هكذا إختفى السيد موسى الصدر...!

السبت 1 سبتمبر 2018 - 07:49 بتوقيت غرينتش
هكذا إختفى السيد موسى الصدر...!

أقام سماحة الإمام الصدر وأخواه في فندق الشاطئ بطرابلس الغرب، ضيوفًا على سلطات الجماهيرية الليبية...

ناهض عبد الصاحب البلداوي

تجاه اشتداد المحنة اللبنانية، وتعاظم الأخطار التي تهدد جنوبي لبنان بفعل العدو الإسرائيلي وممارساته اثر الاجتياح في 14/3/1978م والتي حالت دون تمكين الدولة اللبنانية من إخضاع هذه المنطقة لسلطتها لرفض إسرائيل الانسحاب من المنطقة الحدودية وتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 425 وذلك من أجل خلق وضع يخدم مخططاتها.
وجد سماحة الإمام السيد موسى الصدر، قيامًا منه بمهام مسؤولياته، أن الواجب يدعوه لعرض تطورات الوضع العام في لبنان وحقيقة المخاطر التي تهدد جنوبه، على رؤساء الدول العربية ذات الاهتمام والتأثير المباشر في معالجة هذه الأوضاع.
وفي هذا الإطار، قام سماحة الإمام بجولة شملت كلًا من الجمهورية العربية السورية والمملكة الأردنية الهاشمية والمملكة العربية السعودية والجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، داعيًا لعقد مؤتمر قمة عربي محدود سعيًا لإنهاء محنة لبنان وإنقاذ جنوبه، وهو ما أعلنه الإمام الصدر بنفسه في حديثه لصحيفة «أخبار الخليج» البحرينية والذي نقلت خلاصته صحيفة «النهار» في 24/7/1978م.
في الجزائر، أجرى سماحته محادثات مع سيادة الرئيس هواري بومدين ومع السيد محمد صلاح يحياوي ومع مسؤولين آخرين في جبهة التحرير الوطني الجزائرية. وفي إحدى جلسات هذه المحادثات، أُشير على سماحته بزيارة الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية لما لقادتها من تأثير على مجريات الوضع العسكري والسياسي على الساحة اللبنانية إكمالًا لجولته وخدمة لأهدافها القومية والوطنية. وأبدى سماحته أن زيارته الوحيدة لليبيا تمت عام 1975م، وذلك للمشاركة بمؤتمر إسلامي عام وأنه سيلبي دعوة توجه إليه من سلطاتها للقيام بهذه الزيارة والاجتماع برئيسها وقادتها.
بتاريخ 28/7/1978م استقبل سماحته في مكتبه القائم بأعمال السفارة الليبية في لبنان الذي أبلغه دعوة من مؤتمر الشعب العام في الجماهيرية العربية الليبية، لزيارة الجماهيرية والاجتماع بسيادة الأمين العام للمؤتمر، العقيد معمر القذافي متمنيًا بدء الزيارة في 19 أو 21 آب 1978م. قَبِل سماحة الإمام هذه الدعوة، وتريث في تحديد موعد بدء الزيارة.
بتاريخ 20/8/1978م أبلغ سماحته القائم بالأعمال الليبي رغبته في أن تبدأ الزيارة بتاريخ 25/8/1978م واضطراره إلى أن يغادر الجماهيرية قبل 1/9/1978م من أجل الاهتمام بزوجته المريضة التي تُعالج في فرنسا والعودة إلى لبنان لمتابعة شؤون ملحة. كما أبلغه أسماء أعضاء الوفد المرافق لسماحته.
قدمت سفارة الجماهيرية العربية الليبية في لبنان لسماحته، تذاكر سفره مع عضوي الوفد المرافقين الشيخ محمد يعقوب والسيد عباس بدر الدين. وقد تم حجز مقاعد لحساب السفارة بالدرجة الأولى في الطائرة بموجب كتابها إلى شركة طيران الشرق الأوسط رقم 4/3/430 تاريخ 24/8/1978م.
يوم الجمعة بتاريخ 22 رمضان 1398هـ الموافق 25 آب 1978م، سافر سماحة الإمام السيد موسى الصدر يرافقه فضيلة الشيخ محمد يعقوب والصحفي الأستاذ عباس بدر الدين (صاحب وكالة أخبار لبنان) إلى الجماهيرية الليبية، وكان في عداد مودعيه في مطار بيروت القائم بالأعمال الليبي السيد محمود بن كورة. ولدى وصوله مطار طرابلس الغرب استقبله عن السلطات الليبية رئيس مكتب الاتصال الخارجي في مؤتمر الشعب العام السيد أحمد شحاتة.
أقام سماحة الإمام الصدر وأخواه في فندق الشاطئ بطرابلس الغرب، ضيوفًا على سلطات الجماهيرية الليبية.
أغفلت وسائل إعلام الجماهيرية الليبية أية إشارة إلى قدوم زائرها الرسمي سماحة الإمام الصدر، كما أغفلت أي خبر عنه خلال إقامته بضيافتها، لدرجة أن القائم بالأعمال اللبناني في طرابلس الغرب الأستاذ نزار فرحات لم يعلم بوجوده في هذه المدينة إلا عندما اتصل به الأستاذ عباس بدر الدين بتاريخ 28 آب 1978م، وذلك وفقًا لمضمون تقرير القائم بالأعمال الرسمي المحفوظ في وزارة الخارجية اللبنانية.

انقطاع أخبار السيد الصدر وبدء التحرك الرسمي

ومنذ وصول سماحة الإمام الصدر إلى ليبيا، وطيلة الأيام اللاحقة، لم يرد منه أي اتصال هاتفي أو رسالة أو خبر لأي كان في لبنان(الاتصال الوحيد مع الخارج كان عبر رسالة خطية بعث بها الإمام إلى عائلته في فرنسا مع صديقه اللبناني نزار علي يعلمهم بموعد قدومه إلى فرنسا في الثاني أو الثالث من أيلول). وذلك خلاف عادته في أسفاره. وكذلك حال أخويه، علمًا بأن أحدهما وهو الأستاذ بدر الدين صَحب الإمام الصدر في هذه الزيارة من أجل تغطية أخبارها في وكالته، وهذا الأمر لم يتحقق.
بعد أن تأخرت عودة الإمام الصدر وأخويه من ليبيا، واستمر الاتصال بهم منقطعًا، طلب المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى من القائم بالأعمال الليبي في لبنان بتاريخ 4 شوال 1398هـ الموافق 6 أيلول 1978م معلومات في الموضوع، فماطل في إجابة الطلب أربعة أيام عرض بعدها المجلس الموضوع على رئيس الحكومة اللبنانية الدكتور سليم الحص الذي استدعى على الفور القائم بالأعمال الليبي بتاريخ 10 أيلول 1978م وأكد له الطلب رسميًا وبصورة مستعجلة. فأجابه ظهر اليوم التالي «أن الإمام الصدر ومرافقيه غادروا ليبيا مساء يوم 28 رمضان 1398هـ الموافق 31 آب 1978م إلى روما على متن طائرة الخطوط الجوية الإيطالية (الرحلة رقم 881)».
نظرًا لما أثاره هذا الجواب من قلق، حاول رئيس الجمهورية اللبنانية الأستاذ الياس سركيس بتاريخ 12 أيلول 1978م الاتصال هاتفيًا بالقذافي، لاستيضاحه في الموضوع وإبلاغه أن ضيوفه لم يصلوا إلى وطنهم ولم يظهروا خارج ليبيا، إلا أن هذه المحاولة لم تنجح بالرغم من تكرارها مرارًا في اليوم ذاته، فالمتكلم الليبي على خط الهاتف المطلوب في طرابلس الغرب كان يجيب أن القذافي غير موجود على هذا الخط وكان يعطي رقمًا آخر وكان هذا الرقم يطلب دون جدوى...
أما رئيس الحكومة اللبنانية فقد تمكن من الاتصال هاتفيًا في اليوم ذاته برئيس الحكومة الليبية الرائد عبد السلام جلود الذي استمهل في بادئ الأمر للإجابة، ثم أجاب في مخابرة لاحقة مكررًا الجواب الذي قدّمه القائم بالأعمال الليبي، ومضيفًا «إن الإمام لم يكن راضيًا وغادر ليبيا دون إعلام الجهات الرسمية بموعد سفره ليجري وداعه رسميًا. وأن أحد الموظفين السيد أحمد الحطاب شاهد سماحة الإمام صدفة أثناء وجوده في مطار طرابلس الغرب فودّعه».
لدى استقصاء أخبار سماحة الإمام، بسؤال العائدين من ليبيا منهم ( السادة بشارة مرهج، اسعد المقدم، طلال سلمان، منح الصلح، محمد قباني، بلال الحسن، محمد سلمان إضافة إلى نزار فرحات القائم بالأعمال اللبناني في ليبيابعد حضورهم احتفال «الفاتح من سبتمبر»، تبين:
* أنه كان في استقبال سماحته عند وصوله إلى مطار طرابلس الغرب السيد أحمد شحاتة رئيس مكتب الاتصال الخارجي في الأمانة العامة لمؤتمر الشعب العام.
*أن سماحته مع مرافقيه حلّوا ضيوفًا على الأمانة العامة لمؤتمر الشعب العام ونزلوا في فندق الشاطئ بطرابلس الغرب.
* أن السيد أحمد شحاتة أجرى مباحثات مع سماحته بتاريخ 26 و27 آب 1978م، وفي إحدى جلسات هذه المباحثات أجرى التلفزيون الليبي تصويرًا وسجل حديثًا لسماحته، لكن هذا التسجيل لم يبث.
*أنه سُجل حديث طويل لسماحته عن الشؤون اللبنانية والعربية الراهنة، من أجل بثه في إذاعة الوطن العربي في الجماهيرية، إلا أن إذاعة هذا الحديث مُنعت.
*أنه منذ وصول سماحته إلى طرابلس الغرب بتاريخ 25/8/1978م كان ينتظر إبلاغه موعد اجتماعه بالقذافي، وكان قد أبلغ عن اضطراره للسفر إلى باريس قبل 1/9/1978م.
*إن مرافقي سماحة الإمام كانا ينويان السفر إلى باريس. ولذا طلب أحدهما السيد عباس بدر الدين من القائم بالأعمال اللبناني في ليبيا بتاريخ 29/8/1978م تأمين تأشيرة له لدخول فرنسا. أما سماحته والشيخ محمد يعقوب فكانا حائزين تأشيرتين صالحتين من السفارة الفرنسية في بيروت.
ان سماحته ومرافقيه شوهدوا معًا يخرجون من فندق الشاطئ حوالي الساعة الواحدة من بعد ظهر يوم 31/8/1978م ليستقلوا السيارات الموضوعة بتصرفهم، من أجل الانتقال للاجتماع بالقذافي الذي أكد فيما بعد أنه كان حدد موعدًا لهذا الاجتماع في الساعة الواحدة والنصف من بعد ظهر اليوم نفسه، وأن الاجتماع لم يتم وأن سيادته أُبلغ أن سماحته سافر.
إنتشر خبر اختفاء الإمام الصدر وأبرزته الصحف اللبنانية في صفحاتها الأولى بتاريخ 12 أيلول 1978م، وتناقلته الإذاعات ووسائل الإعلام العالمية، ولوحظ أنه في هذا التاريخ أوردت إحدى الصحف اللبنانية الوثيقة الصلة بالسلطات الليبية الخبر تحت عنوان «هل لأحداث إيران علاقةبهذا اللغز؟» وأدرجت هذه الصحيفة في متن الخبر أسبابًا تعلل بها التوجه نحو إمكانية علاقة القضية بأحداث إيران. كما لوحظ أن وكالة الأنباء الكويتية أوردت في نشرتها بالتاريخ ذاته أن الإمام الصدر موجود منذ بضعة أيام في إيران، ونسبت هذا الخبر إلى مصادر رسمية ليبية، وتبين أن مصدر هذا الخبر هو مدير مكتب وكالة الجماهيرية الليبية للأنباء في بيروت.

المصدر:مركز النور للدراسات