عملية تسليم رفات الجندي الإسرائيلي جرت للأسف بطريقة احتفالية في مقر وزارة الدفاع الروسية في موسكو، وبحضور رئيس هيئة الأركان الجنرال فاليري غيراسيموف، مما يعني، بالنسبة إلينا على الأقل، أن القيادة الروسية لا تحتفل فقط بعملية "القرصنة" لهذا الجثمان التي تشكل انتهاكاً للسيادة السورية، وإنما أيضاً تقدم هذه "الهدية" الثمينة إلى نتنياهو الذي ارتكب جيشه مجازر عدة في الضفة وقطاع غزة، لتعزيز فرصه للفوز في الانتخابات الإسرائيلية بعد أربعة أيام، حتى يستمر فيها، أي المجازر، وضم الضفة الغربية والقطاع، بعد ضم هضبة الجولان والقدس المحتلة، وهي عمليات الضم التي اعترضت عليها القيادة الروسية رسميا.
***
الزميل كمال خلف مراسل هذه الصحيفة في لبنان وسوريا، قدم تفاصيل دقيقة ومزعجة عن عملية "القرصنة" ننشرها في زاوية "أخبار خاصة"، حيث أكد على أن قوات روسية تضم خبراء، ومجهزة بمعدات حديثة ومتقدمة، وصلت إلى مخيم اليرموك الفلسطيني يوم 10 آذار (مارس) الماضي وطوقته بعد أن أمرت جميع القوات المتواجدة فيه، والسورية على رأسها، الخروج من المخيم، وتوجهت إلى مقبرة الشهداء في المخيم وخرجت منها بعد خمسة أيام حاملة أكياساً يعتقد أنها تحتوي على رفات الجندي الإسرائيلي.
ألا يعرف الرئيس بوتين الذي هنأ الشعب الإسرائيلي باسترجاع رفات هذا الجندي أنه ليس من حقه، أو من حق قواته، نبش هذه المقبرة، وإخراج الرفات منها، وتقديمها إلى الإسرائيليين على طبق من ذهب ودون أي مقابل؟ وهل هذه "الهدية" مكافأة لنتنياهو على شن طائراته 200 غارة على أهداف في عمق سوريا على مدى الأعوام الثلاثة الماضية؟ وعلى أهداف على بعد بضعة كيلومترات من تواجد قواته في قاعدتي طرطوس وحميميم السوريتين؟
هناك أكثر من سبعة آلاف أسير فلسطيني ولبناني وسوري في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وكان من الممكن، وعلى ضوء تجارب سابقة، الإفراج عن المئات، وربما الآلاف من هؤلاء الأسرى في صفقة تبادل جديدة، ولكن هذا التسليم الروسي المجاني للرفاة أجهض هذه الخطوة، وحرم آلاف الأسر من "فرحة" تنتظرها منذ سنوات، بعودة أحبائها الذين يعانون مختلف أنواع الظلم خلف القضبان الإسرائيلية.
لا نفهم كيف يتسابق "الحليف" الروسي مع نظيره الرئيس الأميركي دونالد ترامب للفوز بقلب نتنياهو المتهم بالفساد من النظام القضائي، وهو الذي تسببت طائراته في إسقاط طائرة روسية وقتل أكثر من 15 من كبار جنودها الخبراء في الأمن العسكري الروسي؟
***
انتظرنا عدة ساعات لعلنا نسمع توضيحاً من السلطات السورية على هذا الانتهاك لسيادتها، وفي أحد أحياء العاصمة، ومن قبل أقرب الحلفاء والأصدقاء ولكننا لم نحصل على ما يشفي فضولنا في هذا الإطار، كما أننا نجهل الثمن الذي حصلت عليه موسكو في المقابل إذا كان هناك ثمن.
ربما تكون القيادة الروسية قد كسبت ود نتنياهو، والكثير من الإسرائيليين واليهود داخل فلسطين المحتلة وخارجها، بإقدامها على خطوة التسليم هذه، ولكنها أثارت في الوقت نفسه غضب الكثير من العرب والمسلمين، ونحن من بينهم، وفي مثل هذا التوقيت الحرج، الذي نعول فيه على دعمها لقضايانا العادلة في مواجهة هذا العدو الغاصب المتغطرس، نقولها وفي الحلق مرارة.
بقلم:عبد الباري عطوان