* أسباب نفوذ الإمام (عليه السلام) بين رجال الدولة:
أ- حل المشاكل
قيل: مرض المتوكل من خراج خرج به فأشرف منه على الموت فلم يجسر أحد ان يمسه بحديده فنذرت أمه ان عوفي ان تحمل إلى أبى الحسن بأموال نفيسة وقال الفتح بن خاقان لو بعثت إلى هذا الرجل فسألته ربما كان عنده شئ فسأل عن الإمام (عليه السلام) فقال: خذوا كسب الغنم فديفوه بماء ورد وضعوه على الخراج، وفعل ذلك فنعش المتوكل وخرج منه ما كان فيه فحملت إليه عشرة آلاف دينار تحت ختمها[2].
ب - العلم الفياض
يقول يحيى بن هرثمة: ... فبينما أنا في يوم من الأيام والسماء صاحية والشمس طالعة، إذ ركب وعليه ممطر، وقد عقد ذنب دابته، فعجبت من فعله، فلم يكن بعد ذلك إلا هنيهة حتى جاءت سحابة فأرخت عزاليها، ونالنا من المطر أمر عظيم جداً، فالتفت إليَّ، وقال: أنا أعلم أنك أنكرت ما رأيت، وتوهمت أني علمت من الأمر ما لا تعلمه، وليس ذلك كما ظننت، ولكني نشأت بالبادية فأنا أعرف الرياح التي يكون في عقبها المطر، فلما أصبحت هبت ريح لا تخلف، وشممت منها رائحة المذر، فتأهبت لذلك[3].
وعلى هذا الأساس كان الكثير من الناس وعمال الحكومة يتوجهون إلى الإمام (عليه السلام) للوصول إلى علمه الفياض. وهكذا تمكن الإمام (عليه السلام) من الاستفادة من علمه لأجل الدعوة الإلهية في ظل ما كانت تعيشه الخلافة من خفقان واضطراب.
ج - السلوك الكريم
"... سعى البطحائي بأبي الحسن (عليه السلام) إلى المتوكل فقال: عنده سلاح وأموال، فتقدم المتوكل إلى سعيد الحاجب أن يهجم ليلاً عليه، ويأخذ ما يجد عنده من الأموال والسلاح، ويحمل إليه.
فقال إبراهيم بن محمد: قال لي سعيد الحاجب: صرت إلى دار أبي الحسن (عليه السلام) بالليل، ومعي سلم، فصعدت منه إلى السطح، ونزلت من الدرجة إلى بعضها في الظلمة، فلم أدر كيف أصل إلى الدار فناداني أبو الحسن (عليه السلام) من الدار: يا سعيد مكانك حتى يأتوك بشمعة فلم ألبث أن أتوني بشمعة فنزلت فوجدت عليه جبة من صوف وقلنسوة منها وسجادته على حصير بين يديه وهو مقبل على القبلة فقال لي: دونك بالبيوت.
فدخلتها وفتشتها فلم أجد فيها شيئاً، ووجدت البدرة مختومة بخاتم أم المتوكل وكيساً مختوماً معها، فقال أبو الحسن (عليه السلام): دونك المصلى فرفعت فوجدت سيفاً في جفن غير ملبوس. فأخذت ذلك وصرت إليه. فلما نظر إلى خاتم أمه على البدرة بعث إليها، فخرجت إليه، فسألها عن البدرة فأخبرني بعض خدم الخاصة أنها قالت له: كنت نذرت في علتك إن عوفيت أن أحمل إليه من مالي عشرة آلاف دينار فحملتها إليه وهذا خاتمك على الكيس ما حركها.
وفتح الكيس الآخر وكان فيه أربع مائة دينار، فأمر أن يضم إلى البدرة بدرة أخرى وقال لي: إحمل ذلك إلى أبي الحسن واردد عليه السيف والكيس بما فيه، فحملت ذلك إليه واستحييت منه، وقلت: يا سيدي عز عليّ بدخول دارك بغير اذنك، ولكني مأمور به، فقال لي ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾([4])([5]).
يبدو أن تصرف المتوكل مع الإمام (عليه السلام) كان محترماً إلا أنه كان يراقبه بشكل دائم حيث كان لا يطيق حضوره وعظمته الاجتماعية. وكان في بعض الأوقات يصدر الأمر بحبس الإمام (عليه السلام) وتوقيفه أو تفتيش منزله وكان يحاول من خلال الدسائس تشويه صورته بين الناس. فعندما جلب المتوكل الإمام (عليه السلام) من المدينة إلى سامراء خلافاً لرغبته، فعمد بداية إلى تشويه صورته بين الناس، لذلك لم يجلبه إلى قصره بل أرسله إلى مكان يعرف بخان الصعاليك حيث يجتمع فيه الفقراء والشحاذون، فأبقاه مرة هناك. وفي هذا المكان حَضَر صالح بن سعيد أحد أتباع الإمام الهادي (عليه السلام) الذي تحدث إلى الإمام (عليه السلام) وقال: "دخلت على أبي الحسن (عليه السلام) فقلت: جعلت فداك في كل الأمور أرادوا إطفاء نورك والتقصير بك، حتى أنزلوك هذا الخان الأشنع خان الصعاليك، فقال: ههنا أنت يا ابن سعيد؟ ثم أومأ بيده فقال: انظر فنظرت فإذا بروضات آنقات، وروضات ناخرات، فيهن خيرات عطرات، وولدان كأنهن اللؤلؤ المكنون، وأطيار، وظباء، وانهار تفور، فحار بصري والتمع وحسرت عيني، فقال: حيث كنا فهذا لنا عتيد، ولسنا في خان الصعاليك"[6].
وهكذا فشلت مؤامرات المتوكل الواحدة بعد الأخرى وكانت تتجلى الأبعاد الوجودية والصورة الإلهية والملكوتية للإمام يوماً بعد يوم. لذلك ازداد غضب المتوكل حتى أنه اعتبر وجود الإمام (عليه السلام) غير قابل للتحمل، فقرر قتل الإمام (عليه السلام)[7].
عبد الكريم باك نيا
[1] الأنوار البهية، ص449 ـ 450.
[2] مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب - ج ٣ - الصفحة ٥١٧.
[3] الأنوار البهية، ص288 ـ 289.
[4] سورة الشعراء، الآية: 227.
[5] بحار الأنوار، ج50، ص199 ـ 200.
[6] بحار الأنوار، ج50، ص132 ـ 133.
[7] المصدر نفسه، ص194 ـ 195.
المصدر: شبكة المعارف الاسلامية