وعلى الرّغم من ذلك، لم نجد السيّدة زينب في أيّ موقف من مواقفها الّتي ينقلها التّاريخ، إلّا مؤمنةً صابرةً محتسبة، قويَّةً مواجهةً وغير مستكينة، وهي الّتي كانت السّند والدّاعم في كلّ مسيرة حياتها لأبيها وإخوتها، وأكثر ما تجلّى دورها الكبير، في واقعة كربلاء وما بعدها، حيث تحمَّلت مسؤوليَّة إتمام المسيرة الّتي بدأها أخوها الحسين(ع) على أكمل وجه، وكانت السَّبب في إيصال صوت الثَّورة إلى كلّ الأجيال.
لم تستسلم السيِّدة زينب(ع) يومًا لحزنها، والحزن حقٌّ للإنسان، ولم تسمح له بأن يشلَّ حركتها أو أن يقعدها عن مسؤوليَّتها في الحياة، وكيف يكون ذلك، وهي ابنة الخطّ الرّساليّ الّذي حمل راية الدّين، وارتضى بكلّ التّضحيات في سبيله؟! هي ابنة عليّ(ع) الّذي كان الإسلام همّه الأوحد، ولو على حساب نفسه، وابنة الزّهراء(ع) العابدة الزَّاهدة المدافعة عن الحقّ، وهي الّتي كانت تعي أنَّ طريق الإيمان والاستقامة والإخلاص لخطِّ الرّسول(ص) هو طريق ذات الشَّوكة، وليس طريقًا سهلًا ولا مفروشًا بالرّياحين.
إنَّ ما واجهته السيّدة زينب(ع) قد يفوق قدرة الإنسان على الاحتمال، ومع ذلك، احتملته وأكملت الطّريق، والسرّ الوحيد في ذلك، هو ذلك الإيمان الصّلب الّذي لا تزلزله كلّ مصائب الدّنيا وبلاءاتها، ولا يقدر عليه كلّ الطّواغيت، لأنّه يستند إلى الله، والله هو الحقّ، وهو الأكبر والأقوى.. ولعلّ عبارتها أمام ابن زياد عندما سألها: "كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك؟"، فقالت: "لم أر إلّا جميلًا"، يختصر الحكاية كلّها.
هذا كان سرّ زينب(ع)، وسرّ عنفوانها وكبريائها وقوّتها وحكمتها وتماسكها، وبذلك واجهت كلّ المصائب والآلام، لأنَّ من يدرك حقيقة وجوده في هذه الدّنيا، ويعي طبيعة مسؤوليَّته فيها، ويتَّكل في كلِّ أموره على ربِّه، لن يخذله إيمانه يومًا، ولن تضعف عزيمته أبدًا.
والأجدر بنا اليوم، أن نتمثَّل تلك الشّخصيَّة الرّساليَّة، وأن نغرف من معينها، ونتعلّم من دروسها، ونتَّخذ منها القدوة لمسيرة حياتنا، نساءً ورجالًا، وأن نجعل منها، كما من بقيَّة أهل البيت(ع)، البوصلة الّتي نهتدي بها إلى شواطئ الأمان والحقّ، بعد أن كثرت المغريات، وتبعثرت السّبل، وتعدَّدت أساليب الإغواء، واختلط الحقّ بالباطل، وبات الإيمان محلّ شبهة واتّهام.
سوسن غبريس