إن الحج هو فريضة بالغة الأهمية، ولعله لا يوجد بين الفرائض الإسلامية الهامة ما يشبهها.(*)
طاقة معنوية واجتماعية
أولا: في هذه الفريضة الكبيرة والواسعة المدى، توجد إمكانات وطاقات معنوية عديدة، بحيث يتمكن أولئك الذين يطلبون الارتباط المعنوي بالحق (جل وعلا)، ويسعون للمعنويات والروحانيات وما شابه، من الحصول على إمكانات وافرة وقدرات عجيبة في طيات هذا الواجب. فالمعنويات تترشح وتمطر؛ من الصلاة والطواف والوقوف والسعي والإحرام نفسه ومن كل شعيرة ومنسك وجزء من هذا الواجب الكبير.
ثانيا: توجد في الحج إمكانات وطاقات اجتماعية لا نظير لها؛ فذلك الواجب الذي يتمتع بأكثر الإمكانات المعنوية، هو نفسه يتحلى بأكثر القابليات والإمكانيات للحضور الاجتماعي أيضا.
مظهر عظمة الأمة
الحج هو مظهر تجلي عظمة الأمة الإسلامية، وهو مظهر الوحدة، ومظهر الانسجام والتضامن، وهو مظهر قوة الأمة الإسلامية. حيث يجري أكبر تجمع للأمة في كل عام، بشكل دائم ومستمر؛ أي أن الأمة الإسلامية ومن خلال الحج تقدم نفسها وتقوم باستعراض قدرتها وحضورها. مضافا إلى هذا البعد الخارجي للقضية، يوجد بعد داخلي أيضا: الشعوب الإسلامية يتعرف بعضها إلى بعض ويأنس بعضها ببعض، بل يتشارك ويقترب بعضها من بعض، فترتفع الشبهات وتقل العداوات لتزول بشكل تدريجي... يمكن للبلدان أن تساعد بعضها بعضا وللشعوب أن تعين بعضها بعضا؛ هذا هو الحج.
الحج طاقة معنوية لا نظير لها بالتوازي مع طاقة اجتماعية لا نظير لها، ومكان لإظهار العقيدة وبيان موقف الأمة الإسلامية.
لا حج من دون البراءة!
وهذا هو السر في مسألة البراءة وكل إصرارنا وتأكيدنا عليها خلال موسم الحج وكلام الإمام العظيم بما معناه أنه لا يقبل ولا يعتقد بالحج من دون البراءة(1). في الحج، تستطيع الأمة الإسلامية بيان مواقفها الصحيحة والمتفق عليها بين الشعوب وبين الناس. مع الأسف، فإن الكثير من الحكومات يسير ويتحرك في طريق يخالف إرادة الشعوب، لكن أفئدة الناس وقلوبهم في مكان آخر.
القدس.. نبض قلب الأمة
إن قضية القدس هذه ليست بالقضية البسيطة. لقد أصبح الصهاينة أكثر جرأة ووقاحة، فأعطوا لأنفسهم الحق بالتضييق على أصحاب المسجد الأقصى وأهله؛ يغلقون البوابات يوميا، ويستحدثون حواجز، ويسمحون لبعض الناس بالدخول إلى المسجد ويمنعون الآخرين. هذه وقاحة وصلافة وقلة حياء من النظام الصهيوني الغاصب والمصطنع. حسنا، واضح أن قلب الأمة الإسلامية ينبض حبا للمسجد الأقصى. والحج هو أفضل مكان للأمة الإسلامية –للجميع ومن كل البلدان– لإظهار المواقف وإعلان الآراء. الحج له فاعلية كهذه، ويجب أن نعرف قيمته، وأن يكون السعي والعمل على هذا الأساس.
وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا
هناك مسألة مهمة أخرى، وهي توفير الأمن للحجاج. يقول تعالى: ﴿وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا﴾ (البقرة: 125). يصرح القرآن الكريم بوضوح أننا جعلنا هذا المكان محلا لتجمع الناس واستقرارهم وأمنهم. الأمن مسألة بالغة الأهمية!
ضمان أمن الحجاج يقع على عاتق ذلك البلد الذي يقع الحرمان الشريفان تحت سلطته وقدرته؛ تلك الحكومة التي كان ينبغي لها المحافظة على أمن الحجاج. هذه مطالبتنا الجدية والدائمة. يجب توفير الأمن للحجاج، كل الحجاج.
يجب المحافظة على أمن الحجاج وأمانهم. ليس هذا فحسب، بل المحافظة على عزتهم ورفاهيتهم وراحتهم. يجب أن يراقب المعنيون الأوضاع. يجب أن يكونوا مستعدين لمواجهة أي حادثة تحصل. لتكن عندهم الجهوزية لمواجهة مختلف الظروف.
فلسطين المحور الأصلي
إن قضية فلسطين قضية بالغة الأهمية. وهي المحور الأساس لقضايا العالم الإسلامي اليوم. كما يجب الاهتمام بشكل كبير بمسألة الوحدة الإسلامية. فهناك من ينفق الأموال الطائلة ويصرف المليارات لبث الفتنة والخلافات بين المذاهب الإسلامية.
فرصة الحج والمسجد الحرام.. لا للتسوق!
هناك مسؤوليات على الحجاج وعليهم مراعاتها، فليهتم الحجاج المحترمون بالصلاة في أول الوقت، وليشاركوا في صلاة الجماعة في المسجد الحرام وفي مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وليهتموا كثيرا لتلاوة القرآن –في هذه الأيام التي يوفقون فيها للحضور في الحرمين الشريفين- وكذلك لأعمال عرفة ويوم عرفة. وليتجنبوا التسوق والتبضع في الأسواق. يجب الاستفادة من هذه الفرصة، وإلا فإن الأسواق والبضائع موجودة في كل مكان. لا تصرفوا وقتكم الثمين بهذه الأشياء. أهم ما ينبغي للحاج أن يفكر فيه هو أن يقوم بتصفية نفسه وقلبه وروحه، ليحصل -إن شاء الله- على نتائج معنوية كبرى؛ فإن حقق هذا، فإن النتائج الأخرى في حياته الدنيوية ستتحقق حينها بتوفيق إلهي أيضا.
نسأل الله أن ينزل توفيقه ولطفه على جميع حجاجنا الأعزاء. ندعو لهم بالحفظ المعنوي والمادي والإلهي. نسأل الله أن يوفق جميع العاملين والقائمين على الحج.
الهوامش:
(*) کلمة الإمام الخامنئي دام ظله خلال لقائه القائمين على شؤون الحج على أعتاب أيام الحج الإبراهيمي، في حسينية الإمام الخميني قدس سره 30/7/2017م.
1-الإمام الخميني قدس سره: "وبالأصل فإن البراءة من المشركين هي من الواجبات السياسية للحج، وبدونها لا يكون حجنا حجا". صحيفة الإمام، ج12، ص22.
المصدر:مجلة بقية الله