وأطلق أويحيى، الخميس الماضي، مساراً يتعلق بفتح رؤوس أموال هذه الشركات لفائدة رجال أعمال أثرياء، لكن سرعان ما نزلت أوامر من الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لوقف العملية.
وجاءت هذه الأوامر في شكل تحذير شديد اللهجة، مفاده أن رئيس الوزراء الجزائري بادر بخصخصة المؤسسات العمومية دون العودة إلى بوتفليقة الذي يتعامل بحساسية بالغة في كل ما يتعلق بصلاحياته وحدود سلطاته. فعندما جاء إلى الحكم عام 1999، كان أول تصريح له هو: «لن أكون ثلاثة أرباع رئيس، بل رئيساً كامل الصلاحيات»، وفهم حينها أنه كان يقصد جنرالات في الجيش نافذين، كانوا بمثابة شركاء في الحكم مع رؤساء سابقين.
ويعد «التحذير» الذي وصل أويحيى من الرئاسة تدخلاً في صلاحيات رئيس الوزراء من الناحية القانونية. فمسار الخصخصة بدأ بتنظيم اجتماعات قادها أويحيى مع «مجلس مساهمات الدولة»، وهو هيئة تضم مجمعات تسير أسهم كبرى الشركات العمومية. ويقع «المجلس» تحت الإشراف المباشر لرئيس الوزراء، الذي يعد الرجل الثاني في السلطة التنفيذية، بحسب الدستور. وقد تصرف أويحيى على هذا الأساس، من دون أن يتوقع أن يوقفه بوتفليقة بـ«طريقة فجة»، حسب تعبير الصحافة المحلية.
ونقل مقرب من أويحيى عنه أن الرئيس بوتفليقة «أراد تصحيح نقاش حول الخصخصة انحرف عما هو مرسوم له»، وأن الأوامر التي بلغته «لا تستهدفه هو شخصياً، بمعنى أنها لا تعبر عن غضب بوتفليقة منه». غير أن مصادر من «التجمع الوطني الديمقراطي»، الحزب الذي يرأسه أويحيى، أفادت لـ«الشرق الأوسط» بأنه يشعر بأنه أصبح شخصاً غير مرغوب به، وبأنه يريد أن يستقيل من المنصب الذي وصل إليه في 15 أغسطس (آب) الماضي، خلفاً لعبد المجيد تبون الذي سيّر رئاسة الوزراء لمدة شهرين فقط، وقد أقاله بوتفليقة بسبب صراع حاد مع كبير رجال الأعمال في البلاد علي حداد، الذي كان الممول الرئيسي لحملات بوتفليقة في انتخابات الرئاسة الماضية.
واللافت فيما جرى أن بوتفليقة عزل تبون لأنه هدد مصالح رجال الأعمال، وغضب غضباً شديداً من أويحيى عندما أراد أن يتدخل لرجال الأعمال من دون إذن منه. وقالت مصادر «التجمع الوطني» إن أويحيى، على عكس ما هو متداول، بدأ ترتيبات خصخصة الشركات العاجزة مالياً بطلب من بوتفليقة. وأول لقاء عقده في هذا الإطار كان في 23 من الشهر الماضي، عندما اجتمع بالنقابة المركزية و«منتدى رؤساء المؤسسات الخاصة»، الذي يقوده حداد. وبحث اللقاء الذي سمي «ثلاثية» فتح رأسمال المجمعات الاقتصادية العمومية لأرباب العمل الخاص، بهدف شراء جزء من الأسهم، وأطلق على المسعى «شراكة بين القطاعين العام والخاص».
وعلى اثر هذا الاجتماع، قالت أطراف «الثلاثية»، خصوصاً الحكومة، إن كثيراً من مشكلات الاقتصاد المفرط في تبعيته للمحروقات، والمتأثر بانخفاض أسعار النفط في السنوات الأخيرة، سيتم حلها بفضل هذه الشراكة. غير أن هذا التفاؤل سرعان ما بدأ يتلاشى عندما صرح جمال ولد عباس، أمين عام حزب الأغلبية (جبهة التحرير الوطني)، بأن أويحيى «يريد أن يبيع الأملاك الوطنية الحكومية بثمن بخس»، وقال إنه كحزب يرأسه بوتفليقة شخصياً يرفض أن تناقش الخصخصة في اجتماع من دون أن يشارك فيه، وإنه حتى لو حضر اجتماع «الثلاثية»، فإنه لم يكن ليوافق على خصخصة الشركات الحكومية.
ولأول مرة، يرد اسم «شركة الخطوط الجوية الجزائرية» على أنها معنية أكثر من غيرها بمسعى الخصخصة الذي عرفته الجزائر في منتصف تسعينات القرن الماضي، إذ كانت مرغمة على إغلاق عشرات الشركات، عملاً بتوجيهات «صندوق النقد الدولي»، مقابل إقراض الحكومة أموالاً لحل أزمتها المالية.