يصادف الأول من رجب ذكرى استشهاد آية الله السيد محمد باقر الحكيم رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق مع عدد كبير من المصلين بعد إقامة صلاة الجمعة في المرقد الطاهر لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) في النجف الأشرف سنة 1424هـ.
اسمه وكنيته ونسبه:
السيّد أبو صادق، محمّد باقر بن السيّد محسن بن السيّد مهدي الطباطبائي الحكيم، وينتهي نسبه إلى الإمام الحسن المجتبى بن الإمام علي بن أبي طالب (عليهم السلام).
ولادته:
ولد السيّد الحكيم في الخامس والعشرين من جمادى الأُولى 1358 هـ بمدينة النجف الأشرف.
دراسته:
تلقَّى علومه الأوّلية في كتاتيب مدينة النجف الأشرف، ثمّ دخل في مرحلة الدراسة الابتدائية في مدرسة منتدى النشر الابتدائية، حيث أنهى فيها الصف الرابع، ونشأت عنده الرغبة في الدخول في الدراسات الحوزوية بصورة مبكّرة، فبدأ بالدراسة الحوزوية عندما كان في الثانية عشر من عمره.
أساتذته:
نذكر منهم ما يلي:
1- السيّد محمّد سعيد الطباطبائي الحكيم.
2- السيّد محمّد حسين الحكيم.
3- أخوه، السيّد يوسف الحكيم.
4- السيّد أبو القاسم الخوئي.
5- الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر.
6- الشهيد السيّد مرتضى الموسوي الخلخالي.
مكانته العلمية:
عُرف منذ سنٍّ مبكّر بنبوغه العلمي، وقدرته الذهنية والفكرية العالية، فحظي باحترام كبار العلماء والأوساط العلمية، كما نال في أوائل شبابه من الشيخ مرتضى آل ياسين شهادة اجتهاد في علوم الفقه وأُصوله، وذلك عام 1383 هـ.
تدريسه:
بعد أن نال السيّد الحكيم مرتبة عالية في العلم بفروعه وفنونه المختلفة، مارس التدريس لطلاّب السطوح العالية في الفقه والأُصول، وكانت له حلقة للدرس في مسجد الهندي بمدينة النجف الأشرف، وعُرف بقوّة الدليل، وعمق الاستدلال، ودقَّة البحث والنظر، فتخرَّج على يديه علماء انتشروا في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
ومع ذيوع صيته العلمي، ومن أجل تحقيق نقلة نوعية في العمل الاجتماعي والثقافي لعلماء الدين في انفتاح الحوزة على الجامعة من ناحية، وتربية النخبة من المثقّفين بالثقافة الدينية الأصيلة والحديثة، فقد وافق السيّد محمّد باقر الصدر على انتخابه عام 1385 هـ، ليكون أستاذاً في كلّية أُصول الدين في علوم القرآن، والشريعة، والفقه المقارن.
وقد استمرَّ في ذلك النشاط حتّى عام 1395هـ حيث كان عمره الشريف حين شرع بالتدريس خمسة وعشرون عاماً، وعلى صعيد التدريس في إيران، فقد مارس تدريس البحث الخارج على مستوى الاجتهاد بشكل محدود، بسبب انشغاله بقيادة الجهاد السياسي، كما قام بتدريس التفسير لعدَّة سنوات من خلال منهج التفسير الموضوعي.
تلامذته:
نذكر منهم ما يلي:
1- أخوه، الشهيد السيّد عبد الصاحب الحكيم.
2- أخوه، السيّد عبد العزيز الحكيم.
3- الشيخ علي الكوراني.
4- الشهيد السيّد عباس الموسوي.
5- الشيخ أسد الله الحرشي.
6- الشيخ عدنان زلغوط.
7- السيّد حسن النوري.
8- السيّد صدر الدين القبانجي.
9- الشيخ حسن شحاده.
10- الشيخ هاني الثامر.
11- السيّد محمّد باقر المهري.
مؤلفاته:
نذكر منها ما يلي:
1- علوم القرآن.
2- الحكم الإسلامي بين النظرية والتطبيق.
3- الهدف من نزول القرآن.
4- أهل البيت (عليهم السلام) ودورهم في الدفاع عن الإسلام.
5- دور الفرد في النظرية الاقتصادية الإسلامية.
6- حقوق الإنسان من وجهة نظر إسلامية.
7- النظرية الإسلامية في العلاقات الاجتماعية.
8- منهج التزكية في القرآن.
9- المستشرقون وشُبهاتهم حول القرآن.
10- الظاهرة الطاغوتية في القرآن.
11- تفسير سورة الحمد.
نشاطاته الثقافية في إيران:
نذكر منها ما يلي:
1- المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، حيث كان يحتلّ موقع رئيس المجلس الأعلى لهذا المجمع.
2- المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)، حيث كان يحتلّ موقع نائب رئيس المجلس الأعلى لهذا المجمع.
3- تأسيس مركز دراسات تاريخ العراق الحديث.
4- تأسيس مؤسّسة دار الحكمة.
5- تأسيس مدرسة دار الحكمة.
6- تأسيس مركز للنشر.
7- تأسيس مركز للبحوث والدراسات.
8- تأسيس مكتبة علمية تخصّصية.
حركته السياسية:
قد دخل منذ البداية في دائرة الاهتمام بإيجاد التنظيم السياسي الإسلامي، الذي يكفل إيجاد القدرة على التحرّك السياسي المدروس في أوساط الشعب العراقي، وبهدف ردم الهوَّة بين الحوزة العلمية والشرائح الاجتماعية المثقّفة، حيث كان هناك شعور بالحاجة لتنظيم إسلامي يتبنى النظرية الإسلامية الأصيلة، المأخوذة عن أهل البيت (عليهم السلام)، ومرتبط بالحوزة العلمية وهمومها ومشاريعها من ناحية.
ولمواجهة التنظيمات غير الإسلامية التي أسّست على أسس الحضارة الغربية أو الشرقية من ناحية أُخرى، وضرورة مدِّ الجسور إلى الأوساط المثقّفة بالثقافة الحديثة من خرِّيجي الجامعات، والموظّفين، والطلبة، والمعلِّمين، وغيرهم، وكذلك التحوّلات السياسية المهمّة في المنطقة عموماً، وفي العراق خصوصاً بعد سقوط الملكية وقيام النظام الجمهوري.
وهي الأسباب التي تشكّل خلفية اتخاذ قرار تأسيس التنظيم الإسلامي سنة (1958 م)، الذي شارك فيه السيّد الحكيم مع آخرين من العلماء الكبار كالشهيد السيّد محمّد باقر الصدر، استمرَّ مشاركاً في مرحلة التأسيس، وكان يقوم فيها بدور فكري وثقافي بشكل عام، وتنظيمي بشكل محدود لمدّة سنتين، إلاّ أنّ ظروفاً موضوعية أملت عليه وعلى الشهيدين الإمام الصدر، والسيّد محمّد مهدي الحكيم، أن يتركوا العمل داخل الإطار الحزبي، حيث كان ذلك عام (1380 هـ)، وأن يتخصَّص للعمل الجماهيري بقيادة المرجعية الدينية.
وعلى الرغم من تركه العمل الحزبي، إلاَّ أنّه بقي على علاقته بالعمل السياسي المنظّم على مستوى الرعاية، والإسناد والتوجيه من خلال جهاز مرجعية والده الإمام الحكيم، وبعد ذلك بشكل مستقل، أو من خلال الموقع القيادي العام للنهوض الإسلامي، الذي كان يمارسه السيّد الشهيد الصدر، وكان السيّد قد مارس في حياة والده الإمام الحكيم دوراً مشهوداً في دعم وإسناد الحركة الإسلامية بكلِّ فصائلها، وقد اتَّصف السيّد الحكيم في نشاطه السياسي بالإقدام والشجاعة، والجرأة والتدبير.
وفي تلك الظروف التي لم يتجاوز فيها السيّد الحكيم العشرين من عمره، كان يخرج من البيت متأخّراً وأحياناً في منتصف الليل، حيث يتوقّع في كل لحظة أن يقع عليه اعتداء من قبل أعدائه أو مناوئيه، لكنّه كان يواجه كل تلك الأخطار بجرأة وإقدام، وقد قدَّر الشهيد الصدر للسيّد الحكيم تلك المواقف الشجاعة الرائدة، وترجم ذلك التقدير من خلال وصفه بأنّه (العضد المُفدَّى)، كما ورد في مقدَّمة كتابه (اقتصادُنا).
جهاده خارج العراق:
منذ اللحظات الأُولى التي تمكَّن فيها السيّد الحكيم الخروج من العراق في تمّوز عام 1980 م، توجَّه نحو تنظيم المواجهة ضد نظام صدام المجرم، وتعبئة كل الطاقات العراقية الموجودة داخل العراق وخارجه، من أجل دفعها لتحمّل مسؤولياتها في مواجهة هذا النظام الجائر.
وبعد مخاضات صعبة، أسفر النشاط المتواصل، والجهود الكبيرة للسيّد الحكيم عن انبثاق المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، في أواخر عام 1402 هـ، وانتُخِب سماحته ناطقاً رسمياً له، حيث أُوكلت له مهمّة إدارة الحركة السياسية للمجلس على الصعيد الميداني، والإعلامي، وتمثيله، ومنذ عام 1986 م أصبح سماحته رئيساً لهذا المجلس حتّى حين استشهاده.
عودته إلى العراق:
بعد سقوط نظام صدام المجرم في العراق بتاريخ 9 / 4 / 2003 م، عاد السيّد الحكيم إلى مسقط رأسه مدينة النجف الأشرف، بعد أن قضى أكثر من عقدين في بلاد الهجرة إيران، ليواصل من هناك مسيرة الجهاد السياسي التي اختطَّها لنفسه منذ أيّام شبابه، وفي طريق عودته إلى مدينة النجف الأشرف قامت الجماهير العراقية المؤمنة من أهالي مدن البصرة، والعمارة، والديوانية، والنجف الأشرف، وكربلاء المقدّسة، وباقي المدن الأُخرى باستقباله استقبالاً مهيباً.
ومنذ أن استقرَّ السيّد الحكيم في مدينة النجف الأشرف -أرض العلم والتضحية والفداء- شرع بإقامة صلاة الجمعة العبادية السياسية، في صحن الإمام علي (عليه السلام)، موضِّحاً من خلالها مواقفه السياسية، وتصوُّراته المستقبلية لمستقبل العراق.
شهادته:
تعرَّض السيّد الحكيم (قدس سره) خلال عمره الشريف إلى أكثر من سبع محاولات اغتيال من قبل أزلام النظام الصدامي البائد، كان منها اثنان عندما كان في العراق قبل هجرته إلى إيران، والباقيات كانت خارج العراق أيّام قيادته للجهاد السياسي ضد نظام البعث العميل في العراق.
وفي غرّة رجب 1424 هـ، وبعد إقامته لمراسم صلاة الجمعة الرابعة عشر في الصحن الحيدري للإمام علي (عليه السلام)، وفي طريق عودته إلى داره، تعرَّض (قدس سره) إلى عمل جبان، حيث انفجرت سيّارة مفخَّخة تحمل (700) كيلو غرام من المتفجّرات بالقرب من الصحن العلوي الشريف، فاستشهد، ولم يبقَ من جسمه إلاّ قطعة أو قطعتان، حيث تقطَّع جسده الشريف، واستشهد كذلك عدد من مرافقيه، وعشرات من المصلِّين وزوَّار المرقد الشريف، ودفن بمقبرة خاصّة له وللشهداء الذين سقطوا معه في النجف الأشرف.