وتشكل الانتخابات الرئاسية المقبلة اختبارا للرئيس عبد العزيز، الذي سيكون من الناحية الدستورية خارج دائرة التنافس، ما لم يتم تغيير المادة المقيدة للولايات الرئاسية بفترتين فقط.
ونفى عبد العزيز في أكثر من مرة نيته الترشح للرئاسة، أو تغيير تلك المادة، بينما ترى المعارضة أن ثمة مؤشرات على توجهه نحو الاستمرار في الحكم، كما يبرز من خلال حراك متصاعد داخل الأغلبية.
وتكتسي الانتخابات البرلمانية الحالية بعدا خاصا بمشاركة كافة أنواع الطيف السياسي المعارض، بعد مقاطعة أبرز أحزابه الانتخابات النيابية والبلدية والرئاسية السابقة.
وكان من اللافت للانتباه، كثرة المرشحين بشكل غير مسبوق، ودخول مدونين بارزين على خط التنافس لأول مرة، مستغلين شهرتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، عاملا فاعلا في إقناع الناخبين بالتصويت لهم.
ويعود ما يسميه الشارع الموريتاني "حمى الترشحات" لكون القانون يحظر الترشح المستقل، ويهدد الأحزاب، التي لم تشارك في استحقاقين محليين متتاليين، أو التي حصلت مرتين على أقل من نسبة واحد بالمئة، الأمر الذي دفع هذه الأحزاب وغيرها إلى الدخول في اللعبة الانتخابية، تفاديا لسحب التراخيص منها.
كما وجد المستقلون فرصة لدخول الميدان، من خلال هذه الأحزاب، لا سيما أولئك الراغبين في دخول المسار الانتخابي، الأمر زاد من نسبة المشاركة في هذه الانتخابات، وأضفي على المشهد السياسي حركية خاصة.
غير أن الواقع يعكس تصدر أحزاب قليلة لواجهة المشهد، فيما قد تفشل أحزاب كثيرة في الحصول على أي حصة معتبرة في البرلمان المقبل.
أبرز الأحزاب:
حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، وهو الحزب الحاكم في موريتانيا، وينتسب له أعضاء الحكومة، وأبرز المسؤولين في الدولة، وقد استطاع أن يغطي جميع التراب الوطني في ترشيحاته النيابية والبلدية والجهوية.
وسيجد الحزب الحاكم نفسه في منافسة شرسة مع أحزاب من الأغلبية في بعض الدوائر الانتخابية، وهو عامل ربما يقص من أظافر الحزب إلى حد ما، وستكون هذه الأحزاب ملائمة لمن يسمون في المشهد السياسي بـ "المغاضبين"، الذين يرون أن الحزب الحاكم غمطهم حقهم في الترشح.
لكن في نهاية المطاف وتحت القبة البرلمانية وفي المجالس البلدية والجهوية، سيكون هؤلاء ظهيرا له في مواجهة المعارضة المشتتة سياسيا بفعل اختلاف مواقفها من التعامل مع النظام.
ومن المتوقع أن تحصل أحزاب من داخل الأغلبية، مثل حزب الحراك الشبابي والكرامة والاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم على مقاعد في الجمعية الوطنية والمجالس الجهوية والبلدية.
وربما يكون من المفاجأة في هذ الانتخابات بروز حزب الصواب ذي الخلفية البعثية بشكل لافت، بعد الاتفاق الذي حصل بين الحزب وبين مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية "إيرا" غير المرخصة، التي يتزعمها الناشط الحقوقي بيرام ولد الداه.
ورغم أن الحزب شارك في الاستحقاقات الماضية، فإنه لم يحصل على أي منصب انتخابي، غير أن تحالفه الأخير مع حركة "إيرا" سيمكنه من حضور نوعي، حيث سيستفيد أنصار الحركة من يافطة مشروعة تتيح لهم خوض غمار الانتخابات، بعد رفض وزارة الداخلية الترخيص لحزب من أحضان الحركة، كما سيضمن للحزب وجودا معتبرا في المشهد الانتخابي.
بينما هناك أحزاب سياسية معارضة عريقة في المعارضة، ومقارعة مختلف الأنظمة في موريتانيا، قد تفقد بعض تألقها في هذه الانتخابات لأسباب مختلفة.
فحزب تكتل القوى الديمقراطية، الذي يرأسه زعيم المعارضة السابق أحمد ولد داداه، كان في صدارة الأحزاب المعارضة من حيث الشعبية والتمثيل البلدي والنيابي، غير أنه آثر المقاطعة في الانتخابات الرئاسية والنيابية والبلدية السابقة.
وأثر هذا القرار في حضوره السياسي وفق مراقبين، لذلك فهو يدخل التنافس بعد سنوات من المقاطعة، وخفوت صوته في التمثيل البلدي والنيابي. وقد ينعكس ذلك على حضوره في هذه الانتخابات، مع أنه سيبقى رقما معتبرا في المعادلة السياسية المحلية.
كما قد لا يحقق حزب التحالف الشعبي التقدمي، الذي يتزعمه مسعود ولد بلخير، ما كان يحققه سابقا، بعد وجود خطابات حزبية تتقاطع معه في نفس المفردات، فضلا عن انشقاقات متعددة.
وقد دخل الحزب تحالفا اختط لنفسه طريقا بين ما اعتبرها معارضة راديكالية ترفض أي تواصل أو حوار مع النظام، وبين الاندماج في الأغلبية، فأسس مع بعض الأحزاب أبرزها حزب الوئام الديمقراطي" كتلة المعاهدة".
لجنة الانتخابات
وتشرف على الانتخابات لجنة مستقلة عينها الرئيس الموريتاني، وتضم أعضاء محسوبين على النظام وعلى كتلة المعاهدة المعارضة، واعتبرها المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة وحزب تكتل القوى الديمقراطية غير توافقية، إذ خلت من أي تمثيل من هذه الكيانات المعارضة، فيما قدمت مؤسسة زعامة المعارضة طعنا في اللجنة.
وفي تعديل أخير على أعضائها بسبب ظرف صحي لرئيسها، عين السيد محمد فال ولد بلال، وهو سياسي معارض، رئيسا للجنة، مما قد يخفف من تحفظ المعارضة، ويساعد في بناء الثقة في اللجنة.