مع الإمام الخامنئي (دام ظله)... من أنوارك ننهل يا سيدي الصادق(2)

الأربعاء 11 يوليو 2018 - 10:52 بتوقيت غرينتش
مع الإمام الخامنئي (دام ظله)... من أنوارك ننهل يا سيدي الصادق(2)

مئات الروايات المتفرقة في الأبواب المختلفة تصرّح أن مفهوم الإمام والإمامة في الفكر الشيعي ما هو إلا القيادة وإدارة شؤون الأمة المسلمة، وأن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) هم الأصحاب الحقيقيون للحكومة...

معالم حياة الإمام الصادق (عليه السلام)

والمعالم الهامة البارزة في حياة الإمام الصادق (عليه السلام) وجدتها من منظار بحثنا تتلخص بما يلي:

1- تبيين مسألة الإمامة والدعوة إليها.

2-بيان الأحكام وتفسير القرآن وفق ما ورثته مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

3- إقامة تنظيم سرّي إيديولوجي ــ سياسي.

وطريقة بحثنا أن ندرس كل واحد من هذه المعالم، ونضع في النهاية فهرساً لنشاطات الإمام (عليه السلام)، وأن يكون ذلك قدر المستطاع باسلوب المؤرّخين لا باسلوب المحدّثين.

1- تبيين مسألة الإمامة والدعوة إليها هذا الموضوع يشكل أبرز خصائص دعوة أئمة أهل البيت، منذ السنوات الأولى التي أعقبت رحيل النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله). كانت مسألة إثبات إمامة أهل البيت (عليهم السلام) تشكّل طليعة الدعوة في كل أعصار الإمامة..

هذه المسألة نشاهدها أيضاً في ثورة الحسين بن علي (عليهما السلام)، ونشاهدها بعد ذلك أيضاً في ثورات أبناء أئمة أهل البيت، مثل زيد بن علي. ودعوة الإمام الصادق (عليه السلام) لم تخرج عن هذا النطاق أيضاً.

قبل أن نستعرض وثائق هذا الموضوع، يجب علينا أن نعرف أولاً مفهوم ((الإمامة)) في الفكر الإسلامي. وما معنى الدعوة إلى الإمامة؟ كلمة ((الإمامة)) تعني في الأصل القيادة بمعناها المطلق، وفي الفكر الإسلامي تطلق غالباً على مصداقها الخاص، وهو القيادة في الشؤون الاجتماعية، الفكرية منها والسياسية.

وأينما وردت في القرآن مشتقات لكلمة الإمامة (إمام، أئمة)، فيراد بها هذا المعنى الخاص لقيادة الأمة. ففي بعض المواضع يقصد بها القيادة الفكرية، وفي مواضع أخرى يراد بها القيادة السياسية، أو الاثنتين معاً.

بعد رحيل النبي (صلّى الله عليه وآله) وظهور الانشقاق الفكري والسياسي بين المسلمين اتخذت كلمة الإمامة والإمام مكانة خاصة، لأن مسألة القيادة السياسية شكّلت المحور الأساس للاختلاف. والكلمة كان لها في البداية مدلولها السياسي أكثر من أي مدلول آخر، ثم انضمّت إليها بالتدريج معانٍ أخرى، حتى أصبحت مسألة ((الإمامة)) تشكّل في القرن الثاني أهم مسائل المدارس الكلامية ذات الاتجاهات الفكرية المختلفة، وكانت هذه المدارس تطرح آراءها بشأن شروط الإمام وخصائصه، أي شروط الحاكم في المجتمع الإسلامي، وهو معنى سياسي للإمامة.

إن الإمامة في مدرسة أهل البيت ــ التي يرى أتباعها أنهم يمثلون أنقى تيار فكري إسلامي ــ لها المعنى نفسه، ونظرية هذه المدرسة بشأن الإمامة تتلخص فيما يلي:

الإمام والزعيم السياسي في المجتمع الإسلامي يجب أن يكون منصوباً من الله، بإعلان من النبي. ويجب أن يكون قائداً فكرياً ومفسّراً للقرآن وعالماً بكل دقائق الدين ورموزه، ويجب أن يكون معصوماً مبرّأً من كل عيب خلقي وأخلاقي وسببي. ويجب أن يكون من سلالة طاهرة نقية و…

وبذلك فإن الإمامة كانت في العرف الإسلامي خلال القرنين الأول والثاني تعني القيادة السياسية، وفي العرف الخاص بأتباع أهل البيت تعني، إضافة إلى القيادة السياسية، القيادة الفكرية والأخلاقية أيضاً.

فالشيعة تعترف بإمامة الفرد حين يكون ذلك الفرد متمتعاً بخصائص هي ــ إضافة إلى قدرته على إدارة الأمور الاجتماعية ــ مقدرته على التوجيه والإرشاد والتعليم في الحقل الفكري والديني، والتزكية الخلقية. وإن لم تتوفر فيه هذه المقدرة لا يمكن أن يرقى إلى مستوى ((الإمامة الحقة)). وليس بكافٍ ــ في نظرهم ــ حسن الإدارة السياسية والاقتدار العسكري والفتوحات وأمثالها من الخصائص التي كانت معياراً كافياً لدى غيرهم.

فمفهوم الإمامة لدى اتباع أهل البيت ــ إذن ــ يتجه إلى إعطاء إمامة المجتمع صفة قيادة ذلك المجتمع في مسيرته الجماعية والفردية. فالإمام رائد مسيرة التعليم والتربية وقائد المسيرة الحياتية. ومن هنا كان ((النبي)) (صلّى الله عليه وآله) إماماً أيضاً، لأنه القائد الفكري السياسي للمجتمع الذي أقام دعائمه. وبعد النبي تحتاج الأمة إلى إمام يخلفه ويتحمل عبء مسؤولياته، (بما في ذلك المسؤولية السياسية). ويعتقد الشيعة أن النبي نصّ على خلافة علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ثم تنتقل الإمامة بعده إلى الأئمة المعصومين من ولده. ولابدّ من الإشارة إلى أن تداخل المهام الثلاث للإمامة: القيادة السياسية، والتعليم الديني، والتهذيب الأخلاقي والروحي في الإمامة الإسلامية ناشئ من عدم وجود تفكيك بين هذه الجوانب الثلاثة في المشروع الإسلامي للحياة البشرية. فقيادة الأمة يجب أن تشمل قيادتها في هذه الحقول الثلاثة أيضاً، وبسبب هذه السعة وهذه الشمولية في مفهوم الإمامة لدى الشيعة كان لابد أن يعيّن الإمام من قبل الله سبحانه. نستنتج مما سبق أن الإمامة ليست، كما يراها أصحاب النظرة السطحية، مفهوماً يقابل ((الخلافة)) و ((الحكومة)) أو منصباً منحصراً بالأمور المعنوية والروحية والفكرية،بل إنها في الفكر الشيعي ((قيادة الأمة)) في شؤون دنياها، وما يرتبط بذلك من تنظيم للحياة الاجتماعية والسياسية (رئيس الدولة). وأيضاً في شؤون التعليم والإرشاد والتوجيه المعنوي والروحي، وحلّ المشاكل الفكرية وتبيين الإيديولوجية الإسلامية. ((قيادة فكرية)).

وهذه المسالة الواضحة أضحت ــ مع الأسف ــ غريبة على أذهان اكثر المعتقدين بالإمامة، ولذلك نرى من الضروري عرض بعض النماذج من مئات الوثائق القرآنية والحديثية في هذا المجال: في كتاب ((الحجة)) من ((الكافي)) حديث عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) يذكر فيه بالتفصيل ما يرتبط بمعرفة الإمام ووصف الإمام، ويتضمّن معاني عميقة ورائعة.

من ذلك ما ورد بشأن الإمامة بأنها: ((هي منزلة الأنبياء، وإرث الأوصياء، إن الإمامة خلافة الله، وخلافة الرسول، ومقام أمير المؤمنين (عليه السلام) وميراث الحسن والحسين (عليه السلام)، إن الإمامة زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا، وعزّ المؤمنين، إن الإمامة أسّ الإسلام النامي، وفرعه السامي، بالإمام تمام الصلاة والزّكاة والصيام والحج والجهاد، وتوفير الفيء والصدقات، وإمضاء الحدود والأحكام، ومنع الثغور والأطراف)).

وحول الإمام أنه:"النجم الهادي، والماء العذب، والمنجي من الردى، والسحاب الماطر، ومفزع العباد في الداهية، وأمين الله في حلقه، وحجّته على عباده، وخليفته في بلاده، والداعي إلى الله، والذاب عن حرم الله، ونظام الدين، وعزّ المسلمين، وغيظ المنافقين، وبوار الكافرين)).

كل ما كان يمارسه النبي (صلّى الله عليه وآله) من مسؤوليات ومهام يتحملها علي (عليه السلام) والأئمة من ولده.

وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق (عليه السلام) نرى تأكيداً على إطاعة ((الأوصياء)) وتوضّح الرواية أن الأوصياء هم أنفسهم الذين عبّر عنهم القرآن بأولي الأمر.

مئات الروايات المتفرقة في الأبواب المختلفة تصرّح أن مفهوم الإمام والإمامة في الفكر الشيعي ما هو إلا القيادة وإدارة شؤون الأمة المسلمة، وأن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) هم الأصحاب الحقيقيون للحكومة. وتدل جميعاً بما لا يقبل الشك على أن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في ادّعائهم الإمامة كانوا لا يقتصرون بالمطالبة على المستوى الفكري والمعنوي، بل كانوا يطالبون بالحكومة أيضاً. ودعوتهم على هذا النطاق الواسع الشامل إنما هي دعوة لحركة سياسية عسكرية لاستلام السلطة.

هذه الحقيقة ظلت خافية على الباحثين في العصور التالية، بينما كانت في فهم أصحاب الأئمة والمعاصرين لهم من أوضح الحقائق، حتى أن ((الكميت)) في إحدى قصائده الهاشميات يصف أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بأنهم ساسة يقودون الناس بطريقة تختلف تماماً عن الطريقة التي يمارسها الحكام الظلمة الذين يعاملون الناس كالبهائم.

المصدر: (كتاب قيادة الإمام الصادق(ع) للإمام الخامنئي(حفظه الله)

إقرأ أيضا: الإمام الخامنئي(دام ظله)...من أنوارك ننهل يا سيدي الصادق(1)