الشيخ تامر حمزة
هي فاطمة بنت حزام(1) واسم أمِّها ثمامة(2) وقيل ليلى(3) بنت السهيل بن عامر بن مالك (وهو ابن أبي براء عامر ملاعب الأسنة)(4) بن جعفر بن كلاب. وجدَّتها لأمِّها عمرة بنت الطفيل وهو "فارس قرزل بن مالك الأخرم رئيس هوازن"(5) ثمَّ ينتهي النسب إلى الجدِّ الأعلى للنبي وهو عبد مناف(6).
* أمُّ البنين بعين رسول الله
وأمَّا جدها لأمِّها فلم يُعرف في العرب مثله في الشجاعة وهو الملقَّب بملاعب الأسنة، وكان به مرض عضال فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وآله لبيد بن ربيعة (وهو عم حزام بن خالد والد أم البنين(7)) مع هدايا، فلم يقبلها صلى الله عليه وآله لأنَّه ما كان ليقبل هدية مشرك، ثمَّ أخذ حثوة من الأرض فتفل عليها وقال للبيد: دفها بماء ثمّ أسقه إيَّاها فأخذها متعجباً يرى أنَّه قد استهزىء به فشربها فأطلق من مرضه(8). ويظهر أنَّ النبي عمد إلى هذا العمل لعلمه بأنَّ أم البنين في صلبه، لذا فالمحافظة عليه إنَّما هي لتهيئة المقدِّمات ليتشرَّف الوجود بولادة أم البنين عليها السلام. إذاً فهي مورد عناية رسول الله صلى الله عليه وآله. وأمَّا لبيد هذا فهو معروف بشعره ويكفيه فخراً ما قال في حق شعره رسول الله صلى الله عليه وآله: أصدق كلمة قالها العرب كلمة لبيد حينما قال:
ألا كل شيء ما سوى الله باطل وكل نعيم لا محالة زائل(9)
وهو القائل مفتخراً بأن أم البنين منهم:
يا واهب الخير الجزيل من سعه نحن بنو أم البنين الأربعة
وقد ترك الشعر منذ أن أسلم وقال: ما كنت لأقول شعراً وقد علَّمني الله البقرة وآل عمران(10).
توجَّه أمير المؤمنين إلى أخيه عقيل بن أبي طالب وهو النسَّابة العارف بأنساب العرب وأخبارهم وقال له: انظر إلى امرأة قد ولدها الفحولة من العرب لأتزوَّجها، فتلد لي غلاماً فارساً، فقال له: أين أنت عن فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابيَّة(11) فإنَّه ليس في العرب أشجع من آبائها(12). طالما أنَّها تحمل كلَّ بذور الخير وقد جُبِلَت على الشهامة والكرم فقد أعطاها الله بصيرة نافذة لتدرك المقامات الرفيعة لهذين السيدين اليافعين مع أختهما زينب الكبرى فصارت نبراساً يذكر في الوفاء لبيت أمير المؤمنين عليه السلام. وقد شرَّفها الله تعالى بأن جعلها من ذوات الأرحام المطهرة التي كانت ظرفاً لأبي الفضل العباس وإخوته محقِّقة بذلك الأمل الذي كان يرمي إليه الإمام علي عليه السلام. ذات صباح يومٍ أقبلت أمُّ البنين إلى أمِّها ثمامة وأخبرتها أنَّها رأت في منامها كأن قمر السماء وثلاثة كواكب معه قد صارت في حجرها فضمتهم إلى صدرها وهي فرحة مسرورة. وحين انتبهت من نومها ولم تجدهم حزنت على فقدهم، فاصطحبت الأم ابنتها إلى معبّر الرؤيا فأخبرها بأنَّها سوف تتزوج من رجل عظيم وتنجب منه أربعة أولاد أكبرهم يكون كالقمر بين النجوم(13). والأربعة هم العباس وجعفر وعبد الله وعثمان(14). كانت ولادة أبي الفضل سنة 26 هـ. وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: إنّ ولدي العباس زُقَّ العلم زقَّاً، وَوُصف بأنَّه كان بطلاً وسيماً إذا ركب المطهم كانت رجلاه تخطان الأرض. وحين شهادته في كربلاء كان له من العمر35 سنة. ثمَّ أنجبت الثاني عبد الله بعد عشر سنوات وكان عمره يوم شهادته 25 سنة وقد جاء ذكره في زيارة الناحية المقدَّسة: السلام على عبد الله ابن أمير المؤمنين عليه السلام مبلي البلاء والمنادي بالولاء في عرصة كربلاء والمضروب مقبلاً ومدبراً، ثمَّ جاء الوليد الثالث عثمان على اسم أخيه في الله عثمان بن مظعون واستشهد عن عمر 23 سنة، ثمَّ أنجبت الكوكب الرابع جعفر على اسم شقيق أمير المؤمنين عليه السلام جعفر الطيار. ويوم شهادته كان له من العمر 21 سنة. أمَّا الأحفاد فالظاهر أنَّ الأحفاد كلهم من ولد أبي الفضل العبَّاس، وقد رزق من الأبناء عبيد الله والفضل والحسن ومحمد والقاسم وبنتاً واحدة(15). ولا زال نسله المبارك موجوداً إلى عصرنا الحاضر وهم منتشرون في العراق واليمن والهند وطبرستان ومصر وغيرها(16).
* عصارة الإيثار والفداء
حبّ أم البنين للحسين لم يقف عند حد، وهذا يظهر من سيِّدتنا الطيبة منذ دخولها إلى بيت أمير المؤمنين، وقد تجلّى هذا الحب والحنان في أصعب اللحظات حين نُعي إليها أولادها الأربعة فكلَّما كان بشرٌ ينعى إليها أحد أولادها كانت تقول أخبرني عن الحسين عليه السلام حتَّى نعى إليها أبا الفضل العباس عليه السلام فقالت: يا هذا قطَّعت نياط قلبي، أولادي ومن تحت الخضراء كلهم فداء لأبي عبد الله الحسين عليه السلام(17). وتعتبر أم البنين أوّل من أقام مجالس العزاء في دارها(18) واجتمع عندها نساء بني هاشم يندبن الحسين عليه السلام وأهل بيته. ولإكبارها وجلالتها زارتها السيدة زينب الكبرى بعد منصرفها من واقعة الطف كما كانت تزورها أيام العيد(19).
من رثاء أولادها الأربعة:
لا تدعوني ويك أم البنين تذكريني بليوث العرين
كانت بنون لي أدعى بهم واليوم أصبحت ولا من بنين
أربعة مثل نسور الربى قد واصلوا الموت بقطع الوتين
* وفاتها
لم يؤرخ لأم البنين تاريخ وفاتها إلا أنَّ الخطيب مهدي السويج في كتابه أم البنين ذكر أنه سأل عدَّة مرات أهل الخبرة فلم يحصل على جواب شاف. وذات يوم تناول كتاباً وهو مخطوطة يعود تاريخ خطِّها إلى عام 1221هـ باسم كنز المطالب للعلامة محمد باقر الهمداني ذُكر فيه تاريخ وفاة أم البنين في الثالث عشر من جمادى الآخرى ودُفنت بالبقيع قرب مولاتنا فاطمة الزهراء عليها السلام. وعن الأعمش يقول: دخلت على الإمام زين العابدين في الثالث عشر من جمادى الثانية وكان يوم الجمعة فدخل الفضل بن العباس عليه السلام باكياً حزيناً وهو يقول: لقد ماتت جدتي أم البنين فقال: كيف فجع أهل الكساء مرتين في شهر واحد؟ ويضيف الخطيب ثم عثرت بعد مدة على خبر في هامش وقائع الشهور والأيام للبيرجندي وفيه أنَّ أم البنين توفيت سنة 64هـ(20).
* من كانت له حاجة
من كانت له حاجة ملحة فليقرأ الفاتحة لأم البنين مع الصلاة على محمد وآل محمد فإن شاء الله تقضى بإذنه تعالى وهي من المجربات، فهي باب من أبواب أهل البيت عليهم السلام. اللهم عرّفنا مقامهم واحشرنا معهم.
الهوامش:
(1) بحار الأنوار، ج45، ص37، عن مقاتل الطالبيين، ص81، وقاموس الرجال، ج5، ص240، وفي أغلب المصادر التاريخية.
(2) مقاتل الطالبيين، ص82.
(3) أعلام النساء، ج1، ص242.
(4) عمدة الطالب، ص356.
(5) المصدر السابق.
(6) أعلام النساء، ج10، ص242.
(7) سفينة البحار، ج2، ص503.
(8) الكنى والألقاب، ج1، ص15.
(9) مصباح الشريعة، ص60.
(10) تنقيح المقال، ج2، ص43.
(11) أدب الطف، ج1، ص72.
(12) عمدة الطالب، ص357، تنقيح المقال، ج3، ص70، أعيان الشيعة، ج8، ص389، أعلام النساء، ج1، ص242.
(13) أم البنين سيدة نساء العرب، ص39.
(14) البحار، ج42، ص89، ج18، والإرشاد للمفيد، ص186، واتفقت عليه أغلب كتب التراجم والتاريخ.
(15) زينب الكبرى، النقدي، ص12.
(16) بطل العلقمي، ج3، ص435.
(17) تنقيح المقال، ج3، ص70.
(18) رياض الأحزان، ص60.
(19) زينب الكبرى، ص25، عن مجموعة الشهيد الأول.
(20) أم البنين سيدة نساء العرب، ص84.
المصدر:مجلة بقية الله