مع المجالس الحسينية المكتوبة..المجلس الثاني من اليوم التاسع..قتل الله قوما قتلوك!

الأربعاء 19 سبتمبر 2018 - 08:20 بتوقيت غرينتش
مع المجالس الحسينية المكتوبة..المجلس الثاني من اليوم التاسع..قتل الله قوما قتلوك!

فلما بلغت الروح التراقي قال رافعاً صوته : يا أبتاه ، هذا جدّي رسول الله(صلى الله عليه وآله)قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبداً ، وهو يقول : العجل العجل!...

الشيخ عبدالله إبن الحاج حسن آل درويش

فعلى الأطائب من أهل بيت محمَّد وعلي صلَّى الله عليهما وآلهما فليبك الباكون ، وإياهم فليندب النادبون ، ولمثلهم فلتذرف الدموع ، وليصرخ الصارخون ، ويضجَّ الضاجون ، ويعجَّ العاجون ، أين الحسن وأين الحسين ، أين أبناء الحسين ، صالح بعد صالح ، وصادق بعد صادق ، أين السبيل بعد السبيل ، أين الخيرة بعد الخيرة ، أين الشموس الطالعة ، أين الأقمار المنيرة ، أين الأنجم الزاهرة ، أين أعلام الدين وقواعد العلم.

جاء في مقاتل الطالبيين أن علي بن الحسين الأكبر(عليه السلام) ولد في خلافة عثمان وقد روى عن جدّه علي بن أبي طالب(عليه السلام).

وفي معالي السبطين قال : وكان أهل المدينة إذا اشتاقوا إلى النبي(صلى الله عليه وآله) نظروا إلى علي الأكبر(عليه السلام) ، وكان الحسين(عليه السلام) يحبه حباً شديداً بحيث إذا رآه فرح به وسرَّ سروراً عظيماً ، وإذا سأله حاجة لا يردّه أبداً ولو على سبيل الإعجاز ، قال كثير ابن شاذان : شهدت الحسين بن علي(عليهما السلام) وقد اشتهى عليه ابنه علي الأكبر عنباً في غير أوانه ، فضرب بيده إلى سارية المسجد ، فأخرج له عنباً وموزاً فأطعمه ، وقال(عليه السلام) : ما عند الله لأوليائه أكثر.

أقول : أفمن كان حبُّه لولده بهذه المثابة بحيث لا يردّه عن حاجة حتى يقضيها له ولو على سبيل الإعجاز فما حاله حين رجع هذا الولد من المعركة ، وطلب منه جرعة من الماء ، وهو لا يتمكَّن من أن يعطيه ويسقيه؟

وعُرف عن علي الأكبر(عليه السلام) صلابته في الدين ودفاعه عن الحق ، وأنه لا يهاب الموت في سبيل الله تعالى ، روى عقبة بن سمعان في مسير الحسين(عليه السلام) إلى كربلاء قال : فسرنا معه ساعة ، فخفق(عليه السلام) وهو على ظهر فرسه خفقة ، ثم انتبه وهو يقول : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله ربِّ العالمين ، ففعل ذلك مرّتين أو ثلاثاً ، فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين (عليه السلام) فقال : مم حمدت الله واسترجعت؟ قال : يا بنيَّ ، إني خفقت خفقة ، فعنَّ لي فارس على فرس وهو يقول : القوم يسيرون ، والمنايا تسير إليهم ، فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا ، فقال له : يا أبت : لا أراك الله سوءاً ، ألسنا على الحق؟ قال : بلى والله الذي مرجع العباد إليه ، فقال : فإنّنا إذاً ما نبالي أن نموت محقّين .

فقال له الحسين(عليه السلام) : جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداً عن والده.

وفي بحار الأنوار قال العلامة المجلسي عليه الرحمة : قالوا : ثمَّ تقدَّم علي بن الحسين(عليه السلام) ، وقال محمد بن أبي طالب وأبو الفرج : وأمه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي ، وهو يومئذ ابن ثماني عشرة سنة ، وقال ابن شهر آشوب : ويقال : ابن خمس وعشرين سنة ، قالوا : ورفع الحسين(عليه السلام) سبَّابته نحو السماء وقال : اللهم اشهد على هؤلاء القوم ، فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقاً وخلقاً ومنطقاً برسولك ، وكنّا إذا اشتقنا إلى نبيِّك نظرنا إلى وجهه ، اللهم امنعهم بركات الأرض ، وفرِّقهم تفريقاً ، ومزِّقهم تمزيقاً ، واجعلهم طرائق قدداً ، ولا ترض الولاة عنهم أبداً ، فإنهم دعونا لينصرونا ، ثمَّ عدوا علينا يقاتلوننا .

ثم صاح الحسين (عليه السلام) بعمر بن سعد : ما لك؟ قطع الله رحمك! ولا بارك الله لك في أمرك ، وسلَّط عليك من يذبحك بعدي على فراشك ، كما قطعت رحمي ، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، ثمَّ رفع الحسين(عليه السلام) صوته وتلا : {إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْض وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} . ثمَّ حمل علي بن الحسين على القوم ، وهو يقول :

أنا عليُّ بنُ الحسينِ بنِ علي            من عُصْبَة جَدُّ أبيهِمُ النبي

واللهِ لا يحكُمُ فينا ابنُ الدَّعِي             أَطْعَنُكُمْ بالرُّمْحِ حتَّى ينثني

أَضْرِبُكُم بالسيفِ أَحْمِي عن أبي        ضَرْبَ غُلاَم هاشميٍّ علوي

فلم يزل يقاتل حتى ضجَّ الناس من كثرة من قتل منهم ، وروي أنه قتل على عطشه مائة وعشرين رجلا ، ثمَّ رجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات كثيرة فقال : يا أبه! العطش قد قتلني ، وثقل الحديد أجهدني ، فهل إلى شربة من ماء سبيل

أتقوَّى بها على الأعداء؟ فبكى الحسين(عليه السلام) وقال : يا بنيَّ ، يعزُّ على محمد وعلى علي بن أبي طالب وعليَّ أن تدعوهم فلا يجيبوك ، وتستغيث بهم فلا يغيثوك ، يا بنيَّ ، هاتِ لسانك ، فأخذ بلسانه فمصَّه ، ودفع إليه خاتمه وقال : أمسكه في فيك ، وارجع إلى قتال عدوك ، فإني أرجو أنك لا تمسي حتى يسقيك جدّك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً . فرجع إلى القتال وهو يقول :

الحَرْبُ قد بانت لها الحَقَائِقُ         وَظَهَرَتْ من بَعْدِها مَصَادِقُ

واللهِ ربِّ العَرْشِ لاَ نُفَارِقُ             جُمُوعَكُمْ أو تُغْمَدَ البَوَارِقُ

فلم يزل يقاتل حتى قتل تمام المائتين ، ثمَّ ضربه منقذ بن مرّة العبدي على مفرق رأسه ضربة صرعته ، وضربه الناس بأسيافهم ، ثمَّ اعتنق فرسه فاحتمله الفرس إلى عسكر الأعداء ، فقطَّعوه بسيوفهم إرباً إرباً .

فلما بلغت الروح التراقي قال رافعاً صوته : يا أبتاه ، هذا جدّي رسول الله(صلى الله عليه وآله)قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبداً ، وهو يقول : العجل العجل! فإن لك كأساً مذخورة حتى تشربها الساعة ، فصاح الحسين(عليه السلام) وقال : قتل الله قوماً قتلوك ، ما أجرأهم على الرحمان وعلى رسوله (صلى الله عليه وآله) ، وعلى انتهاك حرمة الرسول ، وعلى الدنيا بعدك العفا .

قال حميد بن مسلم : فكأني أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس الطالعة ، تنادي بالويل والثبور ، وتقول : يا حبيباه ، يا ثمرة فؤاداه ، يا نور عيناه! فسألت عنها فقيل : هي زينب بنت علي(عليه السلام) ، وجاءت وانكبَّت عليه ، فجاء الحسين فأخذ بيدها فردَّها إلى الفسطاط ، وأقبل(عليه السلام) بفتيانه وقال : احملوا أخاكم ، فحملوه من مصرعه فجاؤوا به حتى وضعوه عند الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه.

قال المرحوم الشيخ جعفر التستري عليه الرحمة : إن الحسين(عليه السلام) في مصيبة ولده قد احتضر وأشرف على الموت ثلاث مرَّات ، الأولى ، لمَّا برز علي الأكبر واستأذن أباه فأذن له ، وألبسه الدرع والسلاح ، وأركبه على العقاب ، قال رضي الله عنه : فلمَّا تجلَّى وجه طلعته من أفق العقاب ، واستولت يده وقدمه على العنان والركاب ، خرجن النساء وأحدقن به فأخذت عمَّاته وأخواته بعنانه وركابه ، ومنعنه من العزيمة ، فعند ذلك تغيَّر حال الحسين(عليه السلام) بحيث أشرف على الموت ، وصاح بنسائه وعياله ، دعنه فإنه ممسوس في الله ومقتول في سبيل الله ، ثم أخذ بيده وأخرجه من بينهن ، فنظر إليه نظر آيس منه ، والثانية : التي احتضر فيها الحسين(عليه السلام)وذلك حين رجع علي الأكبر(عليه السلام) من المعركة وقد أصابته جراحات كثيرة ، والدم يجري من حلق درعه ، وقد اشتدَّ به الحرُّ والعطش ، وقف وقال : يا أبه العطش ، فضمَّه الحسين(عليه السلام) إلى صدره ، وبكى وأشرف على الموت من شدّة الهمّ والحزن من حيث أنه لا يتمكَّن من سقيه ، والمرَّة الثالثة : حين رأى علياً سقط ونادى : يا أبه عليك منّي السلام ، قالت سكينة : لمَّا سمع أبي صوت ولده نظرت إليه فرأيته قد أشرف على الموت ، وعيناه تدوران كالمحتضر ، وجعل ينظر إلى أطراف الخيمة ، وكادت روحه أن تطلع من جسده ، وصاح من وسط الخيمة : ولدي ، قتل الله قوماً قتلوك.

يا كوكباً ما كان أَقْصَرَ عُمْرَهُ           وكذاك عُمْرُ كَوَاكِبِ الأسحارِ

وهلالَ أيَّام مضى لم يَسْتَدِرْ         بدراً ولم يُمْهَلْ لِوَقْتِ سَرَارِ

عَجِلَ الخُسُوفُ عليه قَبْلَ أَوَانِهِ      فَمَحَاه قَبْلَ مَظَنَّةِ الإبدارِ

أبكيهِ ثمَّ أقولُ معتذراً له               وُفِّقْتَ حين تَرَكْتَ أَلأَمَ دَارِ

جَاوَرْتُ أعدائي وَجَاوَرَ ربَّه             شَتَّانَ بين جِوَارِهِ وَجِوَاري

وقال آخر :

كُنْتَ السوادَ لِمُقْلَتي             يبكي عليك النَّاظِرُ

مَنْ شَاءَ بَعْدَكَ فَلْيَمُتْ             فعليكَ كنتُ أُحَاذِرُ

المصدر:المجالس العاشورية في المآتم الحسينية

إقرأ أيضا:مع المجالس الحسينية المكتوبة..المجلس الأول من اليوم التاسع..ما لا تعرفه عن خصال علي الأكبر(ع)ونسبه الشريف