«فاطمة بضعة مني وهي نور عيني وثمرة فؤادي وروحي التي بين جنبيّ وهي الحوراء الانسية»[1]
كان رسول اللّه (ص) يعيش أصعب الظروف وأعقدها في العام الخامس من بعثته النبوية الشريفة، فالاسلام في عزلة خانقة والمسلمون الاوائل قلائل وتصاعد حدة الضغوط، ناهيك عن أجواء الظلام التي كانت القت بظلالها على مكة اِثر الشرك والوثنية والجهل والحروب القبلية العربية وسيادة منطق القوة واستشراء الفقر والحرمان في صفوف الناس.
كان رسول اللّه (ص) يتطلع إلى الغد؛ الغد المشرق الكامن وراء هذه السحب السوداء الداكنة، الغد الذي يبدو صعب المنال و ربما المحال بالالتفات إلى الاسباب والعلل الظاهرية الاعتيادية.
وهنا وقعت حادثة المعراج الكبرى التي أذن اللّه فيها لرسوله الاكرم (ص) بالعروج لمشاهدة ملكوت السماء (لنريه من آياتنا)[2] فيرى عظم آيات ربّه بعينه لتتسامى روحه العظيمة، ويتأهب لتلقي ثقل الرسالة المصحوبة بسعة الأمل. فقد روى الفريقان ـ السنة والشيعة ـ أن رسول اللّه (ص) وطأ الجنة ليلة المعراج، فناوله جبرئيل فاكهة من شجرة طوبى، فلما عاد إلى الارض اِنعقدت نطفة فاطمة من تلك الفاكهة. ولذلك جاء في الحديث أن رسول اللّه (ص) قال: «ان فاطمة حوراء أنسية، فكلما إشتقت إلى الجنة جعلت أقبلها»[3]
وبذلك فإن هذه المولودة المباركة التي تمثل عصارة ثمار الجنة ولحم و دم رسول اللّه (ص) وتلك الام الحنون السيدة خديجة الكبرى تكون قد وضعت حدا لطعنهم و غمزهم في النبي (ص) كونه أبتر لا عقب له. وعلى ضوء سورة «الكوثر» المباركة فان فاطمة (ع) هي العين الصافية التي تدفقت منها ذرية النبي (ص) والائمة الهداة الميامين عبر القرون حتى يوم القيامة.
للحوراء الانسية تسعة أسماء يرمز كل منها لصفات و مناقب هذه السيدة الطاهرة المباركة، وهي:
1 ـ فاطمة
2 ـ الصديقة
3 ـ الطاهرة
4 ـ المباركة
5 ـ الزكية
6 ـ الراضية
7 ـ المرضية
8 ـ المحدّثة
9 ـ الزهراء
وكفى باسمها «فاطمة» الذين يعنى البشارة الكبرى لمواليها ومحبيها، فلفظ «فاطمة» قد أخذ من مادة «فطم» بمعنى الانفصال، ومنه فطام الولد بمعنى فصله عن الرضاعة. فقد ورد في الحديث أن رسول اللّه (ص) قال لأمير المؤمنين علي (ع): أتعلم يا علي لم سميت اِبنتي فاطمة؟
قال (ع): لم يا رسول اللّه (ص)؟
فقال (ص): «ان اللّه عز وجل فطمها و محبيها من النار فلذلك سميت فاطمة»[4] ويتألق إسم الزهراء من بين أسمائها. و حين سئل الصادق (ع):
لم سميت فاطمة (ع) بالزهراء؟ قال (ع): لأن الزهراء كانت زاهرة كالنور، فإذا وقفت في محرابها للصلوة كانت تزهر لأهل السموات كما تزهر النجوم لأهل الارض، ولهذا سميت بالزهراء. كان زواج تلك السيدة ـ التي كانت تحظى بشخصية مرموقة في مجتمعها ـ من النبي الاكرم (ص) سببا لمقاطعتها من قبل نساء مكة، اللاتي قلنّ: إنها تزوجت من فتى فقير ويتيم فحطت من قدرها وشأنها. وقد إستمرت هذه المقاطعة حتى حملت بالزهراء (ع). فلما قاربت وضع حملها بعثت خلف نساء قريش ليرافقنها في لحظات الطلق والمخاض العصيبة ولا يتركنها لوحدها. فجوبهت برد باهت قاسي: «اِنك لم تسمعي مقالتنا فتزوجت من يتيم أبي طالب، فليس لنا أن نساعدك!
اِغتمت خديجة لهذا الرد الباطل؛ لكن قلبها كان يطفح بنور الأمل الذي يشعرها بأن ربّها لن يتركها وحيدة. وبدأت لحظات الوضع الصعبة؛ مع غربتها ووحدتها في البيت، ولم تكن هناك خادمتها التي يمكنها الوقوف إلى جوارها أملاً فتفتح عينها لترى أربعاً من النساء فينتابها القلق. فنادتها إحداهن قائلة: لا تبتسئي! فقد بعثنا ربك لنجدتك، نحن أخواتك، فأنا سارة وهذه آسية زوجة فرعون وهي رفيقتك في الجنة؛ وتلك مريم بنت عمران، أما هذه فهي كلثوم ابنة موسى بن عمران و قد جئنا لنلبي أمرك. فمكثن عندها حتى وضعت فاطمة سيدة النساء.[5] ولم يكن ذلك بدعا فقد قال الحق سبحانه: (ان الذين قالوا ربنا اللّه ثم استقاموا تتنزل عليه الملائكة ألّا تخافوا ولا تحزنوا)[6] إضافة إلى الملائكة فقد حضرتها أرواح نساء العالم لنجدتها ومعونتها. فسرُّ رسول اللّه (ص) وحمد اللّه وأثنى عليه، وخرست ألسن خصومه ممن نعتوه بالابتر، حيث بشّره سبحانه بهذه المولودة المباركة (اِنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الابتر).
----------------------
[1] ـ رياحين الشريعة، ج2 ص 21.
[2] ـ رياحين الشريعة، ج2 ص21.
[3] ـ نقل هذا الحديث باختلاف طقيف السيوطي في الدر المنثور و الطبري فى ذخائرالعقبى و علي بن ابراهيم في تفسيره. و ان كان المعروف هو اَن المعراج وقع فى السنواتالاخيرة من مكة، الا اَن الذي يستقاد من الروايات هو حصول المعراج لاكثر من مرة و عليهفليس هناک من منافاة في ولادة سيدة النساء في السنة الخامسة من البعثة النبوية المباركة.
[4] ـ ورد هذا الحديث في أغلب كتب العامة من قبيل «تأريخ بغداد» و «الصواعق المحرقة»و «كنز العمال» و «ذخائر العقبى».
[5] ـ سورة فصلت، آية 30.
[6] ـ سورة فصلت، آية 30.
مکتب المرجع الشیخ ناصر مکارم الشیرازي