وحين اعترض عليه حجر بن عدي بعدما وافق على الصلح وقال له: "سودت وجوه المؤمنين"، فأجابه الإمام (عليه السلام): "ما كل أحد يحب ما تحب ولا رأيه كرأيك، وإنما فعلت ما فعلت إبقاء عليكم[2]".
هذا مع أن الإمام (عليه السلام) قد بين لهم سبب لجوئه إلى الصلح، فإنه بعدما تمت المعاهدة قام في أهل العراق، فقال: "يا أهل العراق، إنه سخى بنفسي عنكم ثلاث: قتلكم أبي، وطعنكم إياي، وانتهابكم متاعي[3]".
وهي أسباب يكفي كل واحد منها في إبراز الوجه الحقيقي لتشيع أهل العراق، كما تقدم الحديث عنه، من أن تشيعهم لرغبة منهم في سبيل الحصول على غاية دنيوية، ولم يكن الدافع لها محض ديني ولا إطاعة الإمام من حيث هو إمام.
وأراد معاوية ان يضلل الناس من جديد، فصعد المنبر بعد ابرام الصلح وقال: "إن الحسن بن علي رآني أهلا للخلافة، ولم ير نفسه أهلا لها". فلما فرغ صعد الإمام الحسن (عليه السلام) وخطب فيهم مبينا فضله وموقعه في الإسلام، قال فيها: "... وإن معاوية زعم لكم أني رأيته للخلافة أهلا، ولم أر نفسي لها أهلا، فكذب معاوية. نحن أولى بالناس في كتاب الله عز وجل، وعلى لسان نبيه (صلى الله عليه وآله) ولم نزل أهل البيت مظلومين منذ قبض الله نبيه (صلى الله عليه وآله)، فالله بيننا وبين من ظلمنا حقنا، وتوثب على رقابنا وحمل الناس علينا، ومنعنا سهمنا في الفيء ومنع أمنا ما جعل لها رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وأقسم بالله لو أن الناس بايعوا أبي حين فارقهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأعطتهم السماء قطرها، والأرض بركتها، وما طمعت فيها يا معاوية الخ[4]..".
بنود الصلح:
رغم أن التاريخ لم يحفظ لنا وثيقة الصلح على نحو متكامل، واكتفى المؤرخون بالقول ان معاوية أرسل إلى الإمام صحيفة بيضاء مختوما على أسفلها بختمه، وكتب إليه: أن اشترط في هذه الصحيفة التي ختمت أسفلها ما شئت فهو لك[5].
وكان الإمام قد أرسل صحيفة إلى معاوية ذكر فيها بعض الشروط، التي كان قد كتبها قبل ذلك ولكنها وصلت إلى معاوية متأخرة عن إرساله الصحيفة البيضاء المختومة بخاتمه[6]. على الرغم من ذلك إلا أن بعض بنود الصلح قد ذكرت بنحو متفرق وغير مكتمل في المصادر التاريخية. وهي كما استقاها العلامة آل ياسين وجمعها من مجمل المصادر التاريخية، كما يلي:
1- تسليم الأمر إلى معاوية، على أن يعمل بكتاب الله وبسنة رسوله (صلى الله عليه وآله)، وبسيرة الخلفاء الصالحين.
2- أن يكون الأمر للحسن من بعده، فإن حدث به حدث فلأخيه الحسين، وليس لمعاوية أن يعهد إلى أحد.
3- أن يترك سب أمير المؤمنين والقنوت عليه بالصلاة، وأن لا يذكر عليا إلا بخير.
4- استثناء ما في بيت مال الكوفة، وهو خمسة آلاف ألف، فلا يشمله تسليم الأمر، وعلى معاوية أن يسلم إلى الحسين كل عام ألفي ألف درهم، وأن يفضل بني هاشم في العطاء والصلات على بني عبد شمس، وأن يفرق في أولاد من قتل مع أمير المؤمنين يوم الجمل، وأولاد من قتل معه بصفين ألف ألف درهم، وأن يجعل ذلك من خراج دار ابجرد.
5- ان الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله، في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم، وأن يؤمن الأسود والأحمر، وأن يحتمل معاوية ما يكون من هفواتهم، وأن لا يتبع أحدا بما مضى، وأن لا يأخذ أهل العراق بإحنة.
وإن أصحاب علي آمنون حيث كانوا، ولا ينال أحدا من شيعة علي بمكروه، وأن أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم، وأن لا يتعقب عليهم شيئا، ولا يتعرض لأحد منهم بسوء، ويوصل إلى كل ذي حق حقه....
ثم كتبها معاوية بخطه، وأشهد على ذلك جميع رؤساء أهل الشام، وأخذ على نفسه عهد الله وميثاقه بالوفاء بكل ما ورد فيها[7].
وروى الصدوق (رحمه الله) شرطا آخر، قال: بايع الحسن بن علي صلوات الله عليه معاوية على أن لا يسميه أمير المؤمنين، ولا يقيم عنده شهادة الخ..[8].
ومن الملاحظ انه رغم تشتت جيش الإمام (عليه السلام)، وتأثير معاوية على الكثيرين منهم وشراء ذممهم، إلا أنه كان لا يزال يخشى قوته، وقدرته على قلب المعركة لصالحه، ولذلك بادر إلى إرسال الصحيفة البيضاء ليشترط الإمام ما يريد، وإلا فلم يكن مضطرا إلى ذلك، لو أنه ضمن النتيجة لصالحه، وهو ما يفسر قبوله تفضيل بني هاشم في العطاء على بني قومه، الأمر الذي يعني إقراره علنا بحق بني هاشم وفضلهم على بني عبد شمس، وهو ما لم يقربه أموي أصلا.
سماحة الشيخ حاتم اسماعيل
*****************
[1] بحار الأنوار، ج44، ص2
[2] نفس المصدر، ج44، ص57
[3] الكامل في التاريخ، ج3، ص405
[4] نفس المصدر، ج44، ص63
[5] صلح الحسن، آل ياسين، ص258؛ والكامل في التاريخ، ج3، ص405
[6] الكامل في التاريخ، ج3، ص405
[7] صلح الحسن عليه السلام، ص259-262
[8] البحار، ج44، ص2
المصدر: شبكة المعارف الاسلامية