الشيخ محمد صنقور
روى الصدوق في الخصال - في خصوصية العالم في العلاقة الاجتماعية- عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "من حق العالم ألا تكثر عليه السؤال، ولا تسبقه في الجواب، ولا تلح إذا اعرض، ولا تأخذ بثوبه إذا كسل، ولا تشر اليه بيدك، ولاتغمز بعينك، ولا تساره في مجلسه، ولا تطلب عوراته... "
مما سبق نلاحظ أن الإمام ينهى عن كثرة السؤال وفي المقابل روايات أخرى تحث على كثرة السؤال والتعلم فكيف نجمع بين هذه النصوص؟
لا بد من القول أن معنى قوله (ع): "من حقِّ العالم ألا تكثر عليه السؤال.. "(1) هو أن لا تُثقل عليه ولا تبرمه بكثرة الأسئلة فإنَّ ذلك من مقتضى الأدب، فإنَّ العالم شأنه كشأن سائر الناس، لنفسه إقبال وإدبار وله مشاعر ومشاغل ، ولجسده طاقة واستعداد محدود، فإذا أكثر عليه الناس من الأسئلة فإنَّه قد لا يوفِّي الإجابات حقَّها لأنَّ نفسه قد تُدبر بذلك أو تكون طاقته قد استُنفذت فيمنعه ذلك عن الإسترسال في الإجابة عن الأسئلة فينتج من كثرة السؤال نقض الغرض وهو المعرفة والتعلُّم.
وليس معنى النهي عن كثرة السؤال للعالم هو أنَّ كثرة السؤال لغرض المعرفة والتعلم أمر مرجوح، فإنَّ من الممكن أن تكون الكثرة للسؤال أمراً راجحاً ومستحسناً ولكن لعلماء متعدِّدين أو في مجالس متعددة حتى لا يترتَّب عن الكثرة التبرُّم أو الإعياء.
فالروايات الكثيرة التي حثَّت على كثرة السؤال لا تقتضي أن يكون ذلك مُستحسناً مطلقاً بقطع النظر عن الظروف والملابسات.
ولعلَّ معنى قوله (ع): "من حق العالم ألا تكثر عليه السؤال" هو أنَّ لا تكثر عليه ذات السؤال بعد الإجابة إذا لم تجدها وافية، فإنَّ ذلك مناف للأدب، فلعل المسؤول تعمَّد إيجاز الإجابة أو إبهامها لغايةٍ في نفسه أو لعلَّ نفسه مدبرة وتضيق عن أن تسترسل في الجواب، ولعلَّه لا يُحسن أن يُجيب بأكثر مما أجاب ، فإعادة السؤال عليه كثيراً يُبرمه ويؤذيه.
الهوامش:
1-وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 12 ص 214.
المصدر:مركز الهدى للدراسات الإسلامية