يا أمة المجد .. يا أمة الإسلام وشعوبها الكريمة

الأربعاء 27 مارس 2019 - 19:14 بتوقيت غرينتش
يا أمة المجد .. يا أمة الإسلام وشعوبها الكريمة

في كل مجتمع من محبي الدنيا من لا يبقي له حبه لها شيئا من دين أو إنسانية أو كرامة، أو رعاية لأحد مما يكون فيه مس لدنياه، أو حرمانٌ لشيء من شهواته، من يحمله هذا الحب على ارتكاب كل إثم، والتضحية بكل مقدر طلبا للمزيد منها، ودفعا لكل ما يؤدي إلى شيء من الحرمان فيها.

وفي كل مجتمع بسطاء، ومن يجهل عاقبة ما يقول وما ينشر وما يفعل، ومن يلذ له أن ينقل كل ما يسمع، وأن يشيع كل ما يصل إليه مهما أفسد وترك من نتائج كارثية على القريب والبعيد، وعلى المجتمع والأمة. وكل أولئك يمثلون مادة مبتذلة تستفيد منها الحكومات الفاسدة في إشاعة الفساد، والترويج للباطل، ونشر الأراجيف، وبث الرعب والهلع في أوساط الناس لأغراض السياسة القذرة، ووأد روح التحرر، وإنهاء التفكير في أي تغيير أو إصلاح، وخلْق صورة شبح المارد الجبار في النفوس، الذي تطال عيونه كل هاجس خفي علما، ويده كل من حدثته نفسه بأي لون من المعارضة للسياسة الخانقة لها، القابضة على الأنفاس.

والإرجاف سلاحٌ فتاكٌ يستعمله أعداء الخارج والداخل ضد الشعوب والأقطار والأمم.

ومن أشد ما يتعب المتصدين للإصلاح والتغيير، ويأتي على حركات التحرر والمواجهة للظلم انتشار عملية الإرجاف والتهويل لقوة العدو، والتأكيد على انسداد سبل التغيير والنجاة، وألا بديل في حكم الدين والعقل ورعاية المصلحة عن السكوت والاستسلام للأمر الواقع وإن أفقر وأوجع، وقسى وأذل وأهان، وعذب ما عذب، وقتل من قتل.

حين يكون هذا وتوجد في شعب أو أمة أرضٌ خصبةٌ للتصديق بهذه الأراجيف، والاستجابة لحملات الرعب والدعايات المرهبة لا تقوم للشعب أو الأمة قائمة، وتتم السيطرة التامة على إنسانهما من داخله، ولا يبقى للواقع الظالم الذي تفرضه الإرادة المستكبرة ما يزاحمه أو يشغل باله فضلا عما يردعه ولو عن قليل من ظلمه.

جماهير أي أمة أو شعب لا بد لها لتحتمي من الانخداع بالأراجيف ودعايات التهويل والرعب التي تبثها جيوش الإفساد التابعة للحكومات الطاغية من وعي موضوعي لهذه الأمور، ورشد عملي في التعامل معها، وقدرة فضح لها، وعلى مواجهتها، وإرادة قوية مستعلية على تأثيرها، ومراكز توجيه للجماهير ترجع إليها في تقييمها والرد عليها.

ولزاد الإيمان بالله سبحانه -كلما عمق وتركز وعظم-القدرة الهائلة على إحباط عملية الإرجاف ونشر الأباطيل والدعايات المستهدفة لتحطيم النفوس المؤمنة التي لا ثقة لها بشيء كما هي ثقتها بالله التي لا تهتز، ولا تقديم لشيء في حسابها على الله، ولا هيبة لمخلوق عندها كهيبتها من الله، ولا قدرة تساوي قدرته، ولا عطاء ولا جزاء ولا عقاب كعطائه وجزائه وعقابه.

إن أمة الإسلام والإيمان المقاومة حقا تقدم من أناسها النموذج الحي الرائع العظيم في كل مجالات القوة والاستقامة والهادفية والصمود ومنها مجال الشجاعة النادرة، والاستعلاء المبدئي على ألم النزف والجراح، وإفشال كل الأراجيف ودعايات بث الرعب والخوف والهلع من قبل الأعداء برغم الظروف المساعدة على إيجاد هذا الجو، والرصيد وراء هذا الاستعلاء والصمود وهزيمة الإرجاف والإشاعة إيمانٌ راسخٌ رسوخ الجبال الشوامخ، ووعيٌ رساليٌ محلقٌ وقاد، وشعلةٌ لا تنطفئ من نور الرسالة.

فلنقرأ بقلب نابه سليم الآيات الكريمة من 172-175 من آل عمران: {الذين اسْتجابوا لله والرسول منْ بعْد ما أصابهم الْقرْح للذين أحْسنوا منْهمْ واتقوْا أجْرٌ عظيمٌ * الذين قال لهم الناس إن الناس قدْ جمعوا لكمْ فاخْشوْهمْ فزادهمْ إيمانا وقالوا حسْبنا الله ونعْم الْوكيل * فانْقلبوا بنعْمة من الله وفضْل لمْ يمْسسْهمْ سوءٌ واتبعوا رضْوان الله والله ذو فضْل عظيم * إنما ذلكم الشيْطان يخوف أوْلياءه فلا تخافوهمْ وخافون إنْ كنْتمْ مؤْمنين}.

بعد القتلى والجرحى، والآلام الجسدية البالغة، والألم النفسي الممض للهزيمة التي أصابت الجيش الإسلامي بمخالفة الأمر الولائي للرسول (صلى الله عليه وآله) من حراس الثغر العسكري، والانصراف إلى جمع الغنائم بهم الدنيا، وبعدما أصاب المسلمين القرح يأتي الأمر بمواجهة الجبهة المنتصرة من المشركين الذين يعيشون نشوة الانتصار، وتغمرهم الثقة بالنفس والقوة، ويعيشون الاطمئنان الكامل بالنصر في المواجهة التالية فيهب الجرحى المغلوبون أسودا مكلومة غاضبة لله الذي لا ترى من دون قوته قوة، ولا مع جبروته جبروتا، ولا لأمره من راد، لا يقف باندفاعتها الإيمانية شيءٌ على الإطلاق لما تجده من قوة هائلة في العزيمة من عطاء التوكل على الله والرضا بما قسم من النصر أو الشهادة، وليس شيءٌ من النصر للدين والشهادة إلا وهو ربحٌ عظيمٌ.

وما كان من جزاء زيادتهم إيمانا وتوكلهم على الله مكتفين به في الشدة القاسية هو {فانْقلبوا بنعْمة من الله وفضْل لمْ يمْسسْهمْ سوءٌ} وأن عادوا بأعظم ربح وأعلى غاية من رضوان الله {والله ذو فضْل عظيم}.

أما تخويف المرجفين فهو من تخويف الشيطان، وهم جنوده، ومن يخاف الشيطان وجنده، وينسيه خوفه خوف الله، ويصرفه أمره عن أمره، ومن يشرك الشيطان في خوف أو رجاء مع الله فإنما هو من أولياء الشيطان، فما أخطر أن يبني مؤمنٌ موقفه على التخويف الصادر من الشيطان وجنده فيخرج من ولاية الله إلى ولاية الشيطان وطاعته. {إنما ذلكم الشيْطان يخوف أوْلياءه فلا تخافوهمْ وخافون إنْ كنْتمْ مؤْمنين}، فإنه لا يصدق إيمان امرئ أو جماعة تخاف الشيطان، ولا يجتمع في قلب خوف الشيطان وخوف الله الذي لا يترك مع صدقه مكانا لخوف من آخر.

النصر والعز وكرامة الشهادة ورضوان الله لمن أخلص العبودية له واستقام على الجهاد في سبيله، واحتمى بالتوكل عليه، وكان قيامه وقعوده، وحركته وسكونه له وحده، وطبقا لمنهج دينه وشريعته، وتحت ظل رايته.

والأمة والشعب الذي يرده عن طريق الإصلاح والتغيير والحرية إرجاف المرجفين، والخوف من الكلفة، وتقديم حياة الذلة والعيش الخسيس على استرداد العزة والكرامة، ونيل رضا الله، عليه عليه أن يتوقف عن بناء نفسه، وتنمية قابلياته، وطلب أي نوع من القوة لا يوظف في خدمة السلاطين الذين يرفضون التغيير، كما يرفضون أي وسيلة تعين عليه، وتغري الأمة والشعب بالمطالبة به.

وليس أغرى وأكثر دفعا لطلب التغيير الذي يعيد الأمور إلى نصابها، ويكف أذى الطغيان في الأرض من التوفر على العلم والرشد، ووجدان أسباب القوة، واكتساب عوامل المقاومة. وهذا ما تراه حالة الطغيان المسيطرة تهديدا جديا لا يمكن التسامح معه، ولا بد من إجهاض أي محاولة على طريقه.

فهل يصح لأمة أو شعب أن يقف عن حركة النمو والتقدم في المستوى، وأن يرضى بجمود الأموات ليأمن من يذله ويفقره ويضعفه ويستغله ويهينه ويستعبده ويذيقه ألوان السوء وألوان العذاب من تغيير يعيد للناس حقوقهم وعزتهم وكرامتهم ويعترف لهم بإنسانيتهم ودورهم الكريم في هذه الحياة؟!!

بقلم: عيسى أحمد قاسم/موقع اللؤلؤة