في مثل هذه الأيام الحزينة استشهد سفير الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) غدراً وفتكاً .. فمن منا لا يعرف قصة هذا البطل الهاشمي؟ فإلي محبيه نرفع أسمى أيات العزاء وإلى صاحب العصر والزمان الإمام المفدى المهدي المنتظر (عج) وإلى سماحة الإمام الخامنئي وإلى المسلمين جميعا...
بطل من أبطال الهاشميين ذو النسب الشريف والحسب الرفيع، ابن عمّ الإمام الحسين سلام الله عليه وسفيره إلى أهل الكوفة. اختاره الإمام سلام الله عليه سفيراً من قِبَلِه إليهم بعد أن تتابعت كتبهم ورسائلهم – كالسيل – إلى الإمام وهي تحثّه على المسير والقدوم إليهم لإنقاذهم من ظلم الأمويين وعنفهم وإستهتارهم بالدين فرأى الإمام سلام الله عليه – قبل كل شيء – أن يختار سفيراً له يعرّفه بإتجاهاتهم، وصدق نياتهم، فإن رأى منهم نيّة صادقة، وعزيمة مصممة فيأخذ البيعة منهم، ثم يتوجّه إليهم بعد ذلك، وقد إختار لسفارته ثقته وكبير أهل بيته، والمبرَّز بالفضل فيهم مسلم بن عقيل، وهو من أفذاذ التأريخ، ومن أمهر الساسة، وأكثرهم قابلية على مواجهة الظروف، والصمود أمام الأحداث، وعرض عليه الإمام سلام الله عليه القيام بهذه المهمة. فاستجاب له عن رضى ورغبة، وزوّده برسالة دلّت على سموّ مكانة مسلم سلام الله عليه، ورفعة منزلته.
إذن من أهم وقائع شهر ذي الحجة الحرام شهادة سفير سيد الشهداء المظلوم مسلم بن عقيل بن أبي طالب عليه السلام. وحيث إن لهذا السفير العظيم دوراً مهمّاً في نهضة سيد الشهداء عليه السلام، فضلاً عن قلة تناول الكتّاب والمؤرخين وتعرضهم لدوره الريادي وجدتُ من الجدير أن أسلّط بعض الضوء على شيئ من مقاماته العظيمة لنعرف لماذا اختاره أبو عبدالله الحسين عليه السلام كسفير وممثّل عنه في الكوفة.
ففي الخبر أن أمير المؤمنين عليه السلام قال لرسول الله صلى الله عليه وآله: يا رسول الله، إنك لتحبّ عقيلاً؟. قال صلى الله عليه وآله: إي والله، إني لأحبّه حبّين، حبّاً له، وحبّاً لحبّ أبي طالب له، وإنّ ولده لمقتول في محبّة ولدك، فتدمع عليه عيون المؤمنين، وتصلّي عليه الملائكة المقرّبون، ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وآله حتى جرت دموعه على صدره، ثم قال: إلى الله أشكو ما تلقى عترتي من بعدي. (أمالي الصدوق، ص111).
فلو لم يردنا في حقّ مسلم سوى هذا الحديث لكفى في رفعة مقامه وعلو مرتبته، فالنبي الأكرم صلى الله عليه وآله يخبر بمصرعه قبل سنين ويبكي لقتله ويشير إلى أن المؤمنين سيبكونه؛ وهذا ينمّ عن مقامه الرفيع. كما أنّ الملائكة المقربين يصلّون على مسلم، وهذا أيضاً مقام عظيم له، فقد جاء في الخبر المتقدم أنه يبكيه مقربو الملائكة لا عامّتهم، بل إن من خصائص مسلم بن عقيل أن أول من بكاه هو رسول الله صلى الله عليه وآله.
ومما يدلّ على منزلة مسلم الرفيعة ما كتبه سيد الشهداء في حقّه لمّا بعثه إلى الكوفة؛ قال عليه السلام:
"وأنا باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل. (بحار الأنوار ج44، ص334). ولا يخفى أن تعيين مسلم كسفير للنهضة الحسينية ينمّ عن مقامه، فضلاً عن إشادة الإمام الحسين عليه السلام بمقامه وتوثيقه لأهل الكوفة، حيث نعته بأنه ثقته من أهل بيته.
المصدر:موقع المنار بتصرف