من فقه الولي...الأعراس بين الشرعية و الإشكالية

الأربعاء 11 يوليو 2018 - 05:48 بتوقيت غرينتش
من فقه الولي...الأعراس بين الشرعية و الإشكالية

موقف الإسلام من مسألة الفرح والحزن، وبعض الأحكام المتعلّقة بهما، سيكون موضوعَ مقالنا هذا. ...

الشيخ إسماعيل حريري (*)

ممّا لا يختلف فيه اثنان من المتديّنين، فضلاً عن الفقهاء، أنّ إقامة الأفراح في المناسبات السعيدة من تزويج ونجاح، وشراء بيت ومولود جديد، وانتصارات وطنية، ومناسبات دينية... أمر جائز ومشروع، بل وممدوح إذا كان لغرض إشاعة البهجة والسرور في أوساط المؤمنين. ففي حديث الأربعمائة عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "... واختار الله لنا شيعة، ينصروننا، ويفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا..."(1).

موقف الإسلام من مسألة الفرح والحزن، وبعض الأحكام المتعلّقة بهما، سيكون موضوعَ مقالنا هذا.

 الإسلام والتشجيع على الفرح

شجّع الإسلام كثيراً على إقامة حفلات الزفاف والأعراس؛ لِما تُمثِّله من حالة فرح وسرور، يريد الإسلام لها أن تكون في حياة الناس جميعاً، حيث إنّ الإنسان في هذه الحياة الدنيا يحتاج إلى توازن بين متطلّبات الحياة، ولا سيّما في الفرح والحزن، فهل خلق الله الإنسان ليعيش الشعور بالحزن والهمّ أم خلقه ليكون إنساناً ذا شخصية متوازنة تعيش الحياة بكلّ معانيها، تاركاً لشعوره أن يعيش الفرح والسرور كما يعيش الحزن والوجد؟!

فالإنسان السليم المعافى يتّبع فطرته التي فطره الله عليها، والتي تميل إلى الحبّ والبغض، وإلى الفرح والحزن، وإلى كلّ النوازع التي جُبل عليها بجميلها وحسنها، وبسيّئها وشرّها، ولكنّه ألهمه، من خلال عقله، ما ينبغي له فعله من هذه، وما لا ينبغي له فعله منها، وأيّد ذلك بتشريعات وحدود تنتظم معها هذه المشاعر، وتسير وفق ما يستحسنه العقل وتقرّه الشريعة السمحاء.

وأبرز مثال حيّ على إقامة الأفراح ما فعله الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في زفاف سيّدة نساء العالمين على أمير المؤمنين عليهما السلام.

 الإشكالات العمليّة

قد تكتنف بعض المناسبات، كحفلات الأعراس ونحوها، إشكالات شرعيّة؛ ما يجعل المناسبة غير مقبولة وَفقاً للحدود الشرعيّة الإسلاميّة، منها:

1-الاختلاط بين الرجال والنساء.

2-رقص النساء أمام الرجال والعكس.

3-الغناء المحرّم فعلاً واستماعاً.

4-الموسيقى المحرّمة عزفاً واستماعاً.

5-تزيُّن العروس وتبرُّجها أمام الرجال الأجانب.

6-رقص العروس أمام الناس وهي خارجة من قاعة العرس مثلاً... إلى غير ذلك من المخالفات الشرعيّة.

وقد يدّعي بعضهم أنّه لا يمكن إقامة حفل زفاف أو حفلة فرح بمناسبة ما خالية من المخالفات الشرعيّة؛ إذ كيف يمكن الفرح بدون غناء وموسيقى ورقص؟ أليست هذه هي مظاهر الفرح والسرور؟

وهذه الدعوى للوهلة الأولى تقنع كثيرين بأنّه لا يمكن أن نفرح بعيداً عمّا ذكر. ولهذا، يجدون ضعفاً في شرعنة الاحتفالات والأعراس طبقاً لضوابط الشرع الحنيف.

إلّا أنّ ما ذكرناه يبيّن اهتمام الإسلام بإقامة الأفراح، ولا سيّما في التزويج، مع ضبط الإيقاع بما يتلاءم مع أحكام الشرع القائمة على أساس المصالح والمفاسد في علم الله تعالى، ولتحصين النفوس من شرور الشهوات، وإبعادها عن مواضع الفتن التي تودي بالإنسان إلى المهاوي السحيقة.

 الحلّ الشرعيّ

ولذلك، فإنّ الحلّ الشرعيّ الذي يجب اعتماده في إقامة الأعراس والأفراح على اختلاف أسبابها ودواعيها يكمن في اتّباع الحدود الشرعيّة من خلال التفقه في الأحكام الشرعيّة المرتبطة بهذه الحالات، أو على الأقل السؤال عن هذه الأحكام قبل الوقوع في المحذور، ففي الخبر عن الصادق عليه السلام: "... دواء العيّ السؤال"(2).

وفي خبرٍ آخر عنه عليه السلام: "إنّما يهلك الناس لأنّهم لا يسألون"(3). وفي ثالث عنه عليه السلام: "إنّ هذا العلم عليه قفل، ومفتاحه المسألة"(4).

 الحدود الشرعيّة الواجب مراعاتها

لا يجوز الاختلاط في هذه المناسبات على نحو مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية؛ أي بما يؤدي إلى محرّمات، من قبيل:

أ- النظر المحرّم بين الرجال والنساء.

ب- تبرّج النساء وتزيُّنهنّ أمام الرجال الأجانب.

ج- ارتداء النساء اللّباس غير الشرعيّ واللافت لنظر الأجنبيّ.

د- القيام بحركات مثيرة ولافتة تفتن الرجل الأجنبيّ، فضلاً عن الكلام بكيفيته أو بمادّته مع الأجنبيّ الذي يؤدّي إلى مفاسد، وقد قال تعالى: ﴿فلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ (الأحزاب: 32).

هـ ترك العروس التزيّن والتبرُّج أمام الأجنبيّ، فإنّ هذا التزيّن حرام محرّم عليها، وقد قال تعالى: ﴿ولَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾(الأحزاب: 32).

وقال الإمام الصادق عليه السلام: "... وأيّما امرأة تطيّبت لغير زوجها لم تُقبل منها صلاة حتّى تغتسل من طيبها كغسلها من جنابتها"(5).

وـ الابتعاد عن الغناء المحرّم فعلاً واستماعاً، وهو: "صوت الإنسان إذا كان مع الترجيع المتناسب مع مجالس اللهو والمعصية"(6)، بلا فرق بين كونه بكلام محلَّل أو محرَّم، كالكلام بالباطل والكذب، ولا فرق بين كونه بين النساء أو بين الرجال.

زـ اجتناب الرقص بين الرجال على الأحوط، بل يحرم مطلقاً إذا ترافق مع محرّمات، كالغناء والموسيقى المحرَّمَيْن أو لزم منه المحرَّم، كافتتان النساء بالرجال.

ويجوز رقص النساء بينهنّ بشرط أن لا يتحوّل إلى مجلس لهو، كأن يصير مجلس رقص، فإنّه يحرم حينئذ على الأحوط، بل يحرم مطلقاً إذا ترافق أو لزم منه ما ذكرناه في رقص الرجل.

ولا يجوز لأيّ من المرأة والرجل الرقص أمام الآخر الأجنبيّ أبداً، سواء في قاعة العرس أم عند خروجها من القاعة أو من منزلها(7).

ح اجتناب الموسيقى المحرّمة عزفاً واستماعاً، وهي: "الموسيقى المطربة المضلَّة عن سبيل الله، وهي التي تبعد الإنسان عن الحقّ -تبارك وتعالى- وعن الأخلاق الفاضلة، وتقرّبه نحو المعصية والذنب؛ بسبب ما تحتويه من خصائص تتناسب مع مجالس اللهو والمعصية"(8).

ومنها ما يعرف بزفّة العروس، وفِرَق العراضة ونحو ذلك ممّا تكون كيفيّته لهويّة مضلّة عن سبيل الله، كما ذكرنا.

 ماذا عن البدائل؟

الجواب ببساطة: إنّ البديل موجود، لكنّه يعتمد على أن نقنع أنفسنا: أي عرس نريد؟

فإذا أردنا العرس الذي يتوافق مع أحكام الشرع الإسلاميّ، فإنّ الفرح في الأعراس لا يتوقّف على ما ذُكر من المحرّمات، بل يتحقّق بالبهجة والسرور اللّذين نستشعر بهما ونعيشهما من خلال اللقاء والاجتماع في مناسبة مباركة من الله تعالى، وتزيّن هذه الأعراس بذكر النبيّ الأكرم وأهل بيته الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) بأحسن ذكر ومدح وثناء بعيداً عمّا حرّم الله من غناء وموسيقى ورقص.

 زينة العروس أمرٌ جائز

لا مانع من أن تتزيّن العروس وتتبرّج وتبرز نفسها بأحسن زينة أمام النساء، كما أمام محارمها من الرجال، وكذلك يفعل باقي النساء، فإنّ هذا أوفق لهنّ ولدينهنّ ولعفّتهنّ، ويقمن بزفّ العروس بالزغاريد والأشعار المادحة لها والمظهرة لمحاسنها بعيداً عن الباطل والكذب.

 تهذيب العادات الاجتماعيّة

لا بدّ من الالتفات إلى ضرورة الإقلاع عن عادات دأب عليها بعض الناس في المناسبات، من قبيل تقديم الهدايا الفارهة، واعتماد البذخ والترف الخارجَين عن حدّ الاعتدال المتعارف، بل في كثير من الأحيان يصل إلى حدّ التبذير والإسراف المنهيّ عنهما شرعاً.

كما أنّ ما يتعارف فعله ممّا يسمّى "برمة العروس" بموكب من السيّارات، وإن كان في نفسه مقبولاً، لكن إذا ترافق مع إطلاق نار، أو مفرقعات تؤدّي إلى الإضرار بالناس فلا يجوز ارتكابه، وكذلك إذا صاحبه إطلاق الأبواق المزعجة، فهذا أيضاً ممّا لا يجوز ارتكابه في كثير من الحالات.

وفّقنا الله تعالى لطاعته والعمل بمرضاته في حركاتنا وسكناتنا، وأقوالنا وأفعالنا، والحمد لله ربّ العالمين.

الهوامش:

(*) أستاذ في جامعة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم العالمية، فرع لبنان.

1-الخصال، الصدوق، ص635.

2- الكافي، الكليني، ج1، ص40، ح1.

3- (م.ن)، ح2.

4-(م.ن)، ح3.

5-(م.ن)، ج5، ص507 ح2.

6-أجوبة الاستفتاءات، ج2، ص23، سؤال47.

7-راجع أجوبة الاستفتاءات، ج2، ص32، سؤال 80 و81.

8-(م.ن)، ص22، سؤال43.

المصدر: مجلة بقية الله