يقول العلامة محمد تقي جعفري:
في أيام إقامتي في مدرسة الصدر في النجف الأشرف كنت مواظبا مع زملائي الطلاب على إقامة الاحتفالات في المواليد، والمآتم في مواسم العزاء.
في إحدى الليالي التي صادفت ذكرى ولادة السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها صلينا صلاة المغرب والعشاء ثم قمنا بتوزيع العصائر والحلوى وبدأ الاحتفال، فجاء الشيخ حيدر علي الاصفهاني الذي كان بشوشاً ومرحاً وكان يمزح مع الشباب ويخلق أجواءا من السرور، وكلما كان يحضر مجلسنا كنا نكتفي به عن غيره.
فقال مدير المدرسة المرحوم السيد اسماعيل الاصفهاني للشيخ علي: الليل طويل ولا يمضي بسرعة فأتحفنا بشيء. فأخرج الشيخ قصاصة جريدة، كانت عليها صورة فتاة، مكتوب عليها "أجمل بنات عصرها" ثم قال:
إذا خُيِّر أحدكم بين أن يتزوج هذه الفتاة ويعيش معها بسعادة وهناء لمدة ألف سنة، وبين النظر المستحب إلى وجه الإمام علي عليه السلام، فماذا يكون اختياركم؟
السؤال كان دقيقاً؛ الوقوف بين خيارين الزواج الحلال بهذه الفتاة الجميلة والزيارة المستحبة لأمير المؤمنين علي عليه السلام.
ثم قال: أرجو أن تجيبوا بصدق ولا تتكلفوا بالمثاليات ولا تستعجلوا بالإجابة، أريد إجابة صريحة.
الشخص الأول الذي أخذ الورقة كان مدير المدرسة، ألقى نظرة ثم التفت إلى ابنه الذي كان جالساً إلى جنبه وقال بلهجته الاصفهانية: سيد محمد! إذا قلتُ شيئاً لا تنقله لأمك!
فعلم الجميع ما قصده السيد وضحكوا بأجمعهم، وحصل الأول على درجته في هذا الامتحان!
ثم أخذ الثاني الورقة ونظر إليها وقال: يا شيخ علي! عذراً أنا لا أجرؤ على مخالفة رأي السيد مدير المدرسة!
فضحك الجميع ثانية. ثم قال الثالث: يا شيخ حيدر، هذه الرواية معروفة عن أمير المؤمنين حيث يقول: "يا حارث الهمداني من يمت يرني" ونحن إن شاء الله نرى جماله في وقته! فضحك الحاضرون مرة أخرى.
السؤال كان محرجاً.. ثم جاء دوري وكنت الشخص الخامس الذي يأخذ الورقة فرأيت أني لا أستطيع النظر إليها فناولت الورقة إلى الشخص التالي وقلت: "لا أبدل لحظة واحدة من لقاء علي عليه السلام بآلاف السنين من العيش مع هذه الفتاة".
وفجأة وجدت نفسي في حال عجيب لم أعهده في حياتي، بين النوم واليقظة، قمت من مكاني وذهبت إلى حجرتي وكأني في قاعة كبيرة يتصدرها سيد جليل وفيه كل الصفات والملامح التي رواها الشيعة والسنة عن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.
فكنت جالساً وإلى جانبي شاب فسألته من هذا السيد؟ فقال: هذا السيد هو الإمام علي عليه السلام، فنظرت إليه مليّاً وبقيت فترة ثم خرجت عائداً إلى تلك الجلسة.
كان وجهي شاحباً، وكانت تلك الورقة قد وصلت إلى الشخص التاسع أو العاشر. انتبه إلي المرحوم شمس آبادي وقال: أين كنت يا شيخ محمد تقي؟ إلى أين ذهبت ورجعت؟ ما أردت أن أحكي لهم ما جرى حتى لا أنغص عليهم ليلتهم، لكنهم أصروا إلى أن حكيت لهم الحكاية. فتغيّر حالهم وقال السيد اسماعيل للشيخ حيدر: لا تكرر هذا المزاح معنا ثانية، لقد بلوتنا ببلاء سيء!
نعم، كانت هذه من أروع ذكريات حياتي.