صقر خراسان
تكاد الروايات الشريفة أن تكون خالیة من إسم أو صفات الشیصباني رغم أھمیة دوره وارتباطه المباشر بزمن الظھور الشريف من خلال الربط بین حركته وحركة خروج اللعین من الوادي الیابس . وھناك رواية واحدة من روايات أھل البیت علیھم السلام أشارت إلیه ودلَّت علیه ، رغم اعتراض الكثير من المحققین والمدققین على صحة سند الرواية .
عن جابر الجعفي قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن السفیاني فقال : وأنى لكم بالسفیاني حتى يخرج قبله الشیصباني ، يخرج بأرض كوفان ينبع كما ينبع الماء ، فیقتل وفدكم . فتوقعوا بعد ذلك السفیاني وخروج القائم (1)
تفسير و إستنتاج:
في المقطع الأول من جواب الامام الباقر (ع) : وأنّى لكم بالسفیاني حتى يخرج قبله الشیصباني “ وأنى لكم ؟ ھي ضرب من العدم بما معناه لا يكون السفياني حتى يخرج قبله الشیصباني ، ھذا الامر يدلنا على ان ظھور الاخیر مشروط بخروج الأول ، فلا سفیاني إن لم يظھر قبله الشيصباني.
الإستنتاج الأول : يشترط خروج الشیصباني قبل السفیاني .
أما السفياني فقد وردت بحقه الروايات من مصادر الفريقين و حددت أوصافه و نسبه و مدة حكمه و خارطة حركته من بداية خروجه حتى مقتله بينما نجد ندرة واضحة بالدلالة على شخصیة الشیصباني ، فلم يتضح اذا كان فرداً أم جماعة ؟ وحتى نستطیع اعطاء البحث حقه يجب علينا التوسع من خلال الشرح والربط بین الروايات الشريفة ، لماذا ؟ لأن أئمة الھدى علیھم السلام قد أحاطوا بكل التفاصیل في مواضع مختلفة . فلنبدأ أولاً بالبحث عن معنى كلمة شیصبان ...
إن التدقيق في كتب ومعاجم التفاسیر اللغوية توصلت الى ان الشیصبان ھو إسم من اسماء الشیطان أو الجن (2)وھذا الاسم مقرون بالأعمال العدائية والشريرة بحق الانسانیة ، وكذلك وجدت في معجم تفسیر آخر بأن شصاب تعني قصاب والقصاب ھو الجزار الذي يمتھن الذبح و النحر.
الإستنتاج الثاني : الشیصبانیة ھي صفة شیطانیة عدائیة .
أما أهل البيت علیھم السلام وبحسب ما ورد في الروايات الشريفة ، فكانوا يطلقون ھذا الاسم أو الصفة على حكام وجلاوزة بني العباس ، و إليكم هذه الرواية :
عن علي بن إبراھیم بن مھزيار أن الامام الحجة سألني ، قال لي : يابن مھزيار ؛ كیف خلّفت إخوانك في العراق ؟ قلت: في ضنك عیش وھناة ، قد تواترت علیھم سیوف بني الشیصبان .فقال قاتلهم الله أنّي يؤفكون.كأني بالقوم قد قتلوا في ديارهم و أخذهم أر ربهم لیلاً ونھاراً (3).
هنا نجد بأن إبن مهزيار يصف بني العباس ببني الشیصبان والامام الحجة يفھم قصده ويجیبه “ قاتلھم االله “.
و كذلك إليكم هذه الرواية الثانیة التي يصف فیھا دولة بني العباس :
عن كفاية الأثر عن علقمة بن قیس قال : خطبنا أمیر المؤمنین على منبر الكوفة خطبة اللؤلؤة ... ثم قال: وتبنى مدينة يقال لھا الزوراء بین دجلة و دجيل و الفرات، فلو رأيتموھا مشیدة بالجص والآجر مزخرفة بالذھب والفضة والأزورد والمرمر والرخام وأبواب العاج والأبنوس والخیم والقباب و الستارات و قد غلبت بالساج والعرعر والصنوبر وشیدت بالقصور وتوالت علیھا ملك بني شیصبان، أربعة وعشرون ملكا .... (4. )
و هنا نجد بأن أمبر المؤمنین (ع) بعد وصفه للزوراء يشیر الى امراء بني العباس ويصفھم ببني شیصبان ...
الإستنتاج الثالث : تشبیه الشیصباني بجلاوزة بني العباس
و من المعروف لدينا تاريخيا بأن بني العباس ھم احفاد العباس بن عبد المطلب وھو أصغر اعمام النبي (ص) . والیكم ھذه الرواية التي تثبت ذلك :
عن ابن عباس، قال رسول االله (ص) لأبي يا عباس : ويل لذريتي من ولدك و ويل لولدك من ولدي( القائم ) فقال يا رسول االله : أفلا أجتنب النساء(أو قال أفلا أجب نفسي) قال :؟إن علم االله عز و جل قد مضى و الأمور بیده و إن الأمر سیكون في ولدي (4).
و قد رفع بنو العباس زوراً شعارات اسلامیة موالیة لآل البیت (ع) وتظاھروا بحبھم والخروج للطلب بثاراتھم ، وكانت راياتھم سوداء ، وبعدما استولوا على الحكم مارسوا أشد انواع القتل والظلم والتعسف بحق اھل بیت النبوة واتباعھم طیلة مدة حكمھم .
الإستنتاج الرابع : نستنتج ھنا من خلال التشبیه أن الشیصباني يدعي حب وطاعة آل محمد ورايته سوداء .
في المقطع الثاني “ يخرج بأرض كوفان “ ، ھنا يحدد الامام المعصوم الوجھة التي ينطلق منھا الشیصباني ، او البقعة الجغرافیة التي يتحرك من ناحيتها ذلك الشرير ، ويدل علیھا بأنھا أرض كوفان أي العراق . وقد ذھب البعض من المحللین الى ان كوفان تعني الكوفة المدينة الحالیة ،و لكني وجدت بأن ھذا التحلیل غیر دقیق ، لماذا ؟ لأني وجدت بعض الروايات الصادرة عن رسول االله (ص) وآل البیت (ع) تشیر الى الكوفة ولیس بكوفان والیكم ھذه الرواية :
قال أبو سعيد الخدري : سمعت رسول االله (صلى االله علیه وآله) يقول : الكوفة جمجمة العرب ورمح االله تبارك وتعالى وكنز الأيمان (6).
هنا نجد بأن الرسول الاعظم (ص) يصف الكوفة ولیس كوفان برمح االله .
الإستنتاج الخامس : يخرج الشیصباني من العراق .
أما في المقطع الثالث “ ينبع كما ينبع الماء “ ، فیظھر لنا من خلال وصف المعصوم كأنه يتكاثر وينتشر ، لماذا ؟ لأن من طبیعة النبع أن میاھه تتدفق من باطن الارض بقوة الى خارجھا ويتكاثر ويسیل وينتشر بین السھول والاودية .
الإستنتاج السادس : من صفات الشیصباني بانه يبدأ في العراق ثم يتكاثر وينتشر في اراضیه والى خارجه .
في المقطع الرابع “ ويقتل وفدكم “ ، ھنا تبدو صفته واضحة بأنه شرير وقاتل فھو يقتل وفدكم أي ساداتكم وقاداتكم أو علیة قومكم .
الإستنتاج السابع : الشیصباني قاتل .
المقطع الأخير:" فتوقعوا بعد ذلك السفیاني وخروج القائم "، ھنا يرسم الامام المعصوم خارطة طريق الاحداث التي تسبق الظھور ببراعة لأنه ربط بين خاتمة مرحلة الشیصباني و بداية مرحلة السفیاني وترك الامر للمنتظرين في خانة التوقع الايجابي ، ولم يقل سلام االله علیه فانتظروا و توقع حصول حدث ما ، يدل على قرب حدوثه في كل ساعة ، اما انتظار الحدث فقد يطول اكثر ، كأن تقول : اتوقع وصول ولدي بعد قليل فهي أقرب من قول : انتظر قدوم ولدي . ھنا نستنتج بأن الشیصباني ھو من العلامات الھامة على خروج السفیاني ، ويختم الامام الباقر بكلمة و "القائم “ والواو حرف عطف ، مما يدل بأن مرحلة القائم تلي مرحلة السفیاني مباشرة .
الإستنتاج الأخير: مرحلة الشیصباني تسبق مرحلتي السفیاني والقائم .
بعد هذا التفسير الكافي والوافي للرواية نعمل على جمع مجمل الاستنتاجات في خانة واحدة على الشكل التالي :
الإستنتاج الأول : يشترط خروج الشیصباني قبل السفیاني .
الإستنتاج الثاني : الشیصبانیة ھي صفة شیطانیة عدائیة .
الإستنتاج الثالث : تشبیه الشیصباني بجلاوزة بني العباس .
الإستنتاج الرابع : الشیصباني يدعي حب وطاعة آل محمد ورايته سوداء .
الإستنتاج الخامس : يخرج الشیصباني من العراق
الإستنتاج السادس : من صفات الشیصباني بانه يبدأ في العراق ثم ينتشر في اراضیه والى خارجه .
الإستنتاج السابع : الشیصباني قاتل .
الإستنتاج الأخیر : مرحلة الشیصباني تسبق مرحلتي السفیاني والقائم .
ها قد وضعنا أمامكم التفسیرات والاستنتاجات ، اما اسقاط الرمز على الشخصیة او الجماعة فإني اتحفظ عن ذكره لنقص بعض الادلة واتركه لكم و الله ولي التوفیق .
الهوامش:
1-البحار52/250.
2-خزانة الأدب لعبد القادر البغدادي
3-كمال الدين/469
4-إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب
5-الغيبة للنعماني،14/248.
6-الكافي،6/243
المصدر:الممهدون في الأرض