وأتقى، تواضع له ليلحق به، فإذا فعل ذلك فقد علا مجده، وطاب خيره، وحسن ذكره، وساد أهل زمانه.
۱۰ـ قال (عليه السلام): الصمت باب من أبواب الحكمة … إن الصمت يكسب المحبة، إنه دليل على كل خير.
۱۱ـ قال (عليه السلام): صديق كل امرئ عقله، وعدوه جهله.
۱۲ـ قال (عليه السلام): من أخلاق الأنبياء التنظيف.
۱۳ـ قال (عليه السلام): صاحب النعمة يجب أن يوسع على عياله.
۱۴ـ قال (عليه السلام): إذا ذكرت الرجل وهو حاضر فكنه، وإذا كان غائباً فسمه.
۱۵ـ قال (عليه السلام): يأتي على الناس زمان العافية، فيه عشرة أجزاء تسعة منها في اعتزال الناس، وواحد في الصمت.
۱۶ـ قال (عليه السلام): من حاسب نفسه ربح، ومن غفل عنها خسر، ومن خاف أمن، ومن اعتبر أبصر، ومن أبصر فهم، ومن فهم علم، وصديق الجاهل في تعب، وأفضل المال ما وقي به العرض، وأفضل العقل معرفة الإنسان نفسه، والمؤمن إذا غضب لم يخرجه غضبه من حق، وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل، وإذا قدر لم يأخذ أكثر من حقه.
۱۷ـ قال (عليه السلام): من كثرت محاسنه مدح بها، واستغنى عن التمدح بذكرها.
۱۸ـ قال (عليه السلام): من لم يتابع رأيك في صلاحه فلا تصغ إلى رأيه، ومن طلب الأمر من وجهه لم يزل ومن زل لم تخذله الحيلة.
۱۹ـ قال (عليه السلام): إن للقلوب إقبالاً وإدباراً، ونشاطاً وفتوراً، فإذا أقبلت تبصرت وفهمت، وإذا أدبرت كلت وملت، فخذوها عند إقبالها ونشاطها، واتركوها عند إدبارها وفتورها.
۲۰ـ قال (عليه السلام): صاحب السلطان بالحذر، والصديق بالتواضع، والعدو بالتحرز، والعامة بالبِشر.
۲۱ـ قال (عليه السلام): الأجل آفة العمل، والبر غنيمة الحازم، والتفريط مصيبة ذي القدرة، والبخل يمزق العرض، والحب داعي المكاره، وأجل الخلائق وأكرمها اصطناع المعروف، وإغاثة الملهوف، وتحقيق أمل الآمل، وتصديق رجاء الراجي، والاستكثار من الأصدقاء في الحياة، والباكين بعد الوفاة.
۲۲ـ قال (عليه السلام): أحسن الظن بالله، فإن من حسن ظنه بالله كان الله عند حسن ظنه، ومن رضي بالقليل من الرزق قبل منه اليسير من العمل، ومن رضي باليسير من الحلال خفت مؤونته ونعم أهله وبصره الله داء الدنيا ودواءها، وأخرجه منها سالماً إلى دار السلام.
۲۳ـ قال (عليه السلام): ليس لبخيل راحة، ولا لحسود لذة، ولا لملول وفاء، ولا لكذوب مروءة.
۲۴ـ قال (عليه السلام): إن الذي يطلب من فضل يكف به عياله أعظم من المجاهدين في سبيل الله.
۲۵ـ سئل عن خيار العباد؟ فقال: الذين إذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساءوا استغفروا، وإذا أعطوا شكروا، وإذا ابتلوا صبروا، وإذا غضبوا غفروا.
۲۶ـ قيل له: كيف أصبحت ؟ فقال (عليه السلام): أصبحت بأجل منقوص، وعمل محفوظ، والموت في رقابنا، والنار من ورائنا، ولا ندري ما يُفعل بنا.
۲۷ـ قال (عليه السلام): لا يجمع المال إلا بخصال خمس: بخل شديد، وأمل طويل، وحرص غالب، وقطيعة الرحم، وإيثار الدنيا على الآخرة.
۲۸ـ قال علي بن شعيب: دخلت على أبي الحسن الرضا، فقال لي: يا علي من أحسن الناس معاشاً؟
قلت: أنت يا سيدي أعلم به مني.
فقال (عليه السلام): من حسن معاش غيره في معاشه.
ثم قال: يا علي من أسوأ الناس معاشاً؟
قلت: أنت أعلم.
قال (عليه السلام): من لم يعش غيره في معاشه.
ثم قال (عليه السلام): يا علي! أحسنوا جوار النعم ن فإنها وحشية ما نأت عن قوم فعادت إليهم، يا علي! إن شر الناس من منع رفده، وأكل وحده، وجلد عبده.
۲۹ـ قال (عليه السلام): عونك للضعيف أفضل من الصدقة.
۳۰ـ قال (عليه السلام): لا يستكمل عبد حقيقة الإيمان حتى تكون فيه خصال ثلاث: التفقه في الدين، وحسن التقدير في المعيشة، والصبر على الرزايا.
۳۱ـ قال (عليه السلام): كفاك ممن يريد نصحك بالنميمة ما يجد من سوء الحساب في العاقبة.
۳۲ـ قال (عليه السلام) في تعزية الحسن بن سهل: التهنئة بآجل الثواب خير من التعزية بعاجل المصيبة.
هذا غيض من فيض، وقطرة من بحر هذا الإمام العظيم، الذي ملأ الدنيا علماً وحكمة، وفاض عليها ندىً وأدباً وكرماً.
وخير زاد لنا أن نعب من معين هذه الحكم الصافية، ونزود بها فنكثر من التجمل بأخلاقها ليوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.